تشهد العلاقة بين مصر وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، المسيطرة على قطاع غزة، تقاربا ملحوظا يؤسس، بحسب خبراء فلسطينيين، لفتح “صفحة جديدة” من العلاقات الثنائية، تفرضها لغة “المصالح المشتركة“.
هؤلاء الخبراء، وفي تصريحات للأناضول، اعتبروا أن مصر معنية بتحقيق فوائد اقتصادية، عبر تصدير بضائع إلى غزة، وسياسية بالحفاظ على وضعها كراع رئيس للملف الفلسطيني، وأمنية عبر ضبط الحدود، مقابل سعي “حماس” إلى تحسين الوضع المعيشي في القطاع المحاصر، لاسيما في ظل تراجع مواردها المالية، إثر إغلاق وتدمير السلطات المصرية للأنفاق الحدودية.
قبل أيام، صرح المتحدث باسم “حماس”، حازم قاسم، بأن عضو المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق، “وصل القاهرة قبل أيام (لم يحدد التاريخ)، وعقد لقاء إيجابيا مع مسؤولين مصريين (لم يذكر أسماءهم)“.
“قاسم” أضاف، في تصريحاته للأناضول، بأن “تلك الزيارة جاءت ضمن لقاءات مستمرة مع الجانب المصري، تحرص عليها حماس وتسعى إلى تطويرها”، دون مزيد من التفاصيل.
وبحسب مواقع إلكترونية مقربة من “حماس”، من المقرر أن يلتقي إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، بقيادة جهاز المخابرات المصرية، في طريق عودته إلى غزة، من زيارته خارجية بدأها في 5 سبتمبر الماضي.
وإضافة إلى اللقاءات الثنائية، شهد معبر رفح البري، الواصل بين غزة ومصر، تحسنا في فترات عمله في الربع الأخير من العام الماضي، حيث فتحته السلطات المصرية مرات عدة، على فترات متقاربة، بعد أن كانت تغلقه بشكل شبه كامل منذ يوليو 2013.
إشارات متبادلة
طلال عوكل، الكاتب السياسي في صحيفة “الأيام” الفلسطينية الصادرة من الضفة الغربية، قال إن “هناك العديد من الإشارات لتحسين العلاقة بين مصر وحماس“.
“عوكل”، وفي حديث للأناضول، تابع أن “السلطات المصرية تدرك جيدا أن العلاقة مع حماس المسيطرة على غزة، ستحمل للقاهرة آثارا إيجابية على الصعيد الاقتصادي والأمني والسياسي، وبدورها قدمت حماس إشارات على أنها معنية بعلاقة جيدة مع السلطات المصرية وفض الاشتباك القديم“.
والعام الماضي شهد نوعا من التحسن الإيجابي في العلاقة بين النظام المصري و”حماس”، بعد أن سادت علاقة متوترة، عقب الإطاحة، في 3 يوليو 2013، بمحمد مرسي، أول رئيس مدني مصري منتخب ديمقراطيا، والمنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
وفي 12 مارس 2016، وصل وفد من “حماس” إلى القاهرة، حيث عقد لقاء مع مسؤولين مصريين بحثوا خلاله العلاقة الثنائية. وقالت الحركة إن الزيارة فتحت صفحة جديدة في العلاقة بين الطرفين.
منطقة تجارة حرة
ووفق عوكل “يلعب الاقتصاد دورا مهما في تحسين العلاقة بين الجانبين، فحماس تسعى إلى لتحسين الوضع المعيشي والإنساني لسكان القطاع (قرابة مليوني نسمة) المحاصرين للعام العاشر على التوالي، وفي الوقت نفسه من شأن الانفتاح التجاري على غزة ن ينعكس إيجابا على اقتصاد مصر“.
وتحدثت وسائل إعلام محلية في غزة عن توجّه جديد لدى مصر يقضي بتصدير البضائع إلى القطاع رسميا، عبر معبر رفح. لكن السلطات المصرية والفلسطينية في غزة لم تؤكد أو تنفي الأمر.
ونهاية الشهر الماضي، سمحت السلطات المصرية بإدخال 40 مركبة حديثة إلى غزة، من خلال المعبر، بموجب اتفاق بين رجال أعمال فلسطينيين ومصريين.
كما تسمح القاهرة، على فترات، بإدخال كميات من الأسمنت والخشب ومواد دهان وتعبيد للطرقات.
نشرت صحيفة “الأهرام” الرسمية المصرية، الأحد الماضي، تقريرا حول “مكاسب مصر من إنشاء منطقة حرة مع قطاع غزة”، قالت فيه إن مكاسب مصر ستبلغ ٢.٥ مليار دولار تجارة، مع استثمار ٩.٥ مليارات دولار ودائع.
التقرير وصف غزة بأنها تمثل “كنزا اقتصاديا وإستراتيجيا لمصر حال نجاحها في تحويل القطاع، الذي يصل عدد سكانه لمليوني نسمة، إلى سوق للمنتجات المصرية، بديلا عن إسرائيل التي توفر نحو ٦٠٪ من احتياجاته، وتركيا والصين اللتان تستأثران بحجم كبير من تجارة الملابس والجلود“.
ووفق التقرير: “تتشكل حاليا إرهاصات إنشاء منطقة تجارية حرة بين مصر وغزة، لتصبح نافذة لترويج المنتجات المصرية في القطاع، وخلق الآلاف من فرص العمل للمصريين“.
وبحسب المركز الفلسطيني للإحصاء، فإن أكثر من ثلث السكان الفلسطينيين، البالغ عددهم 4.8 ملايين نسمة، يقيمون في قطاع غزة، الذي لا تتجاوز مساحته 360 كيلو مترا مربع.
