أميركا،، أنت تبدين كما لو أنك دولة عربية الآن..
أهلاً بكِ إلى النادي..
عزيزتي أميركا:
عن كثب كنا نراقب دراما الانتخابات الرئاسية مع الكثير من الاهتمام والفضول لبعض الوقت وحتى الآن، من الصعب عدم ملاحظة العديد من أوجه التشابه بينك وبين بلداننا، من حيث تدشين الاحتجاجات الملتهبة والخلافات المريرة حول حجم الحشد، وحتى توغل جهاز المخابرات إلى عالم السياسة وصعود المتطرفين اليمينيين، يبدو أنك تنتقل بنا لوجهتنا بشكل كبير، وفي الوقت ذاته، أمثالنا سيتحولون إلى مراسلين أجانب يتملكهم الفضول و يحاولون شرح ما يحدث في المنطقة للعالم، ربما أنت ذاهل حول الوجهة التي اتخذتها، لكننا لم نكن كذلك، ربما هذه ستكون فرصة لوضع خلافاتنا جانبا وإدراك مدى التشابه فيما بيننا.
دعنا نبدأ من البداية، خلال الحملة فوجئنا بإدراك حجم التأثير الذي قام به رئيس المخابرات الأميركية الذي كان يمارسه على العملية الانتخابية، وذلك ببساطة عن طريق اختيار اتباع خط معين من التحقيق، وكما تعلمون، فلقد كان هذا سمة ثابتة من حياتنا السياسية منذ الاستقلال، وسريعا تحولت لدينا المفاجأة إلى الدهشة عندما بدأنا نشهد ازدهار العداء آنذاك بين الرئيس المنتخب والمخابرات الأميركية، وهي ميزة هامة أخرى في السياسة العربية.
وعلاوة على ذلك، بدأنا نسمع تقارير حول التدخل الأجنبي في الانتخابات، والتي يقول البعض أنها قد أثرت على النتيجة، بالطبع، نحن أيضاً على دراية تماما بمثل هذا الوضع تماماً، لأسباب ليس أقلها جهود الإدارات الخاصة بكم على مدى عقود، بعد ذلك جاء بمثابة المفاجأة الاستماع إلى أحاديث عن “أياد أجنبية” و “أجندات سرية” في بلد مثل أميركا، ونحن نتجانس هنا أيضاً.
على الجانب المشرق، لقد كانت هذه أيضا اللحظة التي بدأت نظرية المؤامرة في الانتشار لديكم، أنت تعرفنا حقا، نحن مولعون جدا بنظريات المؤامرة، لا سيما عندما تنطوي على مؤامرات للقوى الخارجية، ونعتبر أنفسنا خبراء في هذا النوع، على الرغم من أن مؤامراتكم خشنة بعض الشيء حول الأطراف، علينا أن نعترف، ولكنها أعلى درجات الإبداع، هل كان انتخاب ترامب مؤامرة روسية؟ أو هل كان الحديث عن المؤامرة الروسية مؤامرة ليبرالية أخرى لتقويض ترامب؟ هل سربت المخابرات معلومات لمساعدة ترامب؟ أم أن المعلومات التي سربتها المخابرات تؤذي ترامب؟ هل كانت التغطية الإعلامية حول مؤامرة المخابرات جزء من مؤامرة ليبرالية لإسقاط ترامب؟ انها جميعها احتمالات لذيذة ومعقدة ومفتوحة، مثل الكثير من التي لدينا.
بدأت الأمور تحظى بإثارة أكثر للاهتمام عندما بدأ الليبراليون بالالتفاف حول فرع وكالة المخابرات المركزية من أجل درء خطر المتطرفين في السلطة والتدخل الخارجي من روسيا، ولعلكم تذكرون أننا أجرينا تجارب مماثلة في السنوات الأخيرة في مصر وتونس وسوريا، وشعرنا بخيبة أمل عندما لم يفهم العالم موقفنا، وبالرغم من ذلك، كان يتحرك لرؤية هذه العروض العامة من تقارب لأمن الدولة، والأوصياء المستنيرين للأمة.
