قبيل أيام من دعوات 11 نوفمبر المرتقبة، والتي من المقرر أن تشهد تظاهرات تطالب بالإطاحة بعبدالفتاح السيسي ونظامه، شهدت مصر 3 حالات لعمليات إغتيال 3 قيادات في الجيش المصري، دون القبض على المرتكبين أو تحديد هويتهم، إذ أثارت عمليتي اغتيال قائدين عسكريين بالجيش المصري، جدلاً واسعًا حول حقيقة الجهة المنفذة وأسبابها، ودلالات توقيتها وطبيعة الرد عليها.
العميد رجائي
يذكر أنه تم قتل العميد عادل رجائي قائد الفرقة التاسعة مدرعات في الجيش المصري، إثر استهدافه أمام منزله الأسبوع الماضي، وتعد عملية اغتيال رجائي هي الأولى من نوعها التي يتم فيها استهداف أحد ضباط القوات المسلحة في العاصمة المصرية القاهرة، وليس في شمال سيناء، حيث تجري العمليات ضد الجماعات المسلحة.
فيديو يثير الشك
وانتشر مقطع مصور، مساء الجمعة الماضية، على نطاق واسع بالشبكات الاجتماعية، حول عملية اغتيال ضباط مصري كبير تمّت قبل أيام، حيث اتهم صاحب الفيديو وزير الدفاع المصري ورئيس المخابرات السورية بالمشاركة في عملية الاغتيال.
وقال رجل ادعى أنه ضابط مصري، إن لديه معلومات عن الطريقة التي تمت بها اغتيال العميد عادل رجائي، قائد الوحدة التاسعة مشاة المسؤولة عن تأمين العاصمة المصرية القاهرة ومحافظات أخرى.
وأشار الرجل الذي يركب سيارة مدنية ويرتدي زيًا مدنيًا أيضًا، دون أن تظهر ملامح وجهه، إلى أن خلافًا بين وزير الدفاع صدقي صبحي والعميد رجائي حول تأمين مقارّ السفارات الأجنبية في القاهرة هو السبب وراء عملية الاغتيال.
وأضاف أن مشادة كلامية كانت قد نشبت بين وزير الدفاع صدقي صبحي والعميد رجائي بتاريخ 5 أكتوبر/تشرين الأول 2016م، بسبب طلب الأخير تكليف رسمي من القيادة العسكرية وليس تكليفًا شفيهًا من أجل نشر القوات لحماية مقار السفارات، الأمر الذي انتهى بخلاف وسبّ وشتم بين القادة، وبعدها قام العميد رجائي بتبليغ أحد السفراء الأجانب بضرورة الحيطة والحذر، ولكن السفارة تعاملت معه بطريقة مكشوفة وواضحة أثارت غضب القيادة العسكرية، بحسب ما ذكر صاحب الفيديو.
وقال الرجل إنه في 17 أكتوبر الجاري تم استدعاء العميد رجائي في حضور عبدالفتاح السيسي ووزير الدفاع صدقي صبحي ورئيس المخابرات السورية علي مبروك بشأن نشر القوات العسكرية أمام هذه السفارة، الأمر الذي رفضه رجائي إلا بتكليف رسمي، ما دفع صدقي صبحي إلى أن يطلب من رجائي البقاء في منزله.
وأشار إلى أنه بعد 24 ساعة من الاجتماع الأول تم تنظيم اجتماع آخر بحضور زوجة العميد رجائي الصحفية سامية زين العابدين، وبعدها تم اغتيال رجائي.
وذكر الرجل معلومات وتفاصيل العناصر التي قامت باغتيال الضابط المصري، مستشهدًا بأسماء الضباط المشاركين في عملية الاغتيال وأسماء وحدات خدماتهم في الجيش المصري.
ونوّه إلى أن هناك قائمةً تضم 22 شخصية عسكرية سيتم تصفيتها في المستقبل من قبل القيادات غير “المخلصة”، إضافة إلى وجود بلاغ ضد زوجة العميد رجائي لدى النيابة العسكرية المصرية.
وحول الدافع وراء قيامه بهذا التسجيل، كشف الرجل أنه خائف على نفسه، وربما يصبح مصيره مثل رجائي، مستشهدًا بحادثة القلعة التي نفذها محمد علي باشا عام 1811م، ضد زعماء المماليك في قلعة محمد علي، ومن ثم التخلص منهم جميعاً، وعرفت هذه الواقعة بمذبحة القلعة.
واتهم الرجل ضباطًا غير مصريين – في إشارة إلى علي مملوك رئيس المخابرات السورية – بالضلوع في عملية اغتيال رجائي ومحاولة اغتيال ضباط جُدد في القائمة التي سردها.
اغتيال قائد الكتيبة 103 صاعقة
وبعد أيام من اغتيال رجائي، قتل العقيد رامي حسنين قائد الكتيبة 103 صاعقة، صباح أمس السبت، جراء انفجار عبوة ناسفة لدى مرور السيارة المدرعة التي كان يقودها بشمال سيناء.
احتمالية أزمة داخل الجيش
ويرى وزير الدولة للشؤون القانونية في حكومة الدكتور محمد مرسي محمد محسوب، أن عملية الاغتيال “مزعجة في كل جوانبها واحتمالاتها، فلو كانت عملاً إرهابيًا فستعبر عن ضعف وتقصير شديدين، ولو كانت مظهرا لمشكلة داخلية في أبنية الدولة فإنها تنبئ عن خطر داهم يهدد ركائز الدولة بما لم يحصل في تاريخها”.