وكانت دراسة للمعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، نشرت في نوفمبر الماضي، أفادت بأن المنطقة التجارية الحرة ستكون حلا للعديد من المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها أهل شبه جزيرة سيناء المصرية (شمال شرق) الحدودية مع غزة، وإنها قد توفر دخلا لمصر يقدر بحوالي 2.5 مليار دولار سنويا، ما سيضاعف من حالة الضمان والأمان الاقتصادي بمصر.
وفي عام 1998، وقعت مصر وفلسطين اتفاقية تجارة ساهمت في رفع حجم الصادرات المصرية إلى فلسطين بين عامي 2005 و2015 إلى حوالي 209%.
دور محتمل لدحلان
بحسب أحمد يوسف، رئيس “مركز بيت الحكمة للاستشارات وحل النزاعات” في غزة (غير حكومي)، “هناك مؤشرات واضحة على استعداد القيادة المصرية لتطوير علاقتها مع حركة حماس“.
“يوسف” مضى قائلا، في حديث للأناضول، إن “الأيام القليلة المقبلة قد تشهد تطورا ملحوظا في العلاقة بين الجانبين.. مصر لها ثقلها ووزنها السياسي في المنطقة، وهي تريد أن تبقى الراعية للملف الفلسطيني، وتدرك جيدا أن غزة بوابة سياسية واقتصادية وأمنية“.
ومنذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة صيف 2014، تعتبر مصر الراعي الرئيس لمفاوضات التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أنها الراعي الرئيس لملف المصالحة الفلسطينية الداخلية.
ووفق الخبير الفلسطيني، فإن “عام 2017 قد يحمل إرهاصات الانفتاح المصري على غزة وحركة حماس، ما سينعكس على زيادة أيام فتح معبر رفح البري، والتبادل التجاري..الطرفان لديهما مصالح مشتركة ما يدفعهما إلى التقارب وتحسين العلاقة الثنائية، وطي صفحات الخلاف“.
“يوسف” ذهب إلى أن “التقارب بين السلطات المصرية والقيادي المفصول في حركة (التحرير الوطني الفلسطيني) فتح، محمد دحلان، قد يكون له دور في تحسين العلاقة بين القاهرة وحماس، فدحلان يدرك جيدا أن تعزيز نفوذه يبدأ من غزة، وقد تنعكس علاقاته الإيجابية مع النظام المصري على أوضاع القطاع وحركة حماس“.
ومنذ سنوات، يسود خلاف حاد بين الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ودحلان، الذي فُصل من حركة “فتح” في يونيو 2011، بعد تشكيل لجنة داخلية من قيادة الحركة وجهت إليه تهما بعضها خاص بفساد مالي، وهو ما ينفي صحته.
لكن “دحلان”، وبحسب مراقبين، لا يزال يتمتع بنفوذ داخل “فتح”، إضافة إلى تلقيه دعما من دول في مقدمتها الإمارات ومصر.
وعلى صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قال “دحلان” إنه ساهم مؤخرا في خروج الطلبة من غزة، وسفرهم إلى جامعاتهم في الخارج، موجها الشكر إلى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على “هذه الاستجابة“.
ضبط الحدود
بجانب الفوائد الاقتصادية، قال عدنان أبو عامر، الكاتب السياسي، عميد كلية الآداب بجامعة الأمّة (خاصة) في غزة، إن “مصر تسعى إلى تحسين العلاقة مع حماس، لضبط الأوضاع الأمنية على الحدود“.
“أبو عامر” تابع بقوله، في حديث للأناضول: “صحيح أن الجانب الاقتصادي والسياسي يلعب دورا كبيرا في تحسين العلاقة بين الطرفين، لكن السلطات المصرية ترى في ضبط الحدود أمرا بالغ الأهمية“.
وعلى طول حدود غزة مع مصر، تعزز قوات “الأمن الوطني”، التي تديرها حركة “حماس“، من تواجدها وإجراءاتها الأمنية، في وقت يخوض فيه الجيش المصري، ومنذ نحو عامين ونصف العام، صراعا مسلحا مع تنظيم “ولاية سيناء”، الذي أعلن مبايعته لتنظيم “داعش“.
وكثيرا ما اتهم إعلاميون مصريون “حماس” بتسهيل تسلل مسلحين من غزة إلى سيناء، لشن هجمات ضد أهداف مصرية، إضافة إلى اتهام الحركة أحيانا بتوفير ملاذ لمسلحين هربوا من مصر، وذلك دعما، وفق هؤلاء الإعلاميين، للغاضبين من الإطاحة بمرسي.
لكن “حماس”، وعلى لسان العديد من قادتها، أعلنت في أكثر من مناسبة، أنها لن تقبل بأي حال من الأحوال أن ينطلق من غزة ما يضر بأمن مصر وشعبها.
مقابل المكاسب المصرية المحتملة، اعتبر أبو عامر أن “حماس تبحث عن علاقة هادئة مع مصر؛ لأسباب اقتصادية في ظل غياب مواردها المالية“.
وعقب إغلاق وهدم السلطات المصرية الأنفاق المنتشرة أسفل الحدود الفلسطينية – المصرية، فقدت حركة “حماس” موردا ماليا مهما، إذ كانت تفرض وتحصل ضرائب على الوقود ومواد البناء ومستلزمات أخرى كان يتم تهريبها من مصر عبر تلك الأنفاق، التي اعتبرت القاهرة أنها تضر بالأمن القومي المصري.