بالتزامن مع حالة الارتباك السياسي المتصاعد بين نظام السيسي والمملكة العربية السعودية، والتي ظهرت شدتها مع رفض الملك سلمان لقاء السيسي في الإمارات أثناء حضور احتفالات عيدها القومي، رغم تمديد زيارة السيسي هناك يومًا إضافيًا، إلا أن سلمان وصل فور مغادرة السيسي دبي مباشرة، الأمر الذي اعتبره مراقبون سياسيون واقتصاديون أنه يثير مخاوف السيسي من قرارات اقتصادية سعودية تجلد بيها السيسي.
طرد مليون و800 ألف مصري
ويقول الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي في تصريح لـ”رصد”:” إن السعودية لديها جلدات اقتصادية عديدة، ومنها تهديد بطرد العمال المصريين من هناك عن طريق الاستغناء، إذ يصل عدد العمال المصريين في السعودية إلى مليون و 800 ألف، بحسب بيان رسمي أصدرته وزارة القوى العاملة، مع العلم أن هناك عمالة غير رسمية يقدرها البعض بـ 500 ألف إضافية وهم غير مسجلين بوزارة القوى العاملة، والمملكة يمكنها معاقبة مصر بالاستغناء عن هذة العمالة بشكل تدريجي والتضييق عليهم بالخصومات والفصل وتأجيل الرواتب كما حدث منذ شهران.
واضاف عبده، إن خروج مليون و800 ألف عامل من السعودية يعني تهديد مستقبل نحو 6 مليون مصري وزيادة في نسبة الفقر والبطالة، في ظل حالة التضخم التي تعاني منها الدولة والتي من المتوقع أن تصل إلى 20% العام المقبل بسبب عزوف المستثمرين، وسبق وعاقبت المملكة اليمن بطرد عمالها بسبب منازعة على ملكية أرض رفض عبد الله صالح التنازل عنها للسعودية، بينما الكارثة الأكبر هو تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير مقابل 25 مليار دولار في شكل استثمارات ودعم نفطي قدم مع توقيع هذة الاتفاقية، ثم إلغاؤها بحكم قضائي، ما أثار غضب “أل سعود” وشعورهم بأن السيسي خدعهم.
إنهاء الدعم الخليجي
وأشار عبده إلى أنه باعتبار المملكة السعودية هي البلد الأم في الخليج العربي، فإنها تمتلك قدرة للتأثير على دول الخليج في إتخاذ مواقف سياسية من شأنها وقف الدعم السياسي والاقتصادي الخليجي الموجه لنظام عبدالفتاح السيسي بشكل كامل، وظهرت بوادر ذلك مع إشتراط دولة الكويت أحد الداعمين للإطاحة بنظام الإخوان الدفع “الكاش” لتقديم النفط لمصر بعد أيام قليلة من إرسال شركة النفط السعودية “أرامكو” السعودية خطاب إلى وزارة البترول المصرية بعدم إرسال حصة شهر أكتوبر من المتفق عليها.
تهديد بسحب الاستثمارات
جلدة أخرى تنتظر نظام السيسي، والتي أعلن عنها الدكتور فاروق الخطيب وأستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، والتي تتلخص في “أن رجال الأعمال السعوديين الذين كانوا يستثمرون أموالهم بمجال الصناعة بمصر، قد تعرضوا إلى خسارة فادحة بعد إقرار تعويم الجنيه من قبل الحكومة المصرية”.
وأكد الدكتور الخطيب في تصريحات صحفية أن هناك مستثمر سعودي كان يعمل بمصر بمجال الصناعة ولدية مصنع لصناعه الألمونيوم قد خسر مبلغًا كبيرًا جدًا يصل إلى 70 مليون ريال سعودي، وذلك جراء ما تعرض له الاقتصاد المصري، حيث أصبح من الصعب جدًا الحصول على المواد الخام للعمل على تشغيل المصنع، كما أن هناك انهيار للقوة الشرائية أيضًا، مما تسبب في عجز كبير في السوق المصرية، وأضاف الخطيب أن رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين أصبحوا غير قادرين على تحويل أموالهم خارج مصر بالدولار، وقد بات الاستثمار في مصر يجعلهم يخسرون الكثير ولا فائدة منه وقد تم تجميد العديد من أموال رجال الأعمال ومشاريعهم بمصر حرصًا منهم على الحفاظ على أموالهم من الضياع.
خلافات عديدة
وتأتي أزمة جزيرتي تيرن وصنافير التي تطالب بهم المملكة السعودية لتكمل دائرة الخلاف بين البلدين، فمنذ أن تولى الملك سلمان حكم السعودية خلفًا للملك عبدالله، توقع الكثير من المحللين والسياسيين عدم ارتفاع المؤشر الإيجابي للعلاقات المصرية السعودية، كما كانت في سابق عهدها، وبدأ الحديث عن الخلاف بين البلدين مع تغير سياسات السعودية الدولية، بسبب رؤية المملكة منذ بداية 2015م، لضرورة إصلاح ما فسد بينها وبين تركيا وقطر منذ 2011م، وما نتج عن ذلك من دعم الرياض للإطاحة بحكم جماعة الإخوان في مصر، ودعم اقتصادي وسياسي وإعلامي من جانب الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز، لنظام ما بعد الثلاثين من يونيو.
وسرعان ما تحول في عهد سلمان إلى دعم مشروط بتحقيق القاهرة لرغبات المملكة البادئة بضرورة المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، وتاليًا إصلاح العلاقات مع الدوحة وأنقرة، مرورًا بدور عسكري فاعل للقاهرة في حروب المملكة في اليمن وسوريا، ونهاية بضرورة تسليم جزيرتا تيران وصنافير ومضيق تيران المشرف على خليج العقبة، والذي يعد ثاني أهم ممر مائي مصري بعد قناة السويس إلى السعودية.
وكانت استجابة القاهرة للرغبات السعودية متفاوتة، وتتسم دائمًا بالمماطلة، رجاءً لاستمرار المساعدات المالية، وكذا انتظارًا لتحسن موقف مصر الخارجي، والذي كانت تعول فيه القاهرة على الرياض –بجانب أبو ظبي- كحليف شبه وحيد مؤيد لما حدث في الثلاثين من يونيو2013م، ولكن الذي حدث أن أولويات المملكة ومصلحتها خالفت ما كانت ترجوه القاهرة من استمرار الدعم المالي والسياسي السعودي، وهي الأولويات التي لم تكتفي السعودية بتسليم القاهرة طيلة العام الماضي لموقفها السياسي الخارجي والإقليمي تحديدًا، ولكن امتد إلى ما يشبه الأوامر التي رهنت باستمرار الدعم الاقتصادي، سواء في مسألة إرسال قوات مصرية إلى الخارج لخوض معارك المملكة في سوريا واليمن، وإغفال كافة الحلول الوسط التي اقترحتها القاهرة– مثل اقتراح القوات العربية المشتركة- وصولاً إلى عجز السعودية عن الإيفاء بالمساعدات المالية الخارجية.