نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقالاً للكاتب مارتن شولوف، يتحدث فيه عن مأساة المدينة السورية حلب، مشيرًا إلى أن المعركة على حلب قد انتهت لكن فصلاً جديدًا من المعاناة قد بدأ.
ويقول الكاتب إن “هناك عددا من السوريين الذين لا يزالون يتجمعون في معقل المقاومة الأخير، وينتظرون ساعة حساب محتومة، فإما الخروج إلى المناطق المؤيدة للنظام، أو البقاء حتى يقبض عليهم، أو القبول بشروط اللحظة الأخيرة، التي سمحت لأي شخص بالهروب”.
ويضيف شولوف أنه “سيتم تطهير حلب من المعارضة المعادية لنظام بشار الأسد كلها، ومن أي شخص متعاطف معها، فمن يقرر الهرب منهم، أو ينال الرحمة من الغزاة، فإنه سيواجه المنفى في محافظة إدلب على الأغلب، التي تعد آخر معقل لجبهة النصرة المصنفة حركة إرهابية من الأطراف التي تقاتل في الحرب السورية كلها”.
ويستدرك المقال، الذي ترجمته “عربي21″، بأن “إدلب هي آخر ملجأ، فبعد حلب، فإنها ستكون آخر معقل مدني، باستثناء الرقة، خارج سيطرة النظام، وتم إرسال المقاتلين من كل مناطق سوريا المختلفة، ممن قبلوا شروط النظام، إلى إدلب، حيث ظل النظام والطيران الروسي يقومان بقصفهم”.
وتجد الصحيفة أن “وجود الجهاديين يقدم الذريعة الممتازة لمواصلة الهجوم، فاختلاطهم بالمعارضة كان دائما يخدم شعار النظام، بأنه يقاتل الجماعات الإرهابية، فوجود هذا المزيج يخدم النظام”.
ويشير الكاتب إلى أن النظام يزعم أن مصير حلب سيكون حاسما في تقرير مصير الحرب، لكن نشوة النصر تخفي وراءها حقيقة أكثر استمرارا، وهي أن الاستقرار لا يزال بعيدا، ولن يتحقق إلا بعد فترة طويلة، بالإضافة إلى قيادة الأسد المركزية وسلطته وهي السيادة، حيث استطاع الأسد تحقيق النصر من خلال الدعم الروسي، الذي حقق طيرانه أكثر مما قدمه جيشه المتعب في هزيمة المعارضة في حلب الشرقية، وكانت إيران هي التي قادت الحرب الدائرة منذ ثلاثة أعوام وبشكل فعلي، وكذلك المليشيات الشيعية من لبنان والعراق، التي سلحتها طهران ونظمتها، وأدت دورا مهما في قلب ميزان الحرب في حلب الشرقية، بعدما كانت استعادة هذا الجزء خارج قدرة النظام منذ عام 2012.”
ويلفت المقال إلى أن “الحمم التي أمطرها الطيران الروسي على المدينة كانت مدمرة، والدمار الذي حدث مذهل، يذكر في حماة عام 1982، المذبحة التي أمر بها والد بشار، حافظ الأسد، وقتل فيها 20 ألف شخص بعيدا عن أعين العالم”.
وتبين الصحيفة أن “حلب تظل مختلفة؛ لأن المعاناة كانت واضحة، وكانت طويلة ومؤلمة، وكان الرد الدولي لا طعم له أو أثر، لدرجة أن الكثير من المراقبين كانوا يتمنون نهاية المعاناة”.
وينوه شولوف إلى أن “الأسد لم يظهر أي إشارات بأنه سيقوم بتطبيق قاعدة الرحمة، ولا داعموه، الذين يريدون على ما يبدو تحويل هذا النصر لاحتفال في أنحاء البلد كلها، وهنا تبدأ مشكلة الرئيس الذي يدين ببقائه في القصر الجمهوري لطهران وموسكو، وكلاهما ستحصلان على حصة مما سيأتي بعد، فمع اتفاق الطرفين على ضرورة بقاء الأسد، إلا أن المرحلة المقبلة ستكون شائكة بالنسبة له، حتى يقوم بالتحرك فيها”.
ويفيد المقال بأن “إيران تريد أن تحول سوريا ما بعد الحرب إلى جسر لحزب الله، الذي يعد الذراع الضرورية لمظهرها السياسي والعسكري ضد كل من أمريكا وإسرائيل، ويزعم المسؤولون الإيرانيون أن دورهم في ربح الحرب في البلاد يعطيهم الحق بتشكيل شخصية البلاد الوطنية، وهو دور يتمتعون به منذ الثورة الإسلامية في عام 1979”.
وترى الصحيفة أنه “بالنسبة لروسا البارزة، فإنه من المؤكد أنها تريد الحصول على حصة من الغنيمة، حيث حصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على دور وقاعدة عسكرية في مرحلة ما بعد الربيع العربي، بشكل يقوم من خلاله بإظهار النفوذ الروسي، وتبدو روسيا صاعدة في المنطقة على حساب الولايات المتحدة، وهذا كله لا يبشر بالخير للنقطة الأخيرة المحطمة في حلب، أو للذين تجمعوا في إدلب، التي سيصل إليها بالتأكيد (المنتصرون)”.
ويخلص الكاتب إلى القول إن “الشكوى من الظلم، التي أشعلت النزاع لم يتم بعد التصدي لها ومعالجتها، فسخط السنة هو أحد أهم المحفزات، ودون حل سياسي يتعامل مع هذه المشكلة، فإن النصر العسكري لن يحل المشكلة على المدى البعيد، فالبؤس وعدم الاستقرار يدخلان مرحلة جديدة، لكنهما لم ينتهيا بعد”.