“لقد كنا بالمعنى الحرفي نتحدث ما يقرب من مرة أسبوعيًا، وكانت بعض المكالمات تستغرق ساعة أو أكثر”، هكذا قال “تشاك هيجل” في التقرير الذي نشرته المجلة الأمريكية “نيويوركر” تحت عنوان “ثورة مصر الفاشلة”، مؤكدًا أنه كان الشخص الوحيد في الحكومة الأمريكية الذي يتواصل معه السيسي، في ذلك الوقت.
وأردف كاتب التقرير: “أثناء صيف 2013م، بعد الانقلاب، اعتصم الآلاف من أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي في القاهرة، وأخبرني هيجل أنه حذر السيسي مرارًا وتكرارًا من عدم اتخاذ إجراء عنيف، لكن وزير الدفاع المصري آنذاك كان يشدد على الفارق بين الشرطة والجيش”.
وقال أيضًا: “السيسي أخبر هيجل عن محاولات لنزع الوحشية المفرطة للشرطة، بحسب وزير الدفاع الأمريكي السابق”.
وأخبره هاجل وقتها: “ينبغي أن تجد أسلوبا للتعامل مع ذلك”، فأجابه: “أنا لا أسيطر على الشرطة”.
فهل كان كلام السيسي لهيجل بدافع الخداع أم أنه كان يقدم لنفسه العذر أمام الغرب حيال ما حدث في فض الاعتصام، أم أنه بالفعل لا يسيطر على جهاز الشرطة؟
فقط في مصر!
يرى الكاتب الصحفي ” أحمد سمير” أن عدم سيطرة السيسي على جهاز الشرطة هو في العموم أمر غير مقبول في مواصفات رئيس جمهورية، إلا أنه بالنظر لتفاصيل الحالة السياسية في مصر وترتيبات ما قبل انقلاب يوليو ٢٠١٣م، فقد يكون الأمر متفهمًا، ويستشهد سمير بما جاء في تقرير النيويوركر ذاته بأن هيجل حاول إثناء السيسي عن استخدام القوة فقال له السيسي إن مهام الجيش تختلف عن مهام الشرطة، وأنه لا يسيطر عليها.
تبادل أدوار
من جانبه يرى الدكتور عمرو عبد الكريم ( سياسي أكاديمي- البحرين)، أن المسألة عبارة عن تبادل أدوار بين أجنحة عديدة اتفقت على السيطرة على الحكم في مصر، فما لا يفعله السيسي تفعله أجهزة أخرى بشرط عدم تدخل السيسي في عمل تلك الأجهزة، وما لا تفعله الشرطة – أنشطة اقتصادية مثلا- يفعله الجيش أو السيسي.. وهكذا
ويؤكد ليس مستغربًا ألا يكون السيسي مسيطرًا على الشرطة، المستغرب أن يعترف السيسي بذلك ويقر به.
لا يرغب في السيطرة!
ويرى خبراء أن السيسي في الأصل لا يرغب في السيطرة على الشرطة لأنها تقوم بمهام قذرة يحتاج إليها السيسي، وفي الوقت ذاته يكون هو بعيدًا عنها حتى يستطيع غسل يديه منها في أي وقت، ويؤكدون أن السيطرة على الشرطة من خلال التدخل في عملها أو فرض قرارات عليها ليس في مصلحة السيسي.
دليل صراعات داخلية
من زاويتها ترى الدكتورة هالة دراج أستاذة الفلسفة السياسية، أن تصريح ” هيجل” بأنه لا يسيطر على الشرطة إنما يعكس وجود صراعات أو على الأقل خلافات في الرؤى بين أجنحة الحكم داخل مصر، وقالت: “ربما تكون تلك الأجنحة مختلفة في طريقة إدارة الحكم، لكنها متفقة على عدم تأثير هذا الخلاف على المبادئ الأساسية بينها، ومنها عدم التهاون مع المعارضين السياسيين وعلى رأسهم الإخوان المسلمين”.
شغل عصابات!
من جانبه يرى الناشط السياسي محمد عبد العزيز، أن فكرة عدم سيطرة رئيس جمهورية على أجهزته تثبت أن اليلاد تدار بفكر تآمري عصابي مفاده أن كل جهة تفعل ما يحلو لها المهم أن يظل الحكم في أيدينا، وتساءل: “إذا كان السيسي لا يسيطر على الشرطة فلماذا لا يترك مكانه لمن يستطيع السيطرة؟
وهل يليق برجل جاء إلى السلطة تحت ظل ادعاءات القوة والخبرة الأمنية ألا يسيطر على أجهزته؟”
ويؤكد أن اعتراف السيسي لهيجل بعدم قدرته على السيطرة ربما يكون نقطة في بحر بالنسبة لمواصفات السيسي التي يثبت يوما بعد الآخر أنه الرجل غير المناسب على حد قوله.
وكانت مجلة النيويوركر الأمريكية قد ذكرت ضمن تقريرها أن هيجل تحدث عن أول لقاء له بالسيسي في مارس/آذار 2013م، قائلاً: “إنه أحدث تفاهمًا جيدًا بيننا”، وأشار إلى أنه أصبح الشخص الوحيد في الحكومة الأميركية الذي يثق به السيسي، وقال إنهما أجريا نحو 50 محادثة هاتفية طوال الأزمة في مصر في ذلك الوقت، وبعضها استغرق ساعة أو أكثر!