فجر 2 كانون الثاني عام 1492ميلادي كانت غرناطة على موعد مع آذان الفجر الأخير، سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين بالأندلس، وأفل عنها قمر بني الأحمر بعد صمود قرنين أمام الحقد القشتالي الصليبي، سقطت غرناطة بعد أن تتابع سقوط إمارات الأندلس، وبعد أن بدأ عصر الطوائف، وأصبح فيها أكثر من عشرين طائفة (فرقة)، واهتم كل أمير بالحفاظ على مملكته فقط، وتناسوا وحدة الدين والأرض والمصير، فاستغل الصليبين هذا التشرذم وراحوا يشعلوا الفتن بين المسلمين ويستولون على البلاد الواحدة تلو الأخرى، واستعان بعض الأمراء بالعدو حفاظا على ملكه، وتنازل بعضهم عن العديد من قلاعه ثمنا لعونهم له وحفاظا على عرشه، ونتج عن هذا الانقسام تسليم مفاتيح غرناطة وسدل الستار على مملكة الأندلس، وكان أمام المسلمين ثلاثة خيارات إما التنصر، وإما التهجير، وإما القتل ومحاكم التفتيش التي صدرت للعالم الإرهاب بأبشع صوره، وإن أكبر درس نستفيد منه نحن لتطابقه مع واقعنا هو ما كتبه أمير مملكة طليطلة لنظرائه الملوك حين حاصر الصليبين طليطلة فقال لهم”خذلانكم لإخوانكم منتهى هوانكم ومبتدأ زوالكم”، وما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه الأندلس بفلسطين، وكم نموذج الأندلس مطابق لحلب.
فلسطين سقطت بعد أن نسي المسلمون الأندلس، سقطت بتآمر غربي استعماري وعربي خائن، تأمر الغرب لمصالحهم بغرس سرطان بجسد الأمة بعد أن نصب الحواجز بيت إمارات الوطن الواحد وأسماه حدود ووضع حرس أسماهم جيوش وطنية، ونصب حثالات تلك البلدان من رعاياه حكاما عليهم ليقودوا احتلالا بالوكالة نيابة عنه، وتآمر رعايا الاستعمار من خونة العرب ليحظى كل منهم بقطعة من الوطن المقسم يحكمها بالحديد والنار رعاية لمصالح أسياده، وإلا سينزع منه عرشه، وخذلت تلك الجيوش فلسطين بعد جاءوا كمعين للمستعمر لا منقذ لأهلها، ولم يجاهد معهم سوى كتائب المتطوعين من الإخوان وإخوان الإخوان من الثوار، وبالفعل حققوا انتصارات عظيمة لكن خيانة الجيوش النظامية أسقطت فلسطين، وبعدها سامت المجاهدين سوء العذاب بسجونها.
سقطت فلسطين، وهجر أهلها وهدمت أكثر من 550 بلدة فلسطينية ليحل محلهم اليهود القادمين من كل بقاع الأرض كما حل الصليبيون مكان مسلمي الأندلس، وكان أمام الفلسطنين خيارين إما التهجير أو القتل.
هذا الخذلان سقطت بغداد بعدها بـ55 عاما، ويعمل اليوم لإسقاط اليمن، وبه سقطت حلب بعد صمود ثلاث سنوات تحت القصف والحصار، وأسباب سقوط الأندلس هي ذاتها أسباب سقوط حلب، التشرذم بين المسلمين والفتنة التي أحدثها العدو الروسي والمجوسي، بعد أن إستجلبهم بشار النصيري ليكمل سلسلة جرائم الملعون والده التي بدأت باغتصاب الحكم عام 1963 بعد تخلصه من رفقائه، وكلل خيانته ببيع الجولان مفروشة عام 67، ومجازر حماة عام 1982، كذلك خذلان المسلمين أهم أسباب سقوطها، ولأني بالأساس أراه انتصارا أن تسقط بعد صمود أسطوري تحت حصار شيعي وقصف روسي، وبتآمر العالم كله، وهي تحارب لوحدها أربعة جيوش ظاهرة(جيش بشار وحزب اللات والجيش الروسي ومليشيا إيران) إضافة لمرتزقة استجلبوهم من كل بقاع الأرض، وبالرغم من كل هذا لم يستولوا سوى على 15% من مساحة حلب بانتصارهم المزعوم.
حلب لم تسقط لكنها أسقطت كل الأقنعة عن الجيوش النظامية بأنها ليست سوى كلب حراسة للاستعمار، واقل لهم جميعهم بدأتم مع الاستعمار عام 1917، وقد دخلنا عام 2017 قصتكم أوشكت على نهايتها يكفيكم مئة سنة من الانقلابات والأوسمة والرتب والعروض والسجاجيد الحمر دون تحقيق نصر واحد، لم تستقووا سوى على متظاهرين عزل عرب ومسلمين، ولم تنتصروا عليهم حتى، وأن الشعوب متى رفعت السلاح فهي بطريقها للخلاص وما الدمار الذي تحدثونه سوى ضربات الفريسة بالأرض قبل أن تذعن للاستسلام وتسقط، وما المآسي والصرخات سوى آلام مخاض ميلاد فجر الأمة الذي لن تكنوا فيه.
