نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا حول الهجمات التي تعرضت لها الجمهورية التركية خلال الفترة الأخيرة، وارتباطها بالحرب في سوريا.
ويبدأ التقرير الذي أعدته إيرين كونينغهام مراسلة الواشنطن بوست برصد تلك الهجمات المتعاقبة على تركيا، والت بدأت بقنبلتين ملغومتين في ملعب, تبعه قتل دبلوماسي روسي, وبعد ذلك بعدة أيام فقط إطلاق نار كبير في ملهى ليلى أثناء احتفال برأس السنة الميلادية الجديدة.
وكانت الاعتداءات التي نفذت على مدى فترة ثلاثة أسابيع ابتداء من ديسمبر، بمثابة تذكير صارخ بقرب تركيا من خطورة الحرب المجاورة لها في سوريا، و أن الصراع قد استهلك الشؤون الداخلية والخارجية التركية بشكل مطرد.
وهاجم الانفصاليون الأكراد الملعب في اسطنبول، في حين أكدت الدولة الإسلامية مسؤوليتها عن مجزرة ملهى ليلي، محذرة تركيا من العمل العسكري ضدها في سوريا، وفي أنقرة ضابط شرطة – ولكن على ما يبدو يعمل لوحده- تذرع بالمجزرة التي وقعت في مدينة حلب السورية لقتل السفير الروسي بالرصاص في 19 ديسمبر.
ويؤكد التقرير على أن الأزمة في سوريا قد عمقت خطوط التصدع السياسي والاجتماعي في تركيا، حيث أدى إلى انتقال العنف إلى مدنها و عزلها عن حلفائها التقليديين.
على الجانب الآخر القوات التركية تقاتل وتموت في المعارك مع الدولة الإسلامية في سوريا، فيما تتجه علاقاتها مع عدد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة “إلى التوتر بشكل ملحوظ.”، بمعنى أن أي جهود لمعالجة الصراع في سوريا يرتد مرة أخرى إلى السياسة الداخلية لتركيا”.
ويقول هارون شتاين، زميل بارز في مركز رفيق الحريري لشؤون منطقة الشرق الأوسط: أن “تركيا تشترك بحدود تزيد عن 500 ميل مع سوريا، ولكن عدم وجود أي حل سياسي في الأفق”، يعني أننا أمام مزيد من دورات العنف”، مشيرًا إلى أن تركيا ليس لديها إجابات لكيفية حل النزاعات التي لا تعد ولا تحصى في الداخل التركي أو في المنطقة ككل، ويتابع “كيف تحولت الثورة السورية إلى تلك الفظاعة، إنه خطأ مأساوي”.
وكانت تركيا واحدة من أوائل الدول المتضررة من النزاع السوري، مع ما يقرب من 3 ملايين لاجئ على أراضيها, ما جعلها تقود حملة تدعو لإقامة منطقة دولية آمنة للمدنيين.
وحثت تركيا في البداية الرئيس بشار الأسد إلى الامتناع عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد الاحتجاجات السلمية في عام 2011م، ولكن رد فعل الأسد ثقيلة الوطأة على المظاهرات دفعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان رئيسًا للوزراء في ذلك الوقت، لقطع العلاقات مع النظام، وسرعان ما ألقى بثقله وراء المعارضة السورية، ثم قرر استقطاب المزيد إلى تركيا، وبدأ يحشد مع قاعدته السنة الكبيرة في الحشد لقضية الثورة، اعترض خصومه اليساريين على ما قالوا إنه سياسة خارجية مغامرة ودعوا أردوغان وحزب العدالة والتنمية لوقف دعمهم للمتمردين الإسلاميين في سوريا.
يقول مسؤول تركي فضل عدم الكشف عن هويته: “موقفنا من بشار الأسد واضح: نحن لا نعتقد أنه من الممكن لسوريا أن تكون سليمة وموحدة في وجوده”، ولكن بعد سنوات, الأسد لا يزال في السلطة فيما تركيا معزولة إقليميًا، بسبب ما يزعمه النظام السوري بدعم تركيا لمتشددين سوريين, الأمر الذي نفاه بقوة مسؤولون أتراك.
ويقول سونر جاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “لقد أصبحت الحرب في سوريا أكبر تحد يواجه السياسة الخارجية التركية منذ نهاية الحرب الباردة”، “ونتيجة لمحاولتها الفاشلة للاطاحة بنظام الأسد، تميزت أنقرة بأن لديها مبغضين من جميع الأطراف الرئيسية في الصراع السوري، من الأكراد إلى [الدولة الإسلامية] وحتى نظام الأسد.”
