في عام 2016، واصَلَت الصراعات في الشرق الأوسط انتشارها إلى ما هو أبعد من القضية الإسرائيلية الفلسطينية التي هيمنت على السياسة الإقليمية فترة طويلة. ومع دخول عام 2017، تتمزق أربع دول رئيسية (العراق وليبيا وسوريا واليمن) بسبب حروب أهلية.
وتؤثر هذه الصراعات بشكل مباشر أو غير مباشر على بقية العالم من خلال تصدير الإرهاب واللاجئين، وهي المنتجات التي تساهم في انبعاث الشعبوية والاستبداد في الغرب، والذي لم تسلم منه أي دولة تقريبا. وفي السنة المقبلة سيجد العالَم نفسه تحت ضغوط متزايدة -وعلى نحو غير مسبوق- للبدء في حل صراعات الشرق الأوسط، وما يترتب عليها من آثار جانبية بالغة الخطورة.
بادئ ذي بدء، لابد أن يكون إحياء عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين على رأس الأولويات. فرغم أن الصراع لم يحظ في السنوات الأخيرة بذلك القدر من الاهتمام الذي كان يحظى به مِن قَبل، فإن إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية -وما يصاحبه من أزمة إنسانية- لا يقل أهمية الآن عن أي وقت مضى.
فالتوصل إلى تسوية متفق عليها -تستند إلى شروط واضحة، وتدعمها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبقية المجتمع الدولي- من شأنه أن يضمن أمن إسرائيل وتطبيع علاقاتها ضمن حدود المنطقة، وخاصة مع جيرانها العرب. وهذا من شأنه أيضا أن يخلق الفرص للتعاون الإقليمي والعالمي، في حين يعمل على إعادة المصداقية للنظام الدولي ذاته.
ولا يسعنا إلا أن نأمل أن يستأنف الرئيس المنتخب دونالد ترمب جهود صُنع السلام الأميركية، وأن تكون اللغة التي استخدمها أثناء حملته الانتخابية في الحديث عن فلسطين ووضع القدس غير معبرة عن مقترحات سياسية.
ويُحسَب لفرنسا ما أظهرته من اهتمام بإحياء عملية السلام، حتى وهي تتحمل الهجمات الإرهابية التي يرعاها تنظيم الدولة الإسلامية. ومؤخرا حاولت روسيا أيضا حث قادة إسرائيل وفلسطين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بموسكو، حتى وهي تساعد الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية التي تدور رحاها في سوريا.
تدل المبادرات الأخيرة التي اقترحتها هذه الدول على أن المجتمع الدولي يتوق بشدة إلى حل الصراع الدائر والأقدم في الشرق الأوسط، للمساعدة في وقف المد الإرهابي وغير ذلك من المشاكل العالمية النابعة من المنطقة.
ولدفع عملية صُنع السلام إلى الأمام في عام 2017، ينبغي للمجتمع الدولي أن يتبنى مبادرة السلام العربية، التي طرحها عاهل المملكة العربية السعودية الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام 2002. وقد استقبلت أطرافُ الصراع كافةً مبادرةَ السلام العربية استقبالا حسنا، وأيدتها جامعة الدول العربية.
أما عن العراق وليبيا وسوريا واليمن، فيتعين على المجتمع الدولي أن يستمر في تنسيق الحملات العسكرية المشتركة ضد معاقل الإرهابيين في كل من هذه الدول. ولكن إنهاء هذه الصراعات يتطلب حلولا سياسية.
ورغم تقديم مقترحات بتقسيم هذه الدول فعلا، فإن هذا لا يمكن تنفيذه قبل أن تتفق الأطراف كافة عليه. وليس من الواضح -في واقع الأمر- أن تشكيل هذه الدول قد يكون أسهل من محاولة الحفاظ على تماسك الدول القائمة.
لقد فتح المحاورون الأجانب والقادة السابقون غير المسؤولين في الشرق الأوسط أبواب الجحيم على المنطقة، بدءا بالحرب في العراق. وكان ينبغي للعالم أن يستوعب درسا واحدا من تلك الكارثة، وهو أن تقسيم الدول قد يؤدي إلى عواقب جيوسياسية بعيدة المدى ولا يمكن التنبؤ بها.
