انطلق جدل قانوني ودستوري حاد حول إمكانية خوض جولات أخرى للفصل في قضية تيران وصنافير، سواء أمام المحكمة الدستورية العليا، أو عبر طرح الاتفاقية على مجلس النواب، أم أن المحكمة الإدارية العليا قد أنهت الأمر وألغت الاتفاقية بحكمها.
وجاء في حكم المحكمة الإدارية العليا في القاهرة، والذي قضى برفض طعن الحكومة المصرية في حكم بطلان توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وباستمرار السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير، “سيادة مصر مقطوع بها على الجزيرتين، والحكومة لم تقدم وثيقة تثبت أن الجزيرتين سعوديتان”.
القضية ما زالت حتى الآن في إطارها المصري، والمملكة العربية السعودية لم تعلق كثيرا على المسلسل القضائي المصري، ولكن الكثيرين يتساءلون عن الأسباب التي تدفع بالمملكة لإشعال أزمة من هذا النوع من أجل جزيرتين في مدخل خليج العقبة، لم تتول الرياض إدارتهما في يوم من الأيام، ولماذا يضع السيسي نفسه في هذا المأزق، في الوقت الذي تعيش مصر فيه تحت وطأة أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية حادة ومتتالية.
ربما ينبغي البحث عن الإجابة الحقيقية لهذا السؤال على المستوى الإقليمي، ذلك إن ضم الجزيرتين إلى السعودية سيحول مضيق تيران من مضيق مصري إلى ممر ملاحة دولي، مما سيسمح للسفن الإسرائيلية بالمرور منه نحو ميناء إيلات دون الحاجة لإذن خاص من السلطات المصرية، كما سيحول ذلك المملكة العربية السعودية إلى دولة جوار لإسرائيل، وينبغي عليها بالتالي إجراء محادثات فنية، ولكن رسمية، حول إدارة أمور الجزيرتين، وستشكل محادثات من هذا النوع أمرا غير مسبوق لكلا البلدين، ويبدو بالتالي أن نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير، سيؤدي لتغييرات استراتيجية مهمة وأن الإجراء يحقق مصالح حيوية بالنسبة لأطراف إقليمية أساسية.
يتساءل الكثيرون كيف زج السيسي بنفسه في هذا المأزق، ذلك إنه من المعروف أن التنازل عن أرض، يرى المصريون أنها تعود إليهم، يمس أحد الثوابت الأساسية في العقل الجماعي للمصريين، والذين من الممكن أن يختلفوا وينقسموا في تقييم الأداء السياسي والاقتصادي للسلطة، إلا أن تجربة الأشهر الأخيرة بشأن ملف تيران وصنافير أثبتت أنها قلة تلك التي تقبل أن تورط نفسها في قضية من هذا النوع دفاعا عن السيسي.