منذ انقلاب يوليو ٢٠١٣ لم تعد ذكرى الخامس والعشرين من يناير في مصر تمر كسابقاتها، فرغم الخلاف بين شركاء الثورة من إخوان ويساريين ونشطاء وحقوقيين تظل الحقيقة واحدة ومفادها أن الثورة المضادة في موقع المنتصر على الأقل تكتيكيا. ويرى البعض أن ذكرى ثورة يناير هذا العام أكثر اختلافا عما مضى وإن كان لكل ذكرى ظروفها. فما هو الجديد هذا العام وما هي مواضع الاختلاف عن ذكريات الثورة في السنوات الخمس الماضية؟
انهزام وإحباط
من جانبه يرى الناشط السياسي محمد مصطفى، عضو جبهة طريق الثورة، أن أنصار يناير يعانون حالة من الانهزام والإحباط بعد ما وصلت إليه حال الثورة من تراجع شديد وتفرق وتسلط النظام الحاكم في مصر على كل ما يمت للثورة بصلة، وأضاف: إلا أن بعض الوقائع هذا العام قد تضفي على المشهد شيئا من الاختلاف.
وقال: إلا أن هذا الاختلاف ليس بالضرورة أن يدفع الشعب للشوارع والثورة من جديد حيث إن البطش الذي مارسه النظام الانقلابي منذ يوليو ٢٠١٣ كرس لحالة من الخوف في نفوس الثوار والشعب بشكل عام، حيث قانون التظاهر وأحكام السجن والمؤبد والإعدام وهو ما جعل البعض يراجع حساباته تحت وطأة الظلم. وتابع: ذكرى الثورة تحل علينا هذا العام وأصداء الحكم التاريخي بمصرية جزيرتي تيران وصنافير لم تهدأ بعد، وهي فرصة للثوار اذا أحسنوا توظيفها، فهي تفتح الباب واسعا أمام كل من كان يثق بالنظام الانقلابي ليرى بعينيه كيف أن النظام في عين القضاء والشعب هو نظام خائن أراد أن يبيع جزءا من الوطن وهو ما كان يتهم به غيره من قبل.
تمدد الثورة المضادة
من زاويته قال الباحث في العلوم السياسية والكاتب المصري علاء بيومي، في تصريحات خاصة لـ” رصد”الثورة بمعناها الأكبر مازالت مستمرة، هي حراك ضخم على مستويات مختلفة، وقد حققت العديد من الأهداف التي لن ترجع بها ساعة الزمن للخلف أبدا كما يرى، منها انهيار لمنظومة القيم السياسية الحاكمة وهو انهيار ليس بعده رجعة إلا أن أنظمة أخرى سيتم تشكيلها وستستغرق وقتا على مستوى الوجود لكنها لن تستقر وطبيعة المرحلة الحالية أنها ستشهد مزيدا من الأزمات.
ويستطرد: نحن الآن في مرحلة تمدد الثورة المضادة وطبعا هذه المرحلة ستنتهي مهما طالت، وذلك عندما يدرك الناس والنخب والعالم أن الانقلاب على الديمقراطية في مصر تكاليفه أكبر من عوائده، لذلك- والكلام لبيومي- فإنه من أكبر الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها أنصار الثورة فقدانهم للأمل لأنها مراحل ولكل مرحلة وقتها.
وأردف”بيومي”: أرى أن الوقت لم يحن لعودة الثورة إلى الشارع، وخاصة مع صعود ترامب، وترسخ أقدام النظام الحاكم وتفرق معارضيه ومعاناة المعارضة المصرية التي تعرضت لضربات موجعة خلال الثلاث سنوات الماضية رأيي المتواضع،ولذلك فإن المعارضة المصرية غير مستعدة، والبيئة غير مهيأة، وهناك حاجة لتغيير أدوات الحراك السياسي بعد مرور 6 سنوات على الثورة و3 أعوام ونصف على الإنقلاب. حماية المتظاهرين والسياسيين وتخفيف الأعباء عليهم باتت ضرورة، وهناك مساحة كبيرة للحراك السياسي لا يتم الاستفادة منها غير التظاهر.
سلبية مناهضي الانقلاب
على جانب آخر يرى مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، هيثم أبو خليل، أن الذكرى السادسة للثورة المصرية تحل علينا وهناك العديد من الاختلافات عن سابقاتها من ذكريات الثورة، حدث اختلاف بالطبع فالانقلاب ممارسته أسوأ وأخطاؤه مستمرة ومتنوعة وأكثر من سابقاتها إلا أن مناهضي الانقلاب، حسب أبو خليل، لا يفعلون شيئا ليتم تقييمه فهم في غالبيتهم متواكلين منتظرين الحل جاهز ينزل لهم من السماء!.