في الآونة الأخيرة، بدأنا حتى بسماع دوي مصطلحات حول “الدولة الأميركية العميقة”، وهذا أيضا مصطلح نحن على دراية به، وتثري لنا الكثير من الآفاق مثيرة للاهتمام، هل ستحاول الدولة العميقة للإطاحة بالرئيس الجديد؟ أم هل سيحاول القضاء منع برنامجه السياسي؟ أي جانب سيتولى الجيش؟ وهل سوف يبدأ المراسلين الأجانب بالحديث عن “أجهزة الظل في الدولة الأميركية”؟ كيف ستقوم هوليود – الذراع الترفيه في الدولة العميقة- استخدام قوتها لمعارضة الرئيس؟ نحن بدوار يغلفه الحماس.
بالمناسبة، في الحديث عن الجيش، في حين شعرنا بخيبة أمل قليلا في البداية أن رئيسنا ليس لديه أي خلفية عسكرية، قال انه سرعان ما سينتقل لمعالجة ذلك من خلال تعيين عدد من الجنرالات في مناصب رفيعة المستوى في الإدارة، لقد كنا على أمل أنهم سوف يحضرون اجتماعات مجلس الوزراء في زيهم، هناك شيء مطمئن تماما عن زعيم الأمة الذي تحيط به الرتب العسكرية، تعتبره صدام حسين.
ترامب بوضوح في عروض عسكرية كبيرة، الجيش يسير أسفل شارع بنسلفانيا، الجيش يحلق فوق مدينة نيويورك وواشنطن العاصمة خلال المسيرات، هنا شخص يفهم حقا كيف يفكر القادة العظام، (يمكننا أيضا أن نوصي الخياطين لجعله يبدو رائعاً بالبزة العسكرية،) شكرا لك سيدي الرئيس، يمكننا الآن استخدام مصطلح “النظام الأميركي”، وبذلك قد حصل بلدك بشكل كامل على الشرف.
وبطبيعة الحال، فإن جانبا آخر بالغ الأهمية في هذا سيبدو وهو تحول موقف الرئيس إلى الازدراء تجاه وسائل الإعلام، وجه الشبه هنا لذيذ، من إلقاء اللوم على الصحافة بسبب المشاركة في المؤامرات السرية لتقويضه إلى أن يهدد وصولها إلى قصره “البيت الأبيض” ومن ثم رفض قبول أسئلة من بعض الصحفيين، الرئيس ترامب يذكرنا بالعديد من قادتنا، في الواقع، إن زعيما عربيا يشكو من تغطية سي أن أن للأحداث وهو إلى حد كبير من دعائم حياتنا السياسية.
أخذ هذا منعطفا مثيرا للاهتمام يوم السبت عندما اتهم الرئيس وسائل الإعلام بتحويل صراعه مع المخابرات ووزير الإعلام السيد شون سبيسر حيث انتقد وسائل الإعلام بسبب حديثهم عن حجم الحشد خلال تنصيب ترامب، التهديدات غير المبطنة من قبل الرئيس والسيد سبيسر إلى وسائل الإعلام هي مشابهة إلى حد كبير بتلك التي تقع خلال الحكم العربي.
نحن ننتظر لنرى كيف يعتزم الرئيس ترامب للتعامل مع التدخلات من قبل الصحافة المزعجة، حتى الآن، هو يذكرنا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ربما قاد أكثر من أي زعيم آخر حركة لوضع الصحافة مرة أخرى في مكانها، فهل سيواصل اتباع نموذج السيد أردوغان من إضعاف تدريجي لحرية الصحافة أم أنه اختار النهج العربي القاضي باستبدال وسائل الإعلام بجهاز أو اثنين من أجهزة الدولة الإعلامية؟
في اللحظة التي شعرنا خلالها بالتضامن الحقيقي مع الشعب الأميركي، بالرغم من أننا بدأنا نسمع صحفيي بي بي سي يتحدثون لمواطنيك مع لهجة الاستعلاء التي عادة ما تخصص للشرق الأوسط، وأرسلت مراسلين إلى الزوايا النائية من الولايات المتحدة لاجراء محادثات مع المزارعين وعمال المصانع في محاولة لفهم كيف يشعرون، وطرح أسئلة متعالية عليهم، أنا من هيئة الإذاعة البريطانية، هل بي بي سي مألوفة بالنسبة لك؟ من أين تحصل على أخبارك؟ هل تشعر بالغضب؟ هل يلعب الدين دورا في كيفية وطبيعة التصويت لديك؟ ( الشيء الوحيد المفقود هنا هو صور لأشخاص مع الحبر الأزرق على إبهامهم، يرجى النظر في إدخال هذه الممارسة لهم في المستقبل).
