شبكة رصد الإخبارية

كردستان سوريا خيال أم واقع قابل للحياة !؟ – أحمد الراغب

كردستان سوريا خيال أم واقع قابل للحياة !؟ – أحمد الراغب
بعد مضي ما يقرب من ست سنوات على عمر الثورة السورية، باتت الأحاديث حول تقسيم سوريا أمراً شائعاً، ولعلّ بعض الأحزاب الكردية تسعى جاهدة ـ مع بعض الأطراف الدولية ـ لتحقيق هذا الحلم القديم...

بعد مضي ما يقرب من ست سنوات على عمر الثورة السورية، باتت الأحاديث حول تقسيم سوريا أمراً شائعاً، ولعلّ بعض الأحزاب الكردية تسعى جاهدة ـ مع بعض الأطراف الدولية ـ  لتحقيق هذا الحلم القديم…

ولكنْ يبقى السؤال المشروع قائماً: هل بالإمكان قيام دولة كردية في الشمال السوري..!!؟

أو بعبارة أخرى: كردستان سوريا خيال أم واقع قابل للحياة !؟

للجواب عن ذلك لابدّ من ترك الأماني والعواطف جانباً، والمشي وراء الحقائق العلمية والظروف الاقليمية والدولية؛ لهذا سنلتزم في هذه الدراسة البعد عن كلّ ما هو ذاتي شخصي، ونلتزم الموضوعية في البحث ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وسنركّز على الجانب الاقتصادي، مع الإشارة إلى الجوانب الأخرى بشكل مختصر…

بداية نقول: لقيام أية دولة لابدّ من وجود العناصر الآتية:

أولاً ـ الإقليم الجغرافي.

ثانياً ـ الشعب.

ثالثاً ـ السلطة السياسية.

رابعاً ـ الاعتراف الدولي.

ولنبدأ بدراسة هذه العناصر، ومدى انطباقها على قيام دولة كردية في الشمال السوري.

أولاً ـ الإقليم الجغرافي:

ونقصد بالإقليم هنا المساحة الجغرافية والموار الاقتصادية التي تسمح بقيام دولة قابلة للحياة من الناحية الاقتصادية.

وبالرجوع إلى المراجع الكردية نجد أن مساحة الدولة الكردية الكبرى (كردستان)، والتي تمتد بأكثر من دولة تُقدَّر بنحو 409650 كم مربع، يقع منها 194400 كم مربع في تركيا، و 124950 كم مربع في إيران، و 72 ألف كم مربع في العراق، 18300 كم مربع في سوريا.

والقسم الذي يقع في سوريا هو كردستان الجنوبية الغربية، وهذا القسم لا يوجد اتفاق حتى بين الأكراد على امتداده ومساحته الفعلية، إذ هناك بعض الدراسات توصل المساحة إلى أكثر من 25000كم مربع، ويأخذ الأشكال الآتية:

1 ـ يمتد من نهر دجلة على الحدود السورية العراقية، وبمحاذاة الحدود التركية، إلى إسكندرون على البحر المتوسط.

2 ـ يمتد من نهر دجلة على الحدود السورية العراقية، وبمحاذاة الحدود التركية، إلى البحر المتوسط، لكن من دون أن يشمل الأراضي التركية (لواء إسكندرون)، بل يأخذ جزءاً من منطقة حارم، إلى جبال الأكراد في اللاذقية، ليصل منها إلى شاطئ البحر المتوسط.

3 ـ  يمتد من نهر دجلة على الحدود السورية العراقية، وبمحاذاة الحدود التركية، إلى عفرين في  محافظة حلب.

4 ـ يمتد من نهر دجلة على الحدود السورية العراقية، وبمحاذاة الحدود التركية، إلى جرابلس في محافظة حلب.

5 ـ  معظم محافظة الحسكة فقط.

ونحن سنعتمد في هذه الدراسة على الاحتمال الخامس وهو الأقل مساحة وموارد طبيعية، قياساً على الاحتمالات الأخرى ؛كي تكون الدراسة أخذت الحد الأدنى من الموارد الاقتصادية.

وبالتالي تكون معظم محافظة الحسكة هي الإقليم المفترض، والمساحة هنا 18300كم مربع من أصل مساحة محافظة الحسكة التي تبلغ 23333كم مربع.

