كانت تنظر إليَّ عبر السياج الحديدي والحاجز الزجاجي الذي ضرب بيني وبينها في قاعة المحاكمة، وما أن تلاقت عينانا؛ حتى ابتسمت وأشاحت بوجهها سريعا.. أرادت حبيبتي أن لا أرى عبراتها التي انسابت رغما عنها، لا تدري أن دموعها قد شقَّت أخاديدها في قلبي قبل أن تشقها على وجنتيها.
ظللت أنظر إليها وأُملي عينيّ من نعيم النظر إليها ثم هاجمني وخز ضميري بضراوة، ماذا فعل لك ذلك الملاك ليكون مصيره الجلوس وحيدا على دكّة خشبية باردة ينظر لتلك الوجوه العكرة الجامدة، ينتظر بأمل يتشبث به بأنامله الصغيرة الضعيفة، يعيش عليه وكأنه استحال إلى أنفاسه التي يستنشقها.
تستمع إلى كلمات المحامي مدافعا عني، وتنهمر دموعها وتكتم معها آهاتها كلما ردد اسمي، صرخاتها التي يرتج لها جسدها الذي هزل في بُعدي عنها تكاد تخرج عنوة منها مصدقة لكلماته “نعم هو بريء، نعم زوجي لم يفعل شيئا ليستحق سجنه، نعم تعبت، نعم لم أعد أحتمل، نعم أعيدوه لي”.
لم يتركني ضميري عند هذا الحد، فأخذ يكيل لي الضربة تلو الأخرى ضاربا بسوط قسوته قائلا: ألم تعد أباها حين أهداك ابنته أن تحفظها بعينك أن تسمح للحزن أن يجد لها سبيلا، أن لا تألوا جهدا لترسم البسمة على شفتيها، نسيت وعدك وخنثت به وأنظر وها أنت صرت سببا لدموعها.
انتفضت غضبا من ضميري الذي تجرأ ليلومني، غضبت ألمًا من كلامه، وغيرة على حبيبتي التي وقف موقف المدافع عنها، مسترسلا في سيرتها متساهلا فطردته شر طردة، واستفقت على عبراتي التي انسابت رغم عني..
صدق ذاك المتجرئ في كل ما قال، نعم ظلمتك ملاكي حين خالفت كل أحلامك التي نسجها قلبك حين تزوجنا لنحيا حياة تملؤها السعادة، تغمرها السكينة، تتنفس حبا وعشقا ورضى، وها أنا قد تركتك وحيدة تتخبطك أمواج الخوف والألم، تتقاذفك الرياح على أبواب الأمل فتطرقينها بابا بابا ولكن لم يفتح لك باب.
لم أنس محبوبتي أول مكالمتنا في فترة خطبتنا حين حدثتك عن رغبتي في كتابة قصة عشق مع من سأتزوجها يتحاكى بها التاريخ كقصة سيدي محمد وحبيبته عائشة، والله لم أنسَ، ولكن ما أنا فيه هو ضريبة طريق حدثتك أيضا عن سيري فيه، ولعلنا ببركة تلك الضريبة نسطر أول فصول تلك القصة.
قبل أن ألتفت إليك كفكفت دمعي فأنا أعلم أثرها عليكِ، ونظرت إليك مبتسما وقلت لكِ بعينيّ أنّي على يقين بأن قلبك استقبل رسالتي..
سأخرج من سجني عاجلا أم آجلا، سأضمك ضمة تنسيك ألم سنين البعد.. ووالله لأسعدنك سعادة تجبر شقاءك.. سر ثقتي أستمدها من موعود ربي “إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ أجّرَهُم بِغَيرٍ حِسابٍ”.
كان هذا لقاء بيني وزوجتي في ذكرى زواجنا الرابع قصة حقيقية من مصر .
16/11/2012
16/11/2016