كان هناك حديث أيضا، من معاقل الريف وحصون الحضر، الانقسامات الاجتماعية والجغرافية العميقة التي تعود إلى أصول قديمة، انها ليست تماماً انقسامات قبلية، بل تعدت لتقسيمات أكثر من ذلك، طائفية ودينية وسياسية ما يكفي لإشعال مصلحتنا.
من هم الليبراليون والمحافظون وكيف بدأت خلافاتهم؟ ما هو الفرق بين بديل اليمين وحزب الشاي؟ ما هو أصل الانقسام بين المحافظين الجدد ومحافظي الباليو؟ مشاهدة المراسلين الأجانب في محاولة لشرح تلك الاختلافات كان أمراً فاتناً.
وبعد ذلك تبدأ الاضطرابات، في الفترة التي تسبق التنصيب بدأنا نسمع عن احتجاجات الشباب ضد النظام الجديد، هيا! هذه فرصتك الآن للانتحال، يرجى كتابة حبكاتك الروائية الخاصة، على الرغم من أننا عادة ما ننتظر القادة للاستيلاء على السلطة قبل أن نبدأ في الاحتجاج، نحب اتباع نهجك في الثورة الاستباقية.
وفي التدشين، ما هذا العرض المذهل؟! احتجاجات وأعمال شغب، غاز مسيل للدموع، كانت جميع مقومات الثورة العربية حاضرة، رأينا تكسيرا لنوافذ “بنك أوف أميركا”، ألسنة اللهب تلتهم سيارة ليموزين، ويبدو أن الكتلة السوداء قد صنعت الحدث، حرق أحدهم دمية للسيد ترامب بالإضافة للعلم الأميركي، “لقد كان ذلك في كندا صحيحا، لكنه ما زال”، نحن نتطلع إلى المزيد من تلك اللحظات التي التقطتها عدسات وتحولت إلى المقالات المصورة في الصحافة الأجنبية.
إذا كنت تريد أن يكتب لهذه الاحتجاجات النجاح، إذن، إليك بعض النصائح الهامة: استخدم وسائل الإعلام الاجتماعية وسلط الحديث عن أهمية تويتر وفيسبوك في نشر الحركة الاحتجاجية، تأكد من تسليط الضوء على أن هذا الحراك خاص بك وهو بلا قيادة ودون عضوية أحد، قم بالتأكيد على حقيقة أنك لا تنتمي إلى أي أحزاب سياسية تقليدية أو أن لديك أي من الأيديولوجيات المعمول بها في الساحة، عليك الخروج بشعارات جذابة، وقبل كل شيء، تأكد من التشديد على أنك من المعتدلين، الصحفيين والمحللين يحبون سماع هذه الأشياء، هكذا اكتشفنا خلال احتجاجاتنا، وتوخي الحذر حول تلقي مساعدة من أي قوى خارجية، توارد لأسماعنا أن كل من كندا والمكسيك قد تحاولان التدخل في السياسة الداخلية، الروس سيشاركون بالفعل، وهذه الأمور واعدة لبلورة أي مواجهة دولية.
كن على استعداد لطوفان من المقالات حول ما إذا كان التدخل في أميركا هو صواب أو خطأ، سواء كان تغيير النظام لا يمكن أن يتحقق بسرعة أو ما إذا كان سيصبح النزاع الذي طال أمده، حربا بالوكالة أو بالبطاقات.
على الرغم من ذلك أحذرك، قبل الشروع في هذا المسار، حاولنا نحن نفس الشيء في الثورة، لكنه لم يعمل بشكل جيد جدا، ربما يجب عليك فقط التكيف مع المعيشة في النظام الجديد، وقيل لنا دائما أن وجود رجل قوي في المسؤولية هو الحل الأفضل للدول العربية، وإلا سيكون هناك فوضى، ولعل الشعب الأميركي ليس مستعدا للديمقراطية بعد كل هذا، لذا عليك مواجهة الأمر يا أميركا، التي تبدو وكأنها دولة عربية الآن.
عزيزكِ
العالم العربي
من فضلك، لقد سمحت لنفسي إعادة تصميم العلم الخاص بكم، هل أحببتم ذلك؟ ، عليكم إرفاق استمارة الطلب إلى جامعة الدول العربية، والنظر في الانضمام.
*نشر هذا المقال في صحيفة بوليتيكو بتاريخ 22 يناير 2017، بواسطة: كارل شارّو.