فلا تزال فصائل بعينها في العراق وسوريا تستثمر فراغ السلطة في الدولتين، وتلاحق أهدافا متطرفة لن تُفضي إلا إلى التحريض على المزيد من الطموحات الاسترجاعية والتوسعية في المنطقة. وأي تسوية تجبر الناس على التنازل عن الأراضي أو الموارد -التي يعتبرونها جزءا من إرثهم الوطني- من شأنها أن تزيد الموقف سوءا على سوء.
كثيرا ما توصف الحروب الدائرة بالوكالة في العراق وليبيا وسوريا واليمن باعتبارها صراعات طائفية بين مسلمين شيعة وسُنّة. ولكن أحد العوامل الكبرى التي تعزز الاقتتال الطائفي هي انعدام الثقة بين إيران والسعودية. وسوف تخلف تسوية الخلافات بين هاتين القوتين الإقليميتين تأثيرات إيجابية بعيدة المدى على العديد من النزاعات المحلية في المنطقة.
ولهذا، ينبغي لهذه النزاعات الطائفية أن تُحَل بجهود سياسية رفيعة المستوى تتبنى نماذج تصالحية، مثل “مبادرة التقارب الإسلامية” التي طرحتها تركيا وكزاخستان في أبريل/نيسان (2016) في إطار قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول. فمن المؤكد أن العلاقة بين إيران والسعودية متوترة؛ ولكن البلدين اتفقا على العديد من القضايا في الماضي، ولا يوجد نقص في الأمثلة التاريخية للتعايش السلمي بين الشيعة والسُّنّة.
في غياب جهود طموحة لتحقيق التقارب، ستستمر الحروب والإرهاب في إلحاق دمار هائل بالشرق الأوسط. فقد توقفت أنشطة التجارة والصناعة والنقل في أقسام كبيرة من العراق وليبيا وسوريا واليمن، وهذا يضر باقتصاد المنطقة بالكامل.
ويَصِف تقرير حديث صادر عن صندوق النقد الدولي كيف تعمل الصراعات المسلحة على تعويق النمو، ودفع معدلات التضخم إلى الارتفاع في مختلف أنحاء المنطقة، ويحذر التقرير من أنه في حين يمكن احتواء هذه التكاليف بالاستعانة بتدخلات سياسية معينة، فلا يوجد حل معجزة دون إنهاء العنف.
إن الصراعات في الشرق الأوسط لا تدمِّر البنية الأساسية الاقتصادية والمنشآت الصناعية فحسب؛ بل وتخرب تماما أنظمة الرعاية الصحية، والخدمات التعليمية، والمواقع التراثية الثقافية، والعديد من المؤسسات الاجتماعية الأخرى.
ويشير تقرير مزعج صادر عن منظمة اليونيسيف إلى حرمان الملايين من الأطفال والشباب النازحين من التعليم وتحولهم إلى خاملين عاطلين، وهو ما من شأنه أن يجعلهم غير صالحين للعمل في أي مكان، والذي يعني ضمنا فرض تكاليف اقتصادية واجتماعية لا حصر لها في المستقبل.
والواقع أن أي جهد ناجح في السنوات المقبلة لإنهاء صراعات الشرق الأوسط لابد أن يكون مصحوبا بمشاريع واسعة النطاق لإعادة البناء -استنادا إلى خطة مارشال التي أعادت بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية- لمنع الدول من الانزلاق إلى أتون الحرب من جديد.
ويتعين على أنصار الإصلاح السياسي في المنطقة أن يضعوا على رأس أجندتهم الإقليمية مبادئ مثل حقوق الإنسان، وحُكم القانون، والشفافية، والحكم الرشيد. وفي عام 2017، سيكون لِزاما على الدول التي تمكنت من تجنب الصراع المسلح أن تعكف على صيانة استقرارها النسبي، حتى يتسنى لها أن تساعد في إعادة الاستقرار إلى المنطقة بأسرها.