تدهور اقتصادي
وفي سياق مختلف قال الإعلامي والكاتب الصحافي بهاء الدين إبراهيم من أهم نقاط الاختلاف هذا العام الوضع الاقتصادي المتدهور، فالمصريون منذ زمن بعيد لم يعانوا مثل هذه الحالة من التدهور الاقتصادي وغلاء الأسعار، خصوصا بعد “تعويم الجنيه” وانخفاض قيمته بشكل كبير ليقترب الدولار من سعر عشرين جنيها بعدما كان في حدود سبعة جنيهات في عهد الرئيس المعزول مرسي.
وتضاعفت أسعار كل شيء في مصر وآخرها الأدوية بينما، ظلت الرواتب على حالها خاصة بالنسبة لعموم الناس، فتضاعفت الشكاوى حتى في الإعلام المؤيد للنظام الحالي. وهي مسألة جوهرية لدى الشعب المصري يمكن للثوار توظيفها لصالح الثورة إن أرادوا.
تراجع الهيبة
أما عضو حزب الحرية والعدالة السابق عبد العزيز محمد فيرى أنه من أهم النقاط التي تؤيد الاتجاه الثوري في ذكرى الخامس والعشرين من يناير هذا العام هي تراجع الهيبة التي ادعى السيسي أنه جاء للدفاع عنها، حيث بنى السيسي جزءا كبيرا من شرعيته على مواجهة الإرهاب واستعادة مصر قوتها لتصبح “قد الدنيا” حسب تعبيره، لكن بدا أن النتيجة الفعلية هي تفشي الإرهاب، ولم تعد هجماته تقتصر على سيناء في شرق مصر، بل طالت غرب البلاد وجنوبها، ووصلت إلى قلب القاهرة والجيزة أكثر من مرة.
استشراء الفساد
وعطفا على ذلك قال الناشط السياسي، مسعد خيري، أن كل يوم يمر يتأكد المصريون من حجم الفساد الهائل في بلادهم، وبعد أن أطاح السيسي بهشام جنينة رئيس أكبر جهاز رقابي في مصر وهو الجهاز المركزي للمحاسبات بسبب حديث عن فساد يقدر بستمئة مليار جنيه خلال ثلاث سنوات، سرعان ما بدا حتى على لسان الإعلام المؤيد أن حجم الفساد ربما يفوق ما تحدث عنه جنينة وأثار عليه ثائرة السلطة وأتباعها.
القمع والقبضة الحديدية
من جانبه يرى الكاتب الصحافي المصري أنس ذكي أن حالة القمع التي يعانيها المصريون من قبل النظام قد تكون نقطة انطلاق وتجديد لروح الثورة حيث قال: مما يدفع الكثيرين إلى توقع إحياء الثورة بدرجة أو بأخرى هو حالة القمع التي اتسعت كثيرا وباتت تتجاوز معارضي النظام وبسطاء الناس إلى من يفكر من مؤيديه في الخروج عن النص ولو بكلمة كما حدث مؤخرا مع الإعلامي إبراهيم عيسى الذي جرى إيقاف برنامجه اليومي لمجرد انتقادات خجولة وجهها إلى النظام.
وتابع: لكن المتابع لواقع المصريين حاليا يكتشف أن القمع كما أنه من عوامل إثارة غضب بعض المصريين، فإنه أيضا من عوامل الخوف لدى بعضهم الآخر، فأصبح شائعا أن تجد مؤيدين سابقين للسيسي يرفضون الأوضاع الحالية لكنهم يشعرون بالخوف من أي تحرك ولو بالحديث لأنهم أدركوا أن النظام الحالي لا يتسامح مع أي معارضة مهما كانت صغيرة أو من داخل المعسكر.
يأس وتشاؤم
ويرى خبراء أن المصريين لا يخفون شعورهم باليأس والتشاؤم من احتمال تجدد الثورة، خصوصا أن إعلام السلطة نجح في إقناع فئات لا يستهان بها من الشعب بأن كل الشرور التي لحقت بمصر كانت نتيجة للثورة على حكم مبارك، وبأن الصبر على حكم السيسي مهما شهد من غلاء أو غياب للحرية هو أفضل من أن تشهد مصر حربا أهلية على غرار دول أخرى مجاورة.
وبين الثائرين المتفائلين والخائفين المتشائمين، تبقى حقيقة ما تتجه إليه الأوضاع في الذكرى السادسة لثورة يناير بعيدة عن الجزم واليقين، فعلى المتفائلين أن يدركوا أن التغيير ليس سهلا وسط ظروف محلية وإقليمية ودولية كهذه، وعلى اليائسين المتشائمين أن يدركوا أنه في الـ24 من يناير/كانون الثاني 2011 لم يكن مصري واحد يتوقع أن ينجح الشباب الثائر في تحقيق حلم الإطاحة بمبارك.