في الوقت الذي تدعم فيه الحكومات صناعتها الوطنية، يحاول النظام المصري محاربة الصناعة بشتى الطرق، ويتعمد تدميرها في مقتل، رغم تصاعد الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ونقص العملة الأجنبية، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، والاعتماد على الاستيراد.
ويسعى النظام الحالي للقضاء على ما تبقى من الصناعات الوطنية، فكان آخر قراراته رفع الجمارك على الدواجن المستوردة، مع زيادتها على الأعلاف للتشجيع على الاستيراد، والقضاء على الصناعة المحلية.
توريد الأرز
ورغم الأزمة التي شهدتها البلاد بسبب نقص الأرز وارتفاع سعره، بالرغم من أن مصر من الدول المصدرة للأرز، إلى أن حكومة السيسي ترفض استلام الأرز من الفلاحين وتفضل استيراده بسعر أكبر.
وقال النائب محمد سعد تمراز عضو لجنة الزراعة والري بمجلس النواب، إن مصر ستشهد أزمة كبيرة في الأرز خلال الفترة المقبلة، ومن المحتمل ارتفاع سعره، متابعًا: “الحكومة ما عندهاش احتياطي من الأرز، ومش عارفة تتواصل مع الفلاح وتشتري منه بسعر مناسب، وبتستورد طن الأرز من الخارج بـ7 آلاف جنيه مصرى”.
وأضاف “تمراز” أن رصيد الحكومة من الأرز حاليًا يساوي صفرًا، بينما يوجد أرز عند الفلاحين، ولكن لا تستطيع الحكومة الشراء منهم بأسعار مناسبة لهم، مستطردًا: “الحكومة بتشتري طن الأرز من الفلاحين بـ3000 جنيه، فى حين بتستورده بـ7 آلاف، وبكده اضطر الفلاح يبيع فى السوق السوداء علشان محتاج هامش ربح يقدر يزرع بيه، ويناسب ارتفاع الأسعار الحالي”.
وتابع عضو لجنة الزراعة تصريحه، بالتأكيد على أنه يجب على الحكومة الحالية مراجعة كل قراراتها بشأن الفلاحين، سعيًا إلى عدم تفاقم الأزمة فى المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، وعدم الاعتماد على الاستيراد.
صناعة الحديد
وفي ظل وصول أسعار الحديد إلى مستوى قياسي لم تصل إليه من قبل، وارتفاع سعر خام البيليت عالميًا، تراجعت الحكومة عن قرار خفض سعر الغاز الطبيعي لمصانع الحديد التي تعمل بنظام الدورة المتكاملة من 7 دولارات للمليون وحدة حرارية إلى 4.5 دولار المعلن فى شهر مارس الماضى.
وقال رفيق الضو العضو المنتدب لشركة السويس للصلب، إن قرار عدم تخفيض الغاز لمصانع الحديد كارثي، يؤدي إلى اتجاه مصانع الدورة المتكاملة للاستيراد البيليت بدلاً من إنتاجه محليًا بما يُحمّل خزانة الدولة 1.8 مليار دولار سنويًا، ويؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار.
وطالب رئيس الوزراء بضرورة إعادة النظر في قرار تخفيض أسعار الغاز لمصانع الحديد، وتنفيذ وعده للمصانع بتطبيق القرار، وفي حالة تخفيض السعر للمصانع ستكون أسعار المنتجات تنافسية وتستطيع الشركات أن تصدر جزءًا من طاقاتها الإنتاجية، وتجلب دولار لخزانة الدولة، بما يزيد على 2 مليار دولار سنويًا.
وأضاف حسن المراكبي رئيس مجموعة المراكبي للصلب، أن مصانع الدورة المتوسطة تتأثر نسبيًا بسعر الغاز، مقارنة بمصانع الدورة المتكاملة، وقدر احتياجات الشركة من الغاز بـ50 مترًا لكل طن، فى حين تتراوح احتياجات مصانع الدورة المتكاملة من الغاز بين 350 و400 متر لكل طن، والتكاليف ستؤثر بشكل مباشر على سعر الحديد في السوق.
وكانت الحكومة قد أعلنت عن خفض سعر الغاز لمصانع الحديد التي تعمل بنظام الدورة المتكاملة التي تنتج البيليت في مارس الماضي لتشجيع الشركات على إنتاجه محليًا، بدلاً من استيراده ضمن مساعيها آنذاك لتقليل الطلب على العملة الصعبة.
صناعة الدواجن
وأثار قرار الحكومة بإلغاء الجمارك عن الدواجن المستوردة غضب الخبراء وصناع الدواجن في مصر، حيث أكدوا أن هذا القرار يقضي على صناعة الدواجن في مصر، والتي تعتبر من أهم الصناعات الوطنية، ويعمل بها 5 مليون عامل، وتحقق مصر اكتفاء ذاتي من الدواجن بنسبة 90%، واكتفاء ذاتي من البيض.
وعلقت الدكتورة شيرين زكي مفتش الطب البيطري بالجيزة على قرار إلغاء الجمارك على الفراخ المجمدة المستوردة من الخارج، بأنه بمثابة كارثة محققة بسبب تدمير ثروة مصرية كبيرة ومسحها من الخريطة العالمية لصناعة الدواجن.
وأضافت “زكي”، أن المواطن البسيط يعتقد أن بهذا القرار سيتم تخفيض سعر الدواجن والقضاء على جشع التجار، وهذا ما نفته بسبب أن الغلاء الحقيقي ليس بسبب التجار، وإنما لغلو أسعار العلف المستورد من الخارج.