وفي تصريحات على لسان مسؤول تركي، أنه في محاولة لكسر تركيا لعزلتها، خففت مؤخرًا لهجتها ضد سوريا، والآن هي في شراكة مع روسيا – الحليف الأقوى للأسد – ولاستئناف محادثات السلام والحفاظ على وقف إطلاق النار “قامت تركيا بالتعاون مع روسيا بالتوسط لإخلاء شرق حلب ووقف إطلاق النار في سوريا”.
وتابع “تركيا تهدف إلى تحقيق تقدم نحو حل سياسي في البلاد”، وقال المسؤول إن محادثات السلام المزمعة، والتي ستعقد في العاصمة الكازاخستانية أستانا: “أن تركيا سوف تحضر المحادثات كضامن”، ولكن في اعتراف علني نادر، قال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش لصحيفة حريت التركية: أن “تركيا يجب أن “تصحح أخطائها في سوريا”، حيث قال “أنا من أولئك الذين يعتقدون أن سياستنا في سوريا خلفت أخطاء كارثية”، ففي حين تعهدت تركيا بدحر بعض سياساتها الأكثر تشددًا، لا تزال علاقاتها مع الولايات المتحدة محفوفة التوتر بشأن سوريا.
تركيا تعارض علنًا تعاون الولايات المتحدة مع الميليشيات السورية الكردية في الحرب ضد الدولة الإسلامية. وحدات حماية الشعب السوري الكردية، أو ما تعرف بـ YPG، كانت قد اقتطعت أراض في شمال سوريا من أجل إقامة دولة كردية في المستقبل مما أثار قلق تركيا، التي أضحت تشعر بالقلق بشأن طموحات سكانها الأكراد.
ويقول مسؤولون أتراك أن YPG لا يمكن تمييزه عن الجماعات الكردية التي تشن هجمات داخل تركيا، والتي قامت قوات الأمن بشن حملة قوية عليها. وتقول الولايات المتحدة أن YPG هي قوة قتالية أكثر فعالية ضد المتشددين الاسلاميين.
وقال الرئيس أردوغان في خطاب له الشهر الماضي: “نحن حلفائكم في حلف شمال الأطلسي، كيف يمكنكم توجيه دعمكم لمنظمات إرهابية من دوننا؟!”
وتعتبر تركيا والولايات المتحدة حليفتان في الناتو ومن الشركاء الاستراتيجيين في الإقليم، ويقول مسؤول تركي، هناك نوعان من النقاط العالقة بينهما، أولاً: الولايات المتحدة لا توافق على تسليم رجل الدين المسلم فتح الله كولن إلى تركيا، حيث يشتبه أنه من يقف خلف تدبير محاولة انقلاب فاشلة في الصيف الماضي، والمسألة الثانية هي دعم واشنطن لYPG، والذي تعتبره تركيا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. حزب العمال الكردستاني كان قد تم إغلاقه في الصراع المستمر منذ عقود مع تركيا حيث صعد مؤخرا من هجماته ضد الدولة التركية.
سليم كورو، المحلل في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية لتركيا، وهو مركز أبحاث مقره أنقرة، يؤكد أن العلاقات المهتزة مع الولايات المتحدة ربما تجبر تركيا “نحو الانتقال إلى نموذج جديد للأمن”، ثم تابع، “مثل هذا التحول لا يمكن أن يكون على نحو سلس.”
وفي أغسطس، شنت القوات التركية هجومًا على بلدة جرابلس التي تسطير عليها (الدولة الإسلامية) في سوريا، الهجوم أطلق عليه اسم درع الفرات، ومدعوم من قبل الولايات المتحدة، لكن تركيا منذ ذلك الحين انتقلت من جانب واحد لمحاربة متشددين إسلاميين في بلدة حدودية تدعى الباب، حيث تلقى القوات التركية مقاومة شديدة أسقطت عدد من القتلى في صفوفها وعشرات الجرحى، وأن سيطرة تركيا على مدينة الباب سيكسر وجود الدولة الإسلامية على حدود تركيا وسيعمل على خفض مساحة الأراضي التي يطالب بها الأكراد السوريين.
وأوضح “كورو”، أن عملية الدرع الفرات هي علامة فارقة في السياسة الخارجية لتركيا”، مضيفًا أن تركيا نادرًا ما تتدخل خارجيًا لاحتلال مناطق ليست لها، “ما أفهمه هو أن “الدولة الإسلامية” كانت أكثر استعدادًا للدبابات التركية عن ما هو مخطط له في أنقرة”.