والآن يأتينا سؤالان:

السؤال الأوّل: ما هي أهم الموارد الاقتصادية في هذا الإقليم المفترض!؟

السؤال الثاني: هل هذه الموارد تجعل من هذا الإقليم دولة قابلة للحياة اقتصادياً !؟

جواباً عن السؤال الأول نقول:

إنّ أهم الموارد الاقتصادية والطبيعية في هذا الإقليم هي:

1 ـ النفط والغاز: يتركز في هذا الإقليم أكبر كميات النفط والغاز في سوريا، إذ تقع فيه حقول الرميلان والسويدية والشّدادي، وتُنتج هذه الحقول ما يقرب من 200 ألف برميل يومياً؛ أي ما يعادل 50% من إنتاج سوريا النفطي، وهناك إنتاج كميات كبيرة من الغاز، حيث تستطيع مؤسسة السويدية للغاز الطبيعي إنتاج أكثر من 16 ألف اسطوانة غاز يوميا، منها 11000 تكفي محافظة الحسكة، والباقي يتم نقله إلى المحافظات السورية، كما أن معمل الغاز الحر في جبسة استطاعته 1.7 مليون متر مكعب في اليوم لتنقية الغاز الحار وضخه باتجاه معمل السماد الآزوتي ومصفاة حمص.

وقد ذكرت مجلة ذا ناشيونال إنترست The natioual interest الأمريكية للشؤون الخارجية في شباط عام 2013م على موقعها على الانترنت, تحليلاً لأهمية منطقة رميلان,كونه توجد في الرميلان احتياطات نفطية ضخمة غير مكتشفة, وتقدر بـ /315/ مليار برميل بالإضافة الى /69/ مليار برميل من الاحتياطات المكتشفة, وأيضاً هذا بحسب دراسة أجرتها جامعة دمشق عام 2009م وقالت إنها ستلبي هذه الاحتياطات مطالب الاستهلاك المحلي السوري لمدة /18/ عاماً, وتعتبر حقول الرميلان من أغنى حقول النفط في كردستان سوريا.

2 ـ المياه: يعتبر هذا الإقليم غنياً جداً بالموارد المائية، إذ تمثل موارد هذا الإقليم المائية نحو 55% من حجم ثروة سوريا المائية، ففيه نهر دجلة والخابور والعديد من الروافد، والعديد من السدود المائية.

3 ـ الزراعة: تمثل الزراعة في هذا الإقليم مورداً اقتصادياً غنياً، إذ تزيد الأرض الصالحة للزراعة عن 15 ألف كم مربع، مما يمثل ما يزيد عن 29% من إجمالي المساحة المزروعة في سوريا، هذا عدا عن وفرة المياه التي تجعل هذه الزراعة ذات مردودية اقتصادية عالية.

ولعل أهم الزراعات الاستراتيجية هي:

أ ـ القمح: بلغ إنتاج سوريا السنوي الوسطي ـ قبل الثورة ـ من القمح 4 مليون طن، وكان نصيب محافظة الحسكة منه 1.4 مليون طن؛ أي ما يعادل 35 % من إنتاج سوريا.

ب ـ القطن: احتلت سورية المرتبة الثانية عالمياً بعد الهند في إنتاج ألياف القطن العضوي لموسم 2009 ـ 2010م، كما احتلت المرتبة الثانية عالمياً بعد أستراليا من حيث مردود وحدة المساحة، بمعدل أربعة أطنان للهكتار منذ العام 2001م . ودخلت مصاف الدول المتقدمة في جودة أقطانها وإنتاج القطن الملون، خصوصاً البني والأخضر، وتفوّقت في مجال المكافحة الحيوية الآمنة بيئياً والإنتاج النظيف.

ويبلغ إنتاج سوريا الوسطي من القطن مليون طن سنوياً، ويبلغ إنتاج محافظة الحسكة وسطياً 378000 طنا، أي أنّ إنتاج الحسكة يعادل 38% من إنتاج سوريا.

