يتصدر الرئيس الأميركي ترامب أخبار الصحف ووسائل الإعلام؛ ليس لأنه زعيم أكبر دولة في العالم، ولا لأنه سيتسلم مهام منصبه بعد يومين، بل لأن قصصه بالغة الإثارة، بخاصة تلك المتعلقة بمغامراته الجنسية، إلى جانب مواقفه السياسية، فضلاً عن رعونته في التعامل مع الآخرين، ومن ضمن ذلك وسائل الإعلام.
في أول مؤتمر صحافي له، تصرف ترامب كممثل نزق، حيث اصطدم بثلاثة صحافيين (معاركه على «تويتر» يومية)، وهذا يعكس طبيعة شخصيته، أما الفريق الذي عينه، أو اقترحه، فلا يقل عنه إثارة، من دون أن ينسجم بالضرورة مع مواقفه المعلنة، فهذا أحدهم يقول: إن تل أبيب هي عاصمة الكيان الصهيوني، خلافاً للحديث عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهذا آخر (وزير الدفاع) يعتبر روسيا التحدي الأكبر للولايات المتحدة، فيما يرى هو أن الصين هي التحدي الأكبر، وهذا ثالث يدافع عن روسيا، وذاك يرفض الاتفاق النووي مع إيران ويهدد، وقس على ذلك.
هو رئيس عجيب، وفريقه خلطة عجيبة أيضاً، والوصف الأبرز الذي يمكن أن ينطبق على ترامب هو أنه رجل خارج التوقعات، وسيكون من الصعب التنبؤ بسلوكه السياسي، في ذات الوقت الذي يصعب الجزم بطبيعة تعاطيه مع مؤسسة الجيش والأمن، لا سيما أن ما جرى خلال الأسابيع الأخيرة ألقى بظلال من الشك حول تلك العلاقة، حتى وصل الحال بالبعض حد التشكيك في ما إذا كان سينهي سنوات حكمه الأربع أم لا.
حتى الكيان الصهيوني الذي يمكن القول إنه الأكثر ارتياحاً وسعادة بفوز ترامب، لن تعدم من كبار محلليه وسياسييه من يحذر من تبعات سلوكه السياسي؛ إن كان على صعيد إمكانية الرد فلسطينياً بتصعيد الانتفاضة بعد تكريس اليأس من أية إمكانية للحل، أم لذات السبب الذي ذكرناه ممثلاً في صعوبة توقع ما سيفعله، وها إن محللا كبيرا بوزن «يعقوب عميدور»، يكتب في «إسرائيل اليوم» قائلاً: «مثلما تبدو الأمور الآن، وحتى لو كان مبكرا إصدار الحكم، فإن مشاعر الرئيس وميوله ستشكل أساساً مريحاً أكثر بالنسبة لدولة إسرائيل. ولكن يجب أن نتذكر أنه رجل أعمال عنيد».
الصين خائفة؛ ولعلها الأكثر خوفا؛ ليس لأنها ضعيفة، ولكن لأنها كانت ترتب أوراق تصدرها للمشهد الدولي بهدوء، تاركة أميركا تنشغل بملفات الشرق الأوسط، ومطاردة ما تسميه الإرهاب، وهي كانت تصعد عسكريا واقتصاديا وتكنولوجيا. ولا شك أن صدام ترامب معها سيحرمها من الميزات التي تمتعت بها طوال ولايتي بوش، وولايتي أوباما.
عربياً، هناك مخاوف كبيرة، ربما باستثناء النظام المصري وبعض الأنظمة المشابهة التي تراه ميالا للدكتاتورية. وفيما ترتاح بعض دول الخليج لسياسته المتوقعة حيال إيران، فإن عقلية الابتزاز التي يتمتع بها تبدو مخيفة، وقانون «جاستا» الذي يستهدف السعودية (وكذلك إيران) سيكون أداة ابتزاز مخيفة على الأرجح.
مرة أخرى نقول: لأنه رجل خارج التوقعات، فسيعيش العالم معه أربع سنوات مثيرة؛ الله وحده يعلم ما الذي ستحمله من مفاجآت، وربما نزاعات وحروب أيضاً. وما يعزّينا أنه لا يوجد لدى أمتنا الكثير مما تخسره وسط الخسائر الراهنة، وقد يفضي صراع الكبار إلى بعض الفوائد للمستضعفين!!