يرى إبرهيم فريحات، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا وجامعة جورجتاون، أن سوريا لن تكون ذات أولوية لدى الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، لذا “سيبيع الورقة السورية” إلى نظيره الروسي، فيلاديمير بوتين، وشدد في الوقت نفسه على أهمية الدورين التركي والروسي في التوصل إلى حل للأزمة السورية قابل للتطبيق.
وفي حوار مع وكالة الأناضول، رجح فريحات أيضا أن يتبنى ترامب موقفا أكثر تشددا من إيران، مقابل تحسين العلاقات مع دول الخليج، وألا تكون القضية الفلسطينية ذات أولوية لديه، مع استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل، ورغم ذلك وصف تخوفات منطقة الشرق الأوسط من ترامب، الذي يتولى السلطة في 20 ينايري الجاري، بـ”المبالغ فيها”.
وبينما تتبنى إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، باراك أوباما، موقفا مؤيدا للمعارضة السورية ومطالبا برحيل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، فإن فريحات رأى أن “ترامب سيتعامل مع بوتين (الداعم عسكريا للنظام السوري) للتوصل إلى حل عبر بيع الورقة السورية له، فسوريا ليست أولوية لترامب، وليس لديه مشكلة في أن تستأثر روسيا بسوريا.. هذا هو رأي ترامب، ولا يمثل موقف حزبه الجمهوري، الذي يتبنى موقفا عدائيا ونديا من موسكو”.
وأضاف: “يجب أن نراقب العلاقة بين ترامب وحزبه؛ لنرى كيف سيضغط الحزب على ترامب لاتخاذ موقف معين، وكيف ستتطور العلاقة بينهما”.
وحسب قرائته فإن “النزاع في سوريا وصل مرحلة النضوج، أي أن الأطراف كافة باتت مقتنعة باستحالة الحسم العسكري، ومستعدة للتوصل إلى حل عبر مباحثات سياسية، فحتى الأطراف الأكثر تشددا في هذه الأزمة، وعلى رأسها إيران، صدرت عنها تصريحات تفيد بأن الحل العسكري غير ممكن الآن”.
دور تركيا وروسيا
بجانب مرحلة النضوح، تابع أستاذ النزاعات الدولية، فإن “روسيا تمسك حاليا بزمام المبادرة، وموقفها تجاه الحل السياسي أكثر عقلانية من إيران والنظام السوري مجتمعين؛ فموسكو ليس لديها نية خوض حرب استنزاف طويلة، فهي معنية بإيجاد تسوية سياسية تنقذها من أفغانسان ثانية”.
فريحات أضاف أن “الأطراف المشاركة في المحادثات حاليا، هي الأطراف الفاعلة، وأكثر طرفين قادرين على إحداث تغيير في المعادلة السورية، هما تركيا وروسيا؛ بجانب قبول المعارضة السورية بالتسوية السياسية”.
وموضحا، تابع أن “إيران والنظام السوري لا يستطيعان الإنجاز في ملف سوريا بمعزل عن روسيا، فالتدخل العسكري الروسي، وليس التدخل الميليشياتي أو الاستشاري الإيراني، هو الذي أحدث تغييرا على الأرض.. الكلمة الفصل في معسكر النظام السوري هي لروسيا، لا سيما أنه بإمكانها شل مجلس الأمن الدولي عبر الفيتو (حق النقض) وإفشال أو إنجاح مواقف معينة”.
كما شدد على أهمية دور تركيا، قائلا إن “تركيا السابق ليست تركيا اليوم؛ فهى أقوى الآن على أكثر من صعيد؛ تركيا اليوم موجودة على الأرض.. وقد تجاوزت أنقرة أزمتها مع موسكو (بشأن إسقاط المقاتلة الروسية)، واستطاعت تقوية دورها”.