4 ـ السياحة: يعتبر هذا الإقليم غني بالمواقع السياحية، إذ هناك الكثير من المواقع الأثرية التي تعود إلى ما قبل الميلاد بآلاف السنين، ولعل أهم هذه المواقع هي: تل حلف “غوزانا”، تل الفخيرية، تل بيدر، تل براك ، تل عجاجة “عرابان”، تل حطين، تل ليلان “شبات انليل”، بالإضافة إلى العديد من المواقع الأثرية…

5 ـ الثروة الحيوانية: هذا الإقليم غني بالثروة الحيوانية، إذ يُسهم بشكل كبير في تربية المواشي وإنتاج الصوف والألبان وغيرها من المنتجات الحيوانية، ويتميز هذا الإقليم بكثرة المراعي، خصوصاً وأنّ المناطق الصحراوية، فإنها أفضل بقاع الصحراء السورية، وذلك لأن الهطل السنوي لا يقل عن 200مم، ويصل إلى 250مم في بعض الأماكن، وكل ذلك يساعد على وجود مراعٍ شتوية ربيعية جيدة في أغلب السنوات، وهذا ما يُفسِّر وجود بضعة ملايين من الماشية في الجزيرة عامة.

إذن نستنتج من عرض الموارد الطبيعية والاقتصادية لهذا الإقليم أنّه إقليم غني بالموارد، ففيه السلع الاستراتيجية كالنفط والغاز والقمح والقطن، وفيه ثروة كبيرة من المياه، وفيه ثروة حيوانية كبيرة، وفيه موارد سياحية مقبولة…وجميع هذه الموارد لها مردود اقتصادي كبير.

ونشير إلى أنّ مردود هذا الإقليم السنوي من ثلاث سلع استراتيجية فقط ـ وهي النفط والقمح والقطن ـ يزيد عن 6 مليارات دولار سنوياً، وفق الأسعار الحالية لهذه السلع عالمياً.

والآن بعد ما عرفنا أهم موارد هذا الإقليم، نأتي للجواب عن السؤال الثاني: هل هذه الموارد تجعل من هذا الإقليم دولة قابلة للحياة اقتصادياً !؟

نقول ـ بتجرد ـ ومن الناحية الاقتصادية: يمكن بهذه الموارد أن توجد دولة قابلة للحياة، وهناك العديد من دول العالم لا تملك ما يملكه هذا الإقليم واستمرت في ديمومتها، فمساحة هذا الإقليم تزيد عن 18000كم مربع، بينما مساحة لبنان 10452 كم مربع ولا تملك بترول ولا غاز ولا سلع استراتيجية كالقمح والقطن، ومساحة قطر 11437 كم مربع ولا تملك إلا البترول والغاز، ومساحة البحرين 767 كم مربع ولا تملك إلا البترول، ومساحة سنغافورة الدولة المتقدّمة الفقيرة بالموارد 710 كم مربع ولا بترول ولا غاز ولا زراعة معتبرة؛ بل أكثر من ذلك نقول: إنّ مساحة الأرض القابلة للزراعة في هذا الإقليم المفترض (كردستان سوريا) تعادل 15000 كم مربع؛ أي أنّ الأرض القابلة للزراعة تزيد عن مساحة كل دولة من تلك الدول، هذا عدا عن ميّزة السلع الاستراتيجية والموارد المهمة الأخرى التي ذكرنا بعضها في هذه الدراسة.

ثانياً ـ الشعب:

إنّ عدد الأكراد في سوريا هو موضع خلاف، فهو محصور بين 5% إلى 15% حسب الدراسات المختلفة، ونحن نجد أنّ أقرب نسبة إلى الصواب لا تصل إلى 10%، لكننا سنفترض أنّ هذه النسبة هي 15%، وبناءً على هذه النسبة يصل عدد سكان الأكراد في سوريا ما يقرب من 3.42 مليون نسمة حسب احصائيات 2013م التي بلغ فيها عدد سكان سوريا ما يقرب من 22.8 مليون نسمة.

ولكن الأمر المهم ليس عدد سكان الأكراد؛ بل هو توزعهم في سوريا، فالأكراد موزعون في محافظة الحسكة والرقة وحلب ودمشق وحماه وحمص والساحل، ويُعتبرون أقليات بالنسبة لعدد سكان كلّ محافظة يعيشون بها، فأعلى نسبة للأكراد هي بمحافظة الحسكة، وتبلغ نسبتهم فيها 28.03% من سكان المحافظة، أما باقي المحافظات فهي أقل من هذه النسبة بكثير، هذا يعني أنّه في الإقليم المفترض أن تتشكل فيه الدولة الكردية سيكون الأكراد أقلية وليس أكثرية، ولا يمكن أن يكونوا أكثرية إلا إذا قاموا بتهجير قسري للعرب وبمبررات مختلفة…

ماذا يعني هذا الواقع السكاني بالنسبة لقيام دولة كردية !؟

يعني أنّه وفق المبادئ الديمقراطية لا يمكن قيام “دولة قومية” كردية، فأي تصويت حر سوف يُفشل هذا المشروع.

لكن يبقى أسلوب القوة العسكرية لفرض دولة كردية، وهذه ممكن ـ خاصة وفق الظروف الدولية الحالية التي تتصارع فيها على أرض سوريا ـ فكثير من الأقليات في العالم تحكم الأكثريات بحكم القوّة والبطش، فسوريا قبل الثورة كانت تحكمها أقلية طائفية…

ثالثاً ـ السلطة السياسية:

هناك الآن في الشمال السوري نواة لسلطة سياسية كردية بقيادة حزب PYD ، وهذه القوة مدعومة دولياً، ويمكن أن تكون في المستقبل سلطة سياسية.

رابعاً ـ الاعتراف الدولي:

وقد أضيف هذا الشرط الرابع لعناصر الدولة عام 1933م في معاهدة مونتفيديو بالأوروغواي، وهو اعتراف دولي بتلك الدولة بحيث تستطيع الدخول في معاهدات واتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف مع أية دولة تختار.

ومنذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 تم الالتزام بالشروط الأربعة لعناصر الدولة والعمل بها عند ضمّ أعضاء جدد للأمم المتحدة، بشرط موافقة مجلس الأمن الذي يرفع توصية للجمعية العامة، والتي بدورها تصوت على العضوية بأغلبية الثلثين.

ولعلّ هذا الشرط الدولي هو أهم الشروط على أرض الواقع بالنسبة للدولة الكردية المنتظرة، فالعامل الدولي هو الذي سيقرر قيام دولة كردية أو عدم قيامها، ولعلّ هناك مصلحة دولية عامة لقيام دولة كردية في سوريا، وعلى رأس هذه الدول هو أمريكا وروسيا اللتان تتنافسان في خدمة إسرائيل التي هي صاحبة المصلحة العظمى في قيام دولة كردية في المنطقة، وإذا كان هناك من يعارض هذا المشروع ويسعى في إفشاله هما دولتان فقط، هما تركيا وإيران، فقيام دولة كردية في سوريا، سيجعل تركيا وإيران في خطر قيام دول كردية في داخل كلّ منها، فإيران يعيش فيها 10 ملايين كردي، وأعلن عن قيام دولة كردية فيها عام 1941م، واستمرت لمدة سنة، ثم قضت عليها إيران عسكرياً، وفي تركيا يعيش أكثر من 15 مليون كردي، وهم يخوضون حرباً انفصالية بقيادة حزب PKK منذ عام 1984م، وبالتالي يرتبط قيام الدولة الكردية في سوريا بمدى قدرة إيران وتركيا على محاربة هذا المشروع…

نستنتج مما سبق أنّه:

1 ـ  من الناحية الاقتصادية هناك إمكانية لقيام دولة كردية قابلة للحياة في شمال سوريا.

2 ـ من الناحية الديموغرافية لا يمكن قيام دولة قومية كردية إلا بصورة قسرية إقصائية، وهذا يرتبط بالدعم الدولي والإقليمي.

3 ـ من ناحية السلطة السياسية، هذا أمر ممكن؛ وذلك لوجود طرف سياسي كردي مُنَظّم يمكن أن يقود مرحلة قادمة بدعم دولي.

4 ـ البعد الدولي في عمومه يساعد على قيام دولة كردية في سوريا، باستثناء تركيا وإيران.

وخلاصة الخلاصة: هناك إمكانية لقيام دولة كردية في سوريا، وخاصة أنّ المجتمع الدولي يؤيد هذا الاتجاه، فمن مصلحة إسرائيل والدول الفاعلة دولياً أن يُقسّموا المقسَّم في الشرق الأوسط، والذي يقف عقبة أمام المشروع هما إيران وتركيا فقط، وتركيا أسقطت مشروع الدولة الكردية في اتفاقية لوزان عام 1923م، فهل تستطيع تركيا وإيران معاً إيقافَ مشروع قيام الدولة الكردية في سوريا..!!؟



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023