وأوضحت زكي، أن قرار رئيس الوزراء بإلغاء الجمارك خاطئ جملةً وتفصيلاً، وأن هناك طرق إصلاح سليمة للخروج من الأزمة، وهي إعفاء المنتجات المساعدة من الجمارك كالعلف وآلات التصنيع، مضيفة أن هذا القرار سيشرد ما يقرب من 4 ملايين عائلة مصرية أي بمثابة 20 مليون نسمة، وإهدار أكثر من 35 مليار جنيه حجم الاستثمارات في هذه الصناعة.
وأكدت “زكي”، أن جميع العاملين في هذه الصناعة قرروا عمل وقفة احتجاجية للمطالبة بالرجوع في هذا القرار أمام وزارة الزراعة وأمام البرلمان يوم 12 من الشهر القادم.
صناعة السكر
وفي ظل أزمة السكر الطاحنة التي تواجها البلاد من نقص السكر، ووصول سعر الكيلو إلى 15 جنيه، وفى الآونة الأخيرة تسببت قرارات الحكومة الغير مدروسة في هجر بعض الفلاحين لزراعة قصب السكر والذي من المتوقع أن يتوقف الفلاحين تدريجيًا عن زراعته ليضيف للبلد أزمة جديدة بسبب السعر المتدني الذي تجبر به الحكومة الفلاحين على توريد المحصول.
فالبلد تقوم بزيادة للأزمات، وتوقف زراعة قصب السكر سيتسبب فى تشريد 500 ألف أسرة لأنه مع توقف زراعة القصب ستتوقف صناعة السكر المحلي وتتوقف المصانع التي تخدم 30 ألف عامل وموظف.
ويعد مصنع بنجر سكر الحامول بكفر الشيخ أحد أكبر قلاع صناعة السكر في مصر والشرق الأوسط، حيث إنه مقام على مساحة 40 فدانًا تشمل المدينة السكنية والملاعب ووسائل الترفيهية والمخازن، بالإضافة إلى 100 فدان زراعي تمتلكها شركة الدلتا للسكر، وافتتحه الرئيس محمد أنور السادات في عام 1980م، وتولى رئاسة مجلس إدارة الشركة المالكة لهذا المصنع الكيميائي عبد الحميد سلامة خبير صناعة السكر في مصر والشرق الأوسط، وحتى تقدمه باستقالته منذ أسبوع.
ويبلغ إنتاج مصنع بنجر سكر الحامول نحو 300 ألف طن سكر سنويًا، ويتعاقد على زراعة 100 ألف فدان سنويًا مقسمة على 3 “عروات”، عروة أولى وعروة ثانية وعروة ثالثة”، حيث يبدأ موسم التوريد ابتداءً من 1 فبراير حتى نهاية شهر يونيو، لإنتاج نحو 300 ألف طن سنويًا سكر، بالإضافة إلى إنتاج 100 ألف طن علف حيواني، و50 ألف طن “مولاس” سنويًا، ويبلغ عدد الموظفين والعاملين 2500 موظف وعامل.
وشهد هذا المصنع خلال الأسبوع الماضي وحتى الآن، وقفات احتجاجية وإضرابًا عن العمل، بسبب تعاقد الشركة القابضة للصناعات الغذائية على السكر بسعر 4050 للطن الواحد، في حين أنها تقوم ببيع الطن بـ7200 جنيه، متسائلين: “أين يذهب فرق هذا السعر ولصالح من يحدث هذا الأمر؟”، ورغم محاولات التهدئة لإثناء العاملين على فض الإضراب وإنهاء الاحتجاجات إلا أنهم لم يمتثلوا لذلك، في ظل الفساد الذي تشده أحد أهم قلاع الصناعة في مصر والمخاوف من إنهيارها.
صناعة الدواء
كما تتعرض صناعة الدواء في مصر إلي حرب شرسة للقضاء عليها، فبخلاف وقائع الفساد التي تشهدها الشركات الحكومية، وتثبيتت الحكومة لسعر الأدوية، وارتفاع أسعار الدولار وعجز المصانع على الاستيراد، إلا أن تهريب الأدوية المستوردة هي أحد أهم عوامل محاربة صناعة الدواء.
وقال الدكتور أحمد فاروق أمين عام نقابة الصيادلة، إن ضبط نحو 216 صنفًا دوائيًا مهربًا في إحدى السلاسل التابعة لرئيس غرفة صناعة الدواء، جريمة ليس في مجال الدواء فقط ولكن جريمة في سمعة الاقتصاد المصري والأمن الدوائي المصري.
وقال الدكتور فاروق، خلال مؤتمر مشترك مع جهاز حماية المستهلك، إن تلك الأدوية تم استيرادها بطرق غير مشروعة وبالعملة الصعبة، مضيفًا أنه ببحث الأصناف وجدت النقابة أن معظهما لها بدائل مصرية.
وطالب أمين عام نقابة الصيادلة، غرفة صناعة الدواء، بوقفة جادة مع رئيس الغرفة حتي لو أدي ذلك لسحب الثقة منه قائلا: “الموكل له حماية صناعة الدواء في مصر هو من يضربها في مقتل”.
وقال فاروق، إن تهريب الأدوية يضرب صناعة الدواء في مصر في مقتل، وخاصة أن تلك الأدوية لا تخضع لأي رقابة، مضيفًا: ما حدث جريمة في حق الشعب المصري والنقابة في غاية الحرص علي محاربتها والتصدي لها.