أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه النظام أن يقيس الرضا الشعبي عنه بأعداد المتظاهرين ضده، أو أن يظن أن من لم ينزل هو راض وسعيد، فهذه نفس عقلية مبارك ونفس غباء مبارك ونفس انعزالية وعنجهية مبارك! فكما نقول دائما إن عدم وجود حشود لا يعني عدم وجود ثورة!
أزمة الانقلاب في مصر سياسية، وحل هذه الأزمة يكون بالاستقرار السياسي والشرعية الدستورية، والانقلاب يفتقر إلى كليهما، وفشل في جميع عمليات الترقيع التي حاولت تجميل جريمته، وإعادة العفة إليه. والدليل على ذلك بسيط؛ هل يستطيع السيسي أن يفتح الميادين لنرى الرضا الشعبي، أو أن يجري انتخابات شفافة لنرى الشرعية؟؟
ومالم يفلح النظام في حل الأزمة السياسية فلن ينجح في حل الأزمة الاقتصادية، التي يجمع كل المراقبين تقريبا أنها انعكاس للأزمة السياسية، وأن حلها مرهون بعودة الاستقرار السياسي في مصر، وخروج الدبابة من الشوارع!
أما احتلال الميادين بالدبابات، ووجود نظام انقلابي في مصر، فلن يفلح ولن يجدي معه أي مسكنات من صندوق النقد، خاصة مع تراجع الروافد الدولارية للبلاد، ومع الأخذ في الاعتبار أن هذه المسكنات باهظة الثمن!
***
ليس هناك خلاف أن معارضي السيسي صاروا من جميع الفئات، بل وصل السخط والغضب إلى الفئات التي كانت تقف معه منذ ثلاث سنوات، واستبشرت به خيرا. لقد صار من الصعب على النظام حشد مظاهرة مؤيدة له كما حدث مثلا يوم التفويض الآثم.
صار النظام موجودا فقط لأن معه دبابة، لكنه لا يدرك أن استمرار الدبابة في الشوارع يهدد بقاء النظام نفسه! فيجب التفريق عند النظر لمظاهرات يوم 11 بين نظام منتخب (مرسي) ترك خصومه يتظاهرون أسبوعيا ضده فلم يحضر أحد، فلجئوا للدبابة في 3 يوليو، وبين انقلاب يحتل الشوارع والميادين بالدبابات حتى لا يتظاهر خصومه (السيسي)!
إن رد فعل الانقلاب على دعوات التظاهر اليوم شديد الذعر لأنه شديد الضعف! اليوم؛ أكد الثوار أنهم لم يلقوا الراية بعد، وأن النظام في حالة دفاع! ولو كان الانقلاب مستقرا مطمئنا لسمح بمظاهرات ضده، ولسوقها للجميع كدليل استقراره وديمقراطيته، لكنه أثبت أنه يخشى من غضب الملايين ضده، وامتناعه، رغم الحشد الكثيف، عن استخدام الرصاص الحي كالسابق، دليل على عدم رغبته في أن تتدحرج كرة الثلج، برش الملح على جرحه الملتهب، كما حدث في ميدان الأربعين في السويس في الأيام الأولى لثورة يناير!
وهنا يجب أن نطرح سؤالا هاما: إلى أي مدى يمكن أن يبقى هذا الاستنفار الأمني على هذا الوضع؟؟ وسؤالا أهم: هل سيستمر الجيش في دعم السيسي على طول الخط كما فعل في بداية الانقلاب؟؟ وهو سؤال يعضده الظهور المفاجئ لطنطاوي في التحرير، وكأنه يقول: الجيش هو الذي يقود، وعنان كبديل مرفوض، والإعدامات قد تعود!
***
إن النظام لا يدرك أن هؤلاء الملايين الذين امتنعوا عن النزول، رغم رفضهم للانقلاب، لم يستسلموا، بل يرون أنهم صاروا أكثر وعيا بحيث لا يدخلون معركة غير متكافئة إطلاقا، بين شباب وفتيات سلميين من جهة، وجيش بمدافعه ودبابته من جهة أخرى! وإذا قرأ النظام عدم نزولهم أي قراءة أخرى- مثل أنهم راضون عن قرارته المجنونة – فهو مخطئ بكل تأكيد!
وعليه؛ فلا يجب عتاب هؤلاء، أو فقد الأمل فيهم، فهذا طبيعي ومتوقع! على العكس، هؤلاء ينتظرون الوقت والمكان المناسب والآمن كي يظهروا هذا الغضب، وساعتها لن تكون ثورة عاقلة مثل 25 يناير، بل ثورة من فتح أمامه الميدان فيتشبث به وهو لا يدري متى يغلق ثانية!
أما الأعداد الجريئة التي نزلت اليوم ولا تزال في الشوارع منذ ثلاث سنوات، رغم المخاطرة الشديدة، فهؤلاء مجرد ترمومتر لنا جميعا، أن حرارة الرفض الشعبي للانقلاب لم تنخفض بعد، بل لا تزال في مستويات مقلقة للنظام، وتهدد بحمى قد تصيب جسد الانقلاب فجأة، رغم كل خوافض الحرارة والمسكنات التي يتعاطاها هذا الانقلاب!
صفحة الكاتب على فيسبوك: Dr. Ahmed Nassar – د. أحمد نصار