فريحات اعتبر أن “مما يزيد فرص نجاح الاتفاق الروسي التركي (الراهن بشأن وقف إطلاق النار في سوريا) هو أن عدد الداخلين فيه قليل؛ ففي الاتفاقات عندما تكون الأطراف كثيرة يدخلها ذلك في نفق الدبلوماسية والبروتوكولات والتغييرات الدولية، فضلا عن حرص كل طرف على حزمة مصالحه”.
رغم ذلك، اعتبر أن “الذي يحدد نجاح هذه المفاوضات هي المعارضة السورية، رغم أنها الطرف الأضعف؛ فهي تملك شيئا مهما للغاية، وهي الشرعية، وبدونها لن تكون أي مفاوضات جدية، وإذا لم يتوفر تمثيل حقيقي للمعارضة في أي مفاوضات سيفشل أي حل مهما كانت الأطراف الداعمة له”.
والاتفاق الراهن وقعته روسيا مع تركيا بمعزل عن إيران، وهو ما أرجعه فريحات إلى أن “التدخل الإيراني كان على حساب سيادة النظام (بشار الأسد) على الأراضي السورية؛ فالخارج يأتي بحزمة مصالح على حساب السيادة داخل البلد؛ ودخول روسيا جاء أيضا مؤثرا على سيادة إيران والنظام السوري معا”.
شراكة ومساءلة
ثمة عامل آخر يحدد فرص التوصل إلى حل سياسي في سوريا، وهو وفق أستاذ النزاعات الدولية، أن “يكون الموقف الروسي موقف تفاوضي حقيقي، ليس من باب المعادلة الصفرية بفرض شروطه.. لا بد من نية حقيقة لشراكة في الحل، والتعامل مع المعارضة كشركاء في الحل، وليس بفرض حل بعد تحقيق (النظام السوري وروسيا وإيران) الانتصارات العسكرية في (مدينة) حلب (شمالي سوريا)”.
وبحسب فريحات “لا تكمن الأهمية في بلوغ حل سياسي، وإنما البدء في تنفيذه؛ فالعدد الأكبر من النزوعات الدولية تم التوصل إلى حلول لها، لكن وقع الفشل عند التطبيق، فاتفاق أوسلو ١٩٩٣ مثلا (بين الفلسطينيين والإسرائيليين)؛ كان بمباركة دولية، ثم عمق حالة النزاع؛ وكذلك اتفاق الطائف في لبنان (1989)، فرغم أنه أسكت مدافع الحرب الأهلية، إلا أن لبنان دخل في معادلة نزاع بنيوي لا يزال يعاني منه”.
والأهم، وفق فريحات، هو”دخول الأطراف كشركاء في الحل، وليس بمنطق تفوق طرف على آخر؛ فإسرائيل لم تدخل اتفاق أوسلو كشريك، وإنما لتنفيذ مصالحها، وهو ما قتل الاتفاق منذ بدايته”.
كما شدد على أهمية “إرساء مبدأ المساءلة للنظام والمعارضة السورية بشأن المجازر التي جرت في سوريا.. ففشل الحل السياسي اليمني كان لهذا السبب؛ حيث أعطيت حصانة لنظام الرئيس (السابق) علي عبد الله صالح ومن عملوا معه؛ وجرى نقل النظام الفاسد إلى المرحلة الجديدة، فدخل البلد في حالة حرب أهلية”.
وعن موقف الخليج، الداعم للمعارضة السورية، في معادلة الحل السوري، قال إن “التحالف الخليجي مع تركيا لا يزال بحالة صحية، ووجود تركيا في الاتفاق (الراهن مع روسيا) يعد ممثلا للموقف الخليجي.. الخليج أعطى مباركة رسمية للاتفاق، ولا يمكن نغييب الموقف الخليجي”.