واعتبر في حديث للـ”جزيرة نت”، أن الحادث “يثير التساؤل عن كيفية وصول الجناة للمستهدف، والمقصود بالتوقيت في ظل تآكل شعبية النظام التي استمدها من حربه الوهمية على الإرهاب”.
إحالة ضباط مخابرات للمعاش
وبدأ السيسي العام الماضي تصفية خصومه، أو غير المؤيدين له من أصحاب المراكز العليا في مصر، وخاصة قيادات الأجهزة الأمنية والسيادية التي بدأت شريحة منهم غير مقتنعة بالسياسات التي ينتهجها السيسي، والتي تزيد البلاد تأزيمًا، وهي ظاهرة غير مسبوقة وصلت إلى أهم وأرفع جهاز سيادي في مصر، وهو جهاز المخابرات.
ونشرت بعض المواقع الاخبارية وثيقة هي عبارة عن قرار رئاسي صادر عن السيسي شخصيًا بإحالة عدد من كبار ضباط جهاز المخابرات على التقاعد، وذلك بعد يومين فقط عن ما كشفه يحى حامد الوزير السابق في حكومة مرسي، والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين، لاتصالات أجرتها جهات سيادية مع الجماعة للبحث في كيفية الخروج من الأزمة الراهنة بمصر، والبحث في مرحلة ما بعد السيسي، وهو ما يبدو أنه أثار قلقا واسعا لدى مؤسسة الرئاسة في القاهرة.
كما يأتي قرار إحالة عدد من ضباط المخابرات على التقاعد بعد أيام أيضًا من التقرير الذي نشرته جريدة “الشروق” المصرية، حول وجود مؤيدين للمرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق من كبار الضباط في “جهات سيادية”، وهو ما يؤكد المعلومات التي تتحدث عن أن شريحة المعارضين للسيسي تتوسع في أجهزة الدولة المصرية، وتتحول إلى ظاهرة، وهي الظاهرة التي وصلت إلى غالبية أجهزة الأمن بما فيها جهاز المخابرات الذي يعتبر الأهم والأكثر حساسية.
وحسب الوثيقة، فقد أصدر السيسي قرارًا جمهوريا بإحالة 11 من كبار ضباط المخابرات على التقاعد، حيث قال القرار إنه تقرر إحالة تسعة من وكلاء المخابرات العامة إلى المعاش بناء على طلبهم، وهم: محمود عادل أبو الفتوح، وسامي سعيد الجرف، وأشرف سعيد الخطيب، ومحمد مصطفى سعودي، وخالد سعد الدين الصدر، ونيفين أمين إسماعيل، ومصطفى زكي عكاشة، ومحمد علاء عبدالباقي، وماجد إبراهيم محمد، إضافة إلى إحالة كل من علي محمد خير الدين وعادل أحمد محمد إلى المعاش لعدم لياقتهما للخدمة صحيا.
ضباط يسعون إلى التغيير
وفي سبتمبر 2015م، نشر مفوض العلاقات الدولية السابق في جماعة الإخوان المسلمين يوسف ندا رسالة قال إنها الثانية من جهات داخل مصر، رفضت الإفصاح عن هويتها قبل أشهر، لكنها عبرت عن نفسها هذه المرة بأنها مجموعة لا يستهان بها من ضباط الجيش المصري.
قال إنها الثانية من جهات داخل مصر، بعد رسالة من المجموعة نفسها قام بنشرها في يونيو العام الماضي.
وأشار إلى أن أصحاب الرسالة رفضوا الإفصاح عن هويتهم، لكنهم عبروا عن أنفسهم بأنهم مجموعة لا يستهان بها من ضباط الجيش المصري.
وحسب ما جاء في الرسالة، فإن مجموعة الضباط الرافضين لتحول مصر إلى دولة فاشلة بسبب تصرفات بعض القيادات الفاسدة في الجيش -على حد وصفهم- ترى أن الجيش يجب أن يخضع للسلطة المدنية المنتخبة وليس العكس.
وعددت الرسالة ما سمتها الأسباب والدوافع التي لا حصر لها، والتي تفرض على هذه المجموعة من الضباط تحركها، ومنها “انتزاع صلاحيات كل السلطات الرئاسية والتشريعية والقضائية والتنفيذية ووضعها في قبضة مجموعة من الطغاة، وقتل وإصابة وسجن ما يزيد على مائة ألف من الرافضين للانقلاب على المسار الديمقراطي”.
ومن بين الأسباب أيضًا التي ذكرتها الرسالة “تبديد ونهب ما بقي من أرصدة الدولة، والتواطؤ مع لصوص المال العام، ورشوة بعض الدول بالتعاقد المباشر بأسعار خيالية لشراء معدات حربية، والجهل والفشل والإهمال في معالجة موضوع سد النهضة الإثيوبي، وما قد يؤدي إليه من جفاف وتصحر في مصر، وجرّها إلى التورط في حرب أهلية في ليبيا بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر وفلول العقيد الراحل معمر القذافي”.
كما ذكرت الرسالة أن من الدوافع كذلك “تواطؤ الدولة الحالية في عدم استعادة الأموال التي نهبها مبارك وأركانه، وفساد السلطة القضائية، وتسليم وزارة الداخلية للمرتشين والقتلة، واتجاه الدولة إلى تفريغ سيناء من سكانها والتنسيق مع إسرائيل”.
وأضافت الرسالة أن من الدوافع أيضا “فضح توجه سلطة السيسي إلى تفريغ الجامعات من الأساتذة الغيورين على وطنهم، وتسليم الإعلام إلى طبقة لا تمثل إلا أحط الأخلاق والغوغائية، وتدهور الخدمات العامة والصحية والطرق وارتفاع أسعار الكهرباء والمياه والخدمات”.