رأت الكاتبة سارة الشيخ في مقال نشره موقع “اوبن ديمقراسي” الأميركي أن السيسي يعاني من جنون العظمة الشديد ،فيما سلطت الضوء على الطريقة التي يتمكن بها من السيطرة على الشعب.
استهلت الكاتبة بإقتباس”ربنا خلقني طبيب قادر على تشخيص الحالة ،لقد خلقني كذلك، أنا أعلم الحقيقة وأراها إسمعوا مني أنا، حتى العالم يقول الآن إسمعو منه”.
كان ذلك هو عبدالفتاح السيسي متحدثًا عن حكمته الفريدة من نوعها وقدراته الغير مسبوقة: “إذ استمر في وصف نفسه ب”طبيب الفلاسفة” “الرجل الحكيم الذي يسعى إليه سياسيو وفلاسفة العالم والمخابرات الدولية وخبراء الإعلام، وإذا أدردت فإنه بإمكانه توقع مستقبل مصر، وفقًا لأحلامه المسائية.
لو أن السيسي يرى نفس في مركز اهتمام قادة العالم والفلاسفة، فإن المرء بإمكانه تخيل الورطة التي وقع فيها شعبه ، ولم يتخلى السيس ولو لمرة واحدة في إظهار التقييم الذاتي المبالغ فيه، أو التسلط الأبوي في أي من خطاباته، وغالبًا ما تأتي هذه الخطابات بعد أزمات تتطلب إجراءات في المجالين الاقتصادي والسياسي.
خلال هذا العام كانت هناك مناقشات جادة حول تسليم جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية، وخلال إحدى خطاباته حكى السيسي قصة قبل النوم: “إذ قالت له أمه لا تنظر بحسد إلى ما في أيدي الغير، هل ستساعد هذه القصة بأي حال شعبه على تفهم تسليم جزء من أرضهم إلى الغير؟
وفي أوائل هذا العام، وأثناء إلقاء خطاب عن التقشف والأوضاع الإقتصادية المتردية أكد المشير للجمهور أنه على استعداد لبيع نفسه لمصلحة البلاد، وخلال نفس الخطاب طالب بوقاحة الجمهور بعد الاستماع إلا إليه.
الطريقة التي يتحدث بها السيسي عن نفسه وأحلامه وقدراته الخاصة واستدعائه لأمور مثل قوى الشر، تبدو وكأنها عبارات من فيلم خيالي، وفي البداية يرد الناس بالمزاح والسخرية، وفقط بعد رؤية تدهور الاقتصاد بشكل مطرد، يدرك الجميع منهم أنها ليست نكتة.
المحير في الأمر هو المستوى المعقول من القبول الجماهير، وحتي الدعم، لهذا الهراء الذي يخرج به إلى الناس، هل هي الكاريزما؟، هل من الممكن أن تكون الحكمة الغير مسبوقة التي يمكن أن تبقي جمهور السيسي متعلقين به؟ أنا لا أجادل بشأن غياب المعارضة المتزايدة، وإنما أحاول فك قدرته على الحصول على تأليف قصص الحكمة، والقدرة على الإبقاء على القبول الجماهيري بشكل واضح في كل مرة يذهب إلى أبعد ما هو عليه.
لماذا لا يرى مؤيديه سواء كانوا من النخبة أو العامة جنون السيسي، وما هي الصلة التي تربط بين كلا الإثنين: القائد المصاب بجنون العظمة و أنصاره المصابين بالعمى.
رعاية جنون العظمة
من الصعب الاعتقاد بأن السيسي الذي حشد الملايين لدعمه لا يدرك ما يقوم به: فقد قاد إنقلابًا عسكريًا ضد واحدة من أكثر الجماعات السياسية رسوخًا في المنطقة -الإخوان المسلمين- ونجح خلال وقت قصير للغاية في قمع الثورة الواعدة المعروفة عالميًا (ثورة 2011م)، وبالرغم من أن هذا محير، حال النظر إليه دون تعمق، إلا أنه في سياق المؤسسة العسكرية ليس إستثناءً.
لم يمض وقت طويل على إدعاء لواء بالجيش إكتشافه علاج لفيروس الإيدز وفيروس سي بموافقة ورعاية من المؤسسة العسكرية، وعلى مستوى آخر من العبث، تحدث لواء عسكري آخر على تكتيكات وقائية طبيعية في حال الهجمات النووية من قبل إسرائيل، وهي أن هناك “شئ” في الهواء سوف يرد هذه الهجمات إلى إسرائيل، نعم قيل ذلك وبثقة تامة.
ويخلص الكاتب إلى أن كل هذه الحوادث تدل على أن جميع المؤسسات العسكرية ذات التدرج الوظيفي الهرمي تتجه إلى تأليه من هم في القمة تدريجيًا، وفي حال خدمة أحدهم لفترة طويلة، فإنه في الغالب سينسى بماذا يشعر الإنسان حال انتقاده.
