الديمقراطية مثل ذئبين وخروف، يصوتون لاختيار طعام الغذاء (بينجامين فرانكلين -أحد مؤسسي الولايات المتحدة الأميركية)
1- انقلاب هش يخشى من فضيحة جديدة!
أبسط التفسيرات يكون الأصح أحيانا! مشهد دعم الكنائس للسيسي كان مستفزا، وتساءل البعض عن السبب في هذه البجاحة؟؟
الكنيسة تداعت بقوة لمنع فضيحة للسيسي في أميركا من معارضي الانقلاب، لأن نظامه صار ضعيفا للغاية، هشا أكثر من أي وقت مضى، ولا يتحمل أي هزات للسيسي أو لنظامه أو لمرافقيه. (المخابرات طلبت من أحمد موسى صاحب القفا المتكرر عدم السفر)
مشهد دعم الكنائس للسيسي وحشدها له في نيويورك كان مستفزا للجميع، وربما كان ذلك مقصودا! ولحسن حظ الثورة، الكنيسة لا تلعب سياسة بشكل براجماتي، ولا تمسك العصا من المنتصف حين يخفت نجم السيسي، ويشتعل الغضب ضده، بل تزداد تمسكا به، إصرارا منها على تنفيذ مشروع كنسي جزء من مشروع إقليمي، يجعل الكنيسة هي وزارة الخارجية الحقيقية لانقلاب السيسي، (كما قال رامي جان)، وأهم مفاتيح استمرار الرضا الغربي عن انقلابه، ويجعلها ترى أيام السيسي أحسن أيام، حسبما قال الأنبا يؤانس أسقف أسيوط!
وطبعا هذا “الواجب” الكبير لم يمر بلا ثمن، ومن المتوقع أن السيسي قد دفع ثمنا سياسيا أو اقتصاديا معتبرا للكنائس الثلاث أو أقباط المهجر، وهو ما لخصه الأسقف في الفيديو المنتشر بقوله: “كله هات وخد.. والدنيا سلف ودين”!
للأسف ذاكرة العوام قصيرة، لكن هذا لا يجوز في حق الثورة! فالثوار رغم نضالهم وثباتهم كانوا بحاجة إلى من يذكرهم بدور الكنيسة الدموي في الانقلاب العسكري.
من الآن وصاعدا صار الحديث عن توافق ولعبة سياسية تشمل الجميع من أبناء الوطن الواحد من الماضي! لقد قطعت الكنيسة كل خطوط الرجعة مع الاخوان، رغم أنهم كانوا الفصيل الاسلامي الاكثر انفتاحا على حل سياسي شامل يظلل جميع المصريين.
وضرب هذا النموذج المنفتح كان مهما لعرقلة هذا البلد، والابقاء فقط على النماذج المتطرفة من الجانبين، المتطرفون المسلمون المتمثلون في داعش وحزب الزور، (وهي نماذج يحتاجها النظام)، والمتطرفون في الكنيسة، الذين يرفضون أي مشروع سياسي يأتي بالإخوان، ولو عن طريق الانتخابات، ويفضلون الحكومات العسكرية المستبدة وغير المنتخبة لأنه يسهل ابتزاها. و في المقابل، ترى الحكومات المستبدة في الأقباط قدرة معقولة على الحشد، وأحد المفاتيح الهامة للرضا الغربي، وبهذا يحتاج النظام المتطرفين من الجانبين!!
بعض قادة الكنيسة متطرفون.. هذه حقيقة! وبعضهم يريدون دولة في الصعيد مع طريق صحراوي يربطهم بالاسكندرية في الساحل، وبعضهم أكثر تطرفا ويريد ابتلاع الدولة المصرية ككل، وراغبين في إعادتها إلى النصرانية، وأقسموا على عدم خلع لباسهم الأسود وارتداء الأبيض إلا بعد تحقق هذا الهدف..
***
2- ديمقراطية لم تعجب الذئاب!
ونعود لأصل الحكاية؛ الاخوان والكنيسة والجيش، ثلاثة عناصر أساسية في اللعبة السياسية في مصر، وثلاثة عوامل يجب اخذها في الحسبان إذا أردنا الحديث عن استقرار هذا الوطن وتقدمه في يوم من الأيام!
