ينظر المجتمع الدولي على المستوى القانوني والرسمي للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية على أنه غير قانوني ويدفع للعنف، وتأسيسًا على هذه الرؤية صدرت قرارات عدة ضد الاستيطان دون أن تؤثر كثيرًا في استمراره وتمدده، ومنها القرار رقم 446 لسنة 1979م، الذي أكد عدم شرعية الاستيطان ونقل السكان الإسرائيليين إلى الأراضي الفلسطينية، والقرار رقم 452 لسنة 1979م، الذي قضى بوقف الاستيطان بما في ذلك القدس، وبعدم الاعتراف بضمها.
أما القرار رقم 465 لسنة 1980 فدعا إلى تفكيك المستوطنات، وقد تبعه قرار آخر هذا العام في الشأن ذاته.
كما دانت الأمم المتحدة الاستيطان في قرارات عديدة منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان آخرها ما صدر بالدورة الـ62 للجمعية العامة نهاية التسعينيات، والذي أكد على عدم قانونية المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والجولان السوري المحتل.
المشروع مصري والتأجيل مصري!
وكانت مصر قد تقدمت بمشروع قرار لتجميد الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية، وقرر مجلس الأمن التصويت عليه الخميس 22 ديسمبر، إلا أن مصر طالبت بتأجيل التصويت بهدف “مشاورة الشركاء”.
وبحسب وكالة “رويترز”، قال دبلوماسي غربي إن “الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أصدر توجيهات لبعثة بلاده لدى الأمم المتحدة بتأجيل تصويت مجلس الأمن على مسودة القرار، ربما لأجل غير مسمى”.
فرصة أوباما الأخيرة
من جانبه يرى ( خ. ل. ع ) ملحق ثقافي بإحدى سفارات مصر بالخارج، أن التصويت على هذا القرار كان يمثل الفرصة الأخيرة أمام إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لاتخاذ خطوة إيجابية لصالح القضية الفلسطينية، لكن يبدو أن التأجيل منعه من ذلك وجنبه الاصطدام بحلفائه الإسرائيليين في آخر أيام إدارته.
تغريدات نتنياهو وترامب
وفي السياق ذاته يرى الدبلوماسي المصري شريف سليمان، أن استغاثة نتنياهو بالإدارة الأمريكية قبيل التصويت على القرار بيوم واحد، كان لها أثر كبير في طلب مصر التأجيل لحين ظهور بوادر الموقف الأمريكي، وتماشيًا مع رغبة “إسرائيل” في تجميد الموقف حاليًا لحين تولي دونالد ترامب الرئيس الأمريكي المنتخب منصبه رسميًا، خاصةً وأن ترامب وبعد بضع ساعات من مناشدة نتنياهو، جاءت تغريدته تقول: إنه “يجب استخدام حق النقض ضد القرار”، وأضاف أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لن يتحقق إلا من خلال المفاوضات المباشرة وليس عبر فرض شروط من قبل الأمم المتحدة، وفق قوله.
وكان نتنياهو قد غرد على “تويتر” قائلاً: “يجب على الولايات المتحدة أن تستخدم حق الفيتو ضد القرار المناهض لإسرائيل”.
وتابع ترامب، أن القرار “يضع إسرائيل في موقف تفاوضي ضعيف للغاية وينطوي على ظلم شديد لجميع الإسرائيليين”.
وكان سفير “إسرائيل” لدى الأمم المتحدة داني دانون قد صرح لإذاعة الجيش الإسرائيلي قائلاً: “خلال بضع ساعات سنعرف الرد من أصدقائنا الأميركيين”، مضيفًا أنه يأمل بشدة أن يكون نفس الرد الذي قامت به السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس عندما استخدمت الفيتو عام 2011م، ضد مشروع قرار مماثل، وهو الأمر الذي يرى العديد من الخبراء أن الجانب المصري وضعه في الاعتبار مما دفعه لطلب التأجيل.
محاولة مصرية للمناورة
من جانبه يرى د. نصر الدين ممتاز المدرس المساعد بالعلوم السياسية- جامعة وادي النيل، أن مصر تحاول أن تسجل حضورًا سياسيًا تستفيد منه على مستوى علاقتها بالإدارة الأمريكية من ناحية، و”إسرائيل” من ناحية أخرى، وربما تسعى مصر من وراء طلب التأجيل إلى الاستفادة من الموقف اقتصاديًا في طل إعلان “إسرائيل” استعدادها لدعم الاقتصاد المصري منذ ما يقارب الشهر.
ويؤكد “ممتاز” في حديث خاص لـ “رصد”، أنه في أعقاب العثرات المتعددة التي واجهتها الدبلوماسية المصرية مؤخرًا، تسعى مصر لتسجيل موقف إيجابي في الأمم المتحدة، خاصةً في ظل تراجع علاقاتها الدولية مع دول الخليج وحاجتها للدعم من أكثر من جهة، واستطرد: يجب ألا ننسى أن الدبلوماسية المصرية حاليًا تعمل وفق مبدأ “الكاش السياسي” وهو ما يفسر سياسيًا بالاستفادة القصوى من المواقف حتى وإن كان الطرف الآخر هو “إسرائيل” على حد قوله.