في الجيش إذا نسيت تحية الأعلى رتبة، فإنك ستستجوب وربما تعاقب، وإذا لم تطع أوامره فإنك ستعاقب بالتأكيد، وأنا أتحدث هنا عن الأوامر الأكثر سخافة.
وتتفاقم المشكلة في غياب أي نوع من المرجعية العلمية، وتدهور التعليم على مدار عقود، وارتفاع مستوى الجهل، ويصبح المرجع الوحيد لما هو صواب ومعقول هو كلمة اللواء المطلقة، ويستطيع اللواء- ناهيك عن المشير- التحدث ومحاضرة من هم تحت إمرته حول أي موضوع في أي مجال، وفي حال انتقاد أي من المسئولين العسكريين، سيتهم هذا المنتتقد بالخيانة، وإذ كان من المؤسسة العسكرية فستتم معاقبته، على سبيل المثال،عندما انتقد عصام حجي جهاز الإيدز الذي اخترعه الجيش، اتهم العالم المصري بالخيانة وتضليل الرأي العام والتآمر ضد البلاد، هل من الممكن أن تتخيل بعد ذلك مزيج الجهل والإفلات التام من العقاب المتواجد في صفوف العسكريين.
جمهور بائس
تدعم الشخصيات النخبوية والسياسيين ورجال الإعلام القيادة السياسية لسببين، أولاً: عدم تأثرها بالقرارات الاقتصادية –الاجتماعية، وثانيًا الاستفادة من تملق القيادة السياسية.
لكن ماذا عن المصريين العاديين، ما الذي يجعلهم متمسكين بهذا الهراء، هل يتم تنويمهم مغاطيسيًا بالحكمة الغير مسبوقة لزعيمهم؟ أم أنهم يؤمنون بالفعل بما يقدمه لهم؟
أعتقد أن السر يكمن في مزيج من الأمل والياس: اليأس من التغيير، والتعلق بأي أمل، حتى ولو كان أملاً كاذبًا، هذا التفكير الغير عقلاني المبني على الرغبات والأمال يتعلق بأي شئ، أو أي شخص يعد بغد أفضل، ويصبح هذا “الغد” كناية عن وقت ربما لا يأتي، ولايهم متى يأتي طالما أن الوعد يتجدد في صباح اليوم التالي.
وفي الوقت الذي يسخر فيه الناس من الوضع القائم ولا يشعرون بالرضا، فإنهم يكونوا مرهقين عاطفيًا لدرجة أنهم لا يكونوا قادرين على مواجهة حقيقة أنه تم التلاعب بهم بالآمال الكاذبة.
وبعد ثورة واعدة، وخمس حكومات، وانتخابين لمجالس نيابية، وسباقين للرئاسة أطلق كل منها الوعود الكثيرة، فإن الناس مرهقة لدرجة أنهم غير قادرين للإنتفاضة مرة أخرى ضد الواقع الاقتصادي المتردي للغاية.
العبودية –دولة القمع
لايصدق الجميع البيانات المجنونة للزعيم، وحتى هؤلاء الذين يصدقونها لا يمكن تنويمهم بشكل كامل، ولذا فقد وجب وضع إطار أكبر من أجل خنق وعي الناس حال إدراكهم أنهم قد سأموا من الكذب عليهم، وهذا هو ما استغله جيش وشرطة وقضاء السيسي.
عن طريق شيطنة كل شخص يعارض سياسة الدولة، ومنح الدولة الحق الحصري في تحديد مواصفات المواطن الصالح، وعن طريق رفع شعار “نحن في خطر” و”محاربة الإرهاب”، فإن الدولة المصرية تكون بعيدة عن التخلي عن قمع الآلاف في السجون وتجاهل المساءلة حول وعودها الكاذبة.
على سبيل المثال، علق اللواء كمال عامر الأسبوع الماضي على ارتفاع الأسعار، نيابة عن الناس، بالقول بأن: “الأسعار المرتفعة تكلفة معقولة جدًا للأمن والأمان الذي تقدمه دولة السيسي”. ما لا يثير الدهشة هو التكلفة المرتفعة لـ”التفكير” في معارضة الدولة، إذ اتخذت التدابير القمعية جميعها في آن واحد من الاعتقالات لأسباب سياسية، وإخفاء قسري، وأحكام جماعية، ولهذا فقد أسست الدولة المصرية دائرة مغلقة من اليأس والجفاف العاطفي.
أتذكر قول “كارل ماركس” بأن الدين “أفيون الشعوب”، وأنا أقول أن “الآمال الكاذبة” أصبحت الأفيون وموت لتطلعات الناس في غدٍ أفضل.
سيبقى الناس خائفون من المجهول حتى يواجهوا حقيقة أنهم ينقادوا خلف الأمال الكاذبة.