لطالما يرتبط مستقبل العالم المالي بالدولار الأميركي، وظهر ذلك جليا مع الأزمة المالية العالمية في سبتمبر 2008م، التي ارتبطت بالانخفاض المضطرد آنذاك لقيمة الدولار، فهناك عدة أسباب توجت هذة العملة الصعبة على عرش المال في العالم، ومنها الهيمنة الأمريكية السياسية والعسكرية التي بموجبها تفاقمت الهيمنة الاقتصادية.
البداية والنشأة
تمّ إنشاء الدولار الأمريكي عام 1792م، آنذاك لم يكن الدولار مجرّد عملة ورقية، بل كان على شكل 3 فئات، الفئة الأغلى كانت مصنوعة من الذهب، والأقل منها قيمةً كانت مصنوعة من الفضة والأخيرة كانت مصنوعة من النحاس. تمّ اعتماد هذه العملة في 1792 كالعملة الرسمية للولايات المتّحدة.
استمر العمل بهذا النظام المالي إلى العام 1861 حيث اندلعت الحرب الأمريكية الأهلية بين الشمال والجنوب، آنذاك احتاجت حكومة الشمال المركزية المزيد من الأموال من أجل خوض الحرب ولم تكن ترغب بخسار كلّ ما لديها من الذهب والفضّة. مما دفعها إلى إنشاء العملة الورقية (الدولار الأمريكي بشكله الأخضر الحالي) عام 1862 وبدأت بطباعتها، بنهاية الحرب الأمريكية كان هناك 461 مليون دولار أمريكي مطبوع.
الغطاء بالذهب
تحتل الولايات المتحدة المركز الأول عالميًا في الغطاء الذهبي، وتمتلك 8133 طنا من الذهب، وتحتفظ بصدارة الترتيب بين الدول الأكثر احتكارا للمعدن النفيس منذ عام 1952.
وفي تصريح لـ”رصد” يقول أحمد أدم الخبير المالي، إن الغطاء الذهبي يعد أبرز أسباب تبرع الدولار على عرش الدولار فمنذ عام 1879تحول الغطاء الذهبي إلى مصدر العملات الورقية في أمريكا، حيث صار بمقدور الناس استبدال الدولارات الأمريكية الخضراء بالذهب متى ما أرادوا ذلك مما خفّض التضخّم وأنعش الاقتصاد في أميريكا.
واضاف منذ ذلك التاريخ وأصبح الذهب هو الغطاء النقدي لأي عملة ثم انضم إليه الهيمنة الاقتصادية ثم الهيمنة السياسية لدرجة أن الولايات المتحدة الآن لديها القدرة على طبع أوراق دولارية دون غطاء ذهبي.
اتفاقية Bretton Woods
ويقول رضا عيسى الخبير الاقتصادي في تصريح لـ”رصد”، إن بداية هيمنة الدولار على العملات كانت مع اتفاقية Bretton Woods وهي اتفاقية أسست نظامٍ عالمي اقتصادي جديد، جاءت الولايات المتّحدة والدولار الأمريكي رأس الهرم فيه، صل ذلك عام 1944م، بحضور 44 دولة من حول العالم، واستمر انعقاد المؤتمر لأكثر من 22 يومًا، تمّ فيه توقيع عدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظم التجارة العالمية الدولية بالإضافة إلى تطبيق بعض الشروط والقيود عليها.
وأضاف، أن أهم نتائج المؤتمر كان اعتماد الدولار الأمريكي كمرجعٍ رئيسي لتحديد سعر عملات الدول الأخرى; يمكنك أن تقول أنّ هذه الاتفاقية هي الاتفاقية الرئيسية التي أدّت إلى تشكيل نظام الصرف الأجنبي وتشكيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتطوير والتعمير، وهي الاتفاقية الرئيسية التي رسّخت هيمنة الدولار الأمريكي على تعاملات العالم الاقتصادية، حيث صارت هذه الدول الـ44 ترجع إلى الدولار الأمريكي لتحديد قيمة عملاتها دوليًا، مما جعل الدولار بمركز الملك.
لجوء العالم للدولار
كانت الولايات المتّحدة تمتلك 75% من ذهب العالم لوحدها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان الدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة على مستوى العالم المُغطاة بالذهب (بقية الدول تخلّت عن تغطية عملاتها بالذهب بعد حصول تضّخمات في اقتصاداتها)، مما دفع عددًا كبيرًا من دول العالم إلى العمل على تكديس الدولارات الأمريكية بهدف استبدالها بالذهب مستقبلًا كاحتياطي، وصار عدد كبير من هذه الدول يستخدم عملة الدولار كاحتياطي النقد الأجنبي.
وهكذا تحقق حلم العمّ سام بالسيطرة على الاقتصاد العالمي.. ولكن تطورًا مهمًا حصل لاحقًا.
طبع العملة دون غطاء
ويقول الخبير الاقتصادي رشاد عبده في تصريح لـ”رصد”، إن الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تستطيع طباعة كميات النقد التي تريدها دون حدوث تضخم.
الهيمنة السياسية
وأشار عبده إلى أن الدولار تحول إلى عملة ذات سمعة وثقة فمجرد وجودها في أي مكان يشعر أصحابها سواء أفراد أو شركات أو بنوك أو دول بالاطمئنان الاقتصادي، ويرجع ذلك إلى الهمينة العسكرية والسياسية للولايات المتحدة الأميركية على كل دول العالم خاصة وأنها لديها القدرة على فرض الحصار الاقتصادي.