أثار المشهد الإنساني العظيم الذي شاهدناه أثناء إحدى جلسات المحاكمة الهزلية التي يحاكم فيها البطل الثائر الدكتور البلتاجي، شجون الملايين من المصريين وغيرهم، حينما استقبل أمه بكل لهفة وحب واشتياق وود طال انتظاره لأكثر من ثلاثة أعوام خلف سجون السيسي، الذي لا يراعي في مؤمن إلّا ولا ذمة، ويظن أنه بسجن هذا البطل وإخوانه، سيكسر فيهم العزة والكرامة والإنسانية، هيهات هيهات أن ينحني الأبطال لغير الله، أو تلين لهم قناة، إنه البلتاجي أيقونة الثورة المصرية، التي تآمر عليها السيسي، ومن معه من الشياطين، الذين لا يريدون الخير لمصر وأهلها.
منذ أن عرفت البلتاجي في منتصف الثمانينيات، وهو إنسان متميّز في درسه ونشاطه، فكان الأول على زملائه في كلية الطب جامعة الأزهر، وفي نفس الوقت رئيس اتحاد طلاب الجامعة، وكان يُحكى لنا أنه يكون أول من يحضر في المحاضرة في الصباح الباكر، ويظهر عليه التعب والإرهاق، ومع ذلك يحرص على دروسه الجامعية، وفي ذات الوقت يحرص أن يكون من أكثر الطلاب نشاطًا في الجامعة، فمنذ نعومة أظفاره وهو من المتفوقين المتميزين.
تشعر وأنت تقترب من البلتاجي أنّك أمام كُتلة من الحيوية والنشاط، تفيض بالحب لكل من حوله، إذا تكلمت معه تشعر أنك تعرفه منذ زمن بعيد، تلمس منه كل الود والاحترام، وحينما اُختير ليمثل أبناء دائرته في مجلس الشعب عام 2005، على مقعد الفئات عن كتلة الإخوان المسلمين، فاز باكتساح من الجولة الأولى بفارق 15 ألف صوت عن أقرب منافسيه، بعد أن حاول رئيس اللجنة العامة للانتخابات أن ينسحب قبل إعلان النتيجة بدعوى إصابته بأزمة قلبية، وهو ما رفضته الجماهير الحاشدة التي جاءت لمتابعة النتيجة، فتراجع القاضي عن موقفه وأعلن فوز الدكتور البلتاجي، رغم الضغوط الأمنية الهائلة التي طالبت رئيس اللجنة بتزوير النتيجة لصالح مرشح الحزب الوطني.
وارتبط اسم البلتاجي بقضايا جماهيرية عديدة أثارها في مجلس الشعب، منها: عبّارة السلام 1998، وانفلونزا الطيور، ورغيف الخبز، وقانون المرور، وقانون الضرائب العقارية، وارتفاع الأسعار، وأَوْلى اهتمامًا كبيرًا بقضايا الحريات العامة، والإصلاح السياسي، ومن أشهر المواقف في هذا الصدد دفاعه البرلماني عن استقلال السلطة القضائية، وحرية الصحافة، إضافة إلى مواقفه الرافضه لتشريعات الحبس في قضايا النشر، وتمديد حالة الطواريء، والتعديلات الدستورية الجائرة في العام 2007، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، كما كانت له جولات في الدفاع عن حقوق التعبير والتظاهر السلمي، وبرز دوره كعضو بلجنة التعليم في مجلس الشعب، حيث خاض معارك برلمانية وسياسية ضد الانتهاكات الأمنية للحريات الطلابية والجامعية، ودافع عن الحقوق المادية للمعلمين وأساتذة الجامعات.
وارتبط اسم البلتاجي بالدفاع عن القضية الفلسطينية، فشارك في تأسيس الحملة الشعبية المصرية لفك الحصار عن غزة، ومثّـل مصر في عضوية اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، وشارك ضمن نُشطاء دوليين في سفنية مرمرة التركية، وكان رئيس الوفود العربية المشاركة في أسطول الحرية التي سعت عمليًا في كسر الحصار بحرًا عن قطاع غزة.
لم ينس السيسي، المنقلب على رئيسه، للبلتاجي موقفه البطولي في موقعة الجمل، التي خطّط لها لكي ينسحب المتظاهرون من الميدان، فوقف له البطل البلتاجي ومن معه من الثوار رافضين الانسحاب من الميدان، وقد ظهر ذلك في كمّ القضايا والاتهامات الملفقة له ولزملائه، وإهانته من حين لآخر داخل محبسه!
هذه بعض السطور عن أيقونة الثورة المصرية البطل الثائر الحق، الذي فقد ابنته أسماء في فض رابعة واعتُقل أولاده، إنه محمد محمد إبراهيم البلتاجي.