وأقل لكل من فرح بما يحدث بحلب وأخواتها لا تستعجل فرحك لأننا قد خسرنا معركة لكن لم نخسر الحرب، هي بيننا سجال، وقد مرت الأمة بمحن أعظم مما هي فهي، فقد استجلب الكهنوت الشيعي التتار عام 1258 بقيادة نصير الدين الطوسي أكبر مرجعية شيعية، وابن العلقمي الشيعي، وهدموا بغداد وقتلوا أكثر من مليوني مسلم، وحوصر أهلها لدرجة أن أكلوا الحشائش والقطط وتعفنت الجثث لعدم وجود من يدفنها، واستبيحت الشام كما اليوم، وبعدها بعامين أي في 1260 كانت الأمة تعيش انتصارات عين جالوت وطرد التتار من كل المشرق الإسلامي، وحلب بالذات دمرها كسرى عام540 وغزاها الروم عام962 ودمرها هولاكو وفي كل مرة نهضت من جديد، وسيدحر عنها الغزو الروسي والمجوسي بأيدي أهلها ومجاهديها الصادقين، وليسأل الغزاة من سبقوهم من جند الصليب والتتار هل يأسنا من قتال او كسرنا من حصار.
من الأندلس للقدس لبغداد لصنعاء لدمشق العدو ذاته طوال التاريخ (المجوسي والصليبي والصهيوني) توحدوا جميعا لمحاربة الإسلام، أفلا نتوحد كمسلمين لدحر الأعداد الذي تكالبوا نهشا بجسد الأمة، إن من أسباب فتح الأندلس كان ترابط المسلمين من العرب والبربر ومن أسلم من الأسبان توحد النسيج رغم اختلاف الأعراق لأن الدين واحد وانتصروا، وأقولها لأحرار مصر بالذات يوم أن توحدت الأمة لدحر التتار كان بقيادة علماء مصر، ويوم حرر صلاح الدين القدس كان بعد أن حرر دمشق والقاهرة من الدولة الفاطمية الشيعية، وأن ثورتكم والانقلاب كانوا فاضحين لكل الأفاقين والمنافقين وأدعياء الحرية والدين ومحصوا الصفوف، وأن فيكم من الأحرار والأخيار من العلماء والعامة، فحرروا بلادكم وانصروا إخوانكم قبل أن يأتوكم بالذبح حرروا بلادكم لان معركة تحرير الأمة من كل غزو انتم صدارتها عبر التاريخ، وللجميع علموا أبنائكم أن الأندلس أرض مسلمة، وأنها فلسطين اليوم، حدثوهم عن طارق بن زياد وموسى بن نصير ومغيث الرومي حدثوهم عن صقر قريش وهشام الرضا حدثوهم عن ابن تاشفين وعن المنصور والمظفر والناصر والمستنصر عن بلاط الشهداء وتولون وعن الأخوين عروج وابن حزم والزهراوي وابن زهر وكل تاريخهم المشرق، ليس ما يتعلمونه وكل وكلاء الاستعمار الذين يدرسونهم كرموز وطنية ولا الشخصيات الماسخة التي تعرض لهم، قولوا لهم بأن لهم وطن يمتد من المحيط إلى الخليج ويمتد من المغرب إلى المشرق اسمه الوطن الإسلامي وأنه كذب من قال له بلادك تلك الرقعة التي أحاطوها بأسوار وجعلوك رهنا لسجنها، وازرعوا بهم سير الأبطال الفاتحين لأننا نحتاج رجال كحسن ألبنا وصلاح الدين وخالد والفاتح، وربوهم على ان الدين أقوى سلاح لكل شيا بالحياة وأن التمسك به هو مفتاح النجاح والنجاة فيها وهو السفينة التي ترسو بالبشرية إلى بر الأمان.
وأنا قوم أعزنا الله بالإسلام ومتى ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، فلا يبحثوا ويلهثوا وراء ألقوميه والحزبية والنظم الاقتصادية الغربية، والتيارات السياسية لأنها كلها سبل فيها هلاك للأوطان واستنزاف واستئصال للطاقات البشرية، وفقط بالتمسك بدين الله وبفهمه والعمل به وبمنهجة الأوطان بمن فيها عليه يكفل لنا النجاة فالدارين وكل العدل والعزة والكرامة والحرية.
علموهم هذا فهنالك بلاد تنتظرهم ليحرروا، ويحفظوا ملكها بعد تحريرها.