موقف متشدد تجاه إيران
وبشأن سياسة ترامب المحتملة تجاه طهران، التي تناصب واشنطن العداء في ملفات عدة، قال أستاذ النزاعات الدولية إن “تأثير ترامب على إدارته سيكون في ترتيب الأولويات؛ حيب ستستمر أولوية الحرب على الإرهاب وملاحقة تنظيمي داعش والقاعدة، بينما على رأس الأولويات الخارجية التي سيحدث فيها تغيير هو الموقف من إيران، الذي سيصبح أكثر تشددا، ربما لا يبلغ الأمر حد إلغاء الاتفاق النووي، لكن سيكون هناك تشددا في تطبيقه”.
وفي يوليو/ تموز 2015 أبرمت إيران والدول الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا وألمانيا) اتفاقا وافقت طهران بموجبه على تقييد برنامجها النووي، مقابل تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب هذا البرنامج، الذي تقول الدول الستة إنه كان يهدف إلى إنتاج أسلحة نووية، وهو ما تنفيه إيران.
تحسين العلاقات مع الخليج
في المقابل، وفق أستاذ النزاعات الدولية، فإن “الأولوية لدى ترامب هي تحسين العلاقات مع دول الخليج، ليس حبا فيها، بل نكاية في طهران، وطمعا في قدرات الخليج المالية، فالدولار هو بوصلة (رجل الأعمال الملياردير) ترامب”.
وفي ملفات إقليمية عدة، في مقدمتها سوريا واليمن، تتصارع مصالح الخليج وإيران، التي تتهمها عواصم خليجية بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى،وهوما تنفيه طهران.
وحول العلاقات الخليجية الإيرانية ومستقبلها على المدى القريب؛ اعتبر أن “هناك حاجة ماسة لهدوء العلاقات بين الخليج وإيران.. كل المؤشرات تلزم بأن يكون هناك تعاونا وتنسيقا بين الطرفين لتحقيق مصالحهما، عبر علاقة تكاملية بدلا من العلاقة العدائية الراهنة”.
هذا التعاون والتنسيق المأمول قال فريحات إن “هناك فرصة لتحقيقه من حيث المبدأ، إذا كان لدى إيران استعداد لتغيير سياستها تجاه المنطقة، ووجد الخليج منها مبادرة صادقة نحو التعاون مع المنطقة، بدلا من الفرض والنفوذ”.
لكن، وفق فريحات، “هذا غائب على المدى المنظور؛ لأن حالة الاستقطاب التي تعيشها المنطقة بين الخليج وإيران لا تسمح بذلك، والعامل الأساسي هو غياب ثقة الخليج في إيران؛ لذا على طهران القيام بمبادرة صادقة، وأن تهديء مخاوف الطرف الخليجي، ويمكن لإيران إثبات ذلك من خلال حل في اليمن وسوريا”.
فلسطين ليست أولوية
وحول القضية الفلسطينية، رأى أستاذ النزاعات الدولية أنها “لن تصبح أولوية لدى ترامب، ولا يعني هذا اختفاء الدعم الأمريكي لإسرائيل، لكن ترك الصراع على ما هو عليه؛ وعدم التدخل، وبهذا يعطي إسرائيل لفرصة الاستفراد بالفلسطينيين”.
ورغم كل تلك التغييرات المرجحة في الشرق الأوسط، اعتبر أن تخوفات المنطقة من ترامب “مبالغ فيها”.
فريحات تابع أن “تصريحات ترامب التي أثارت التخوفات أطلقها خلال حملته الانتخابية، عندما كان خارج الحكم؛ حيث لا توجد أي مساءلة ودون أي حساب كمسؤول للمصلحة الوطنية لبلده، كما أن واشنطن يحكمها نظام مؤسساتي، وليس أفراد أو الرئيس كشخص”.
وختم بأن “ترامب لن يكون بمقدوره الانتقال بمؤسسة القرار بمستوى 180 درجة؛ فالمؤسسة هي التي تؤثر في الرئيس، وليس العكس، وبسبب هذه المؤسساتية في الحكم، ستحافظ واشنطن على الأقل على 80٪% من مواقفها في العديد من القضايا؛ ولن يستطيع ترامب اتخاذ مواقف راديكالية فيها”.