لقد حاول الاخوان بعد الثورة صياغة نظام سياسي يشمل الجميع دون صدام حقيقي مع العنصرين الآخرين (الجيش والكنيسة)، فحفظت للمؤسسة العسكرية أن يكون وزير الدفاع عسكريا، وسمحت للكنائس الثلاثة بكتابة موادها في الدستور! لقد كان الهدف الأسمى ترسيخ أسس جديدة لنظام ديمقراطي يشمل الجميع! وأهم هذه الأسس هي الحرية والعدالة (لاحظ اسم الحزب) فلا مكان للقمع، ولا مكان للسرقة! وأي تفاصيل أخرى يمكن تعديلها مستقبلا!
لكن هذا لم يعجب الجيش ولم يعجب الكنيسة! فقادة الجيش لم يتعودوا الى المحاسبة، وقادة الكنيسة تعودوا على الابتزاز! ووجود حكومة شرعية منتخبة وبرلمان شرعي منتخب يعني التدقيق في موازنة الجيش والمال السايب فيه! ووجود حكومة وبرلمان شرعيين يعني أن الكنيسة لن تستطيع ابتزاز الحاكم بالشكل التقليدي، الذي تعودته طيلة عقود! لذلك كان الانقلاب على هذه المنظومة بالكامل خيارا مفضلا للجيش وللكنيسة!
وإذا أخذنا في الاعتبار العلاقة المتينة التي تربط هذين العنصرين بالخارج، وهو الغرب العقل المدبر للانقلاب، فسنجد أن الانقلاب العسكري كان خيارا مفضلا كذلك للكفيل الغربي، الذي يكفل الجيش عسكريا وأمنياد ويكفل الكنيسر روحيا واقتصاديا!
ولا يزال الجيش والكنيسة، يتمسكون بالماضي ضد المستقبل، يجاهرون بالاستبداد، ضد الديمقراطية، ويفاخرون بوقوفهم حجرة عثرة أمام مشروع طموح لدمقرطة مصر ووضعها على أولى خطوات تمكين الشعب من ثرواته ومقدراته ومقاليد السلطة في البلاد!
إن الذئبين اللذين تحدث عنهما فرانكلين في مقولته يصران على رؤية الطرف الثالث في المعادلة خرافا، بل وأطلقوا عليهم ذلك اللفظ في حملة إعلامية من أضخم حملات التشويه التي عرفها العالم، والتي قامت بنزع الإنسانية عن الخصوم Dehumanization، فالخروف حيوان، بكل ما يحمله من معاني الذبح والشواء (وهو ما تحقق لاحقا في مذبحة رابعة)!
فهل هناك أي أمل في أن يوجد نظام ديمقراطي لهذا الوطن، دون أن ينظر الجيش والكنيسة للإخوان على أنهما خرافا، لا يتمتعون بقوة الجيش المسلحة، ولا بقوة الكنيسة التي تستمدها من الغرب، وبشكل علني؟؟
ستقبل الكنيسة بأي حاكم عسكري حتى لو دهسهم في ماسببرو، وسترفض أي حاكم من الإخوان ولو كان منتخبا وأتاح لهم كتابة موادهم في الدستور بأيديهم. فحاجة الكنيسة للاستبداد، لا تقل أبدا عن حاجة الطاغية للكنيسة!
***
3- السياسة ماتت، والصدام سيد الموقف!
ويبقى السؤال: أي ديمقراطية يمكن أن تجمع الكنيسة والجيش والإخوان؟؟
بكل أسف؛ مصر الآن تبتعد أكثر وأكثر عن المشروع السياسي الديمقراطي الذي ولد في ثورة يناير، ووضع في حضانة تحميه من الانقلابات وبلطجة السلاح على الثوار في رابعة العدوية! وتتجه البلاد نحو منزلق خطير، يحمل لافتة اللاعودة، يعمق الشرخ بين القوى الثلاثة التي كان من الممكن أن تحفظ استقرار البلد إذا حدث بينهم الحد الأدنى من التوافق، كما حدث بشكل خفيف وجزئي ومرحلي في ميدان التحرير (رغم أن من شارك من الأقباط كان بصفة شخصية، بينما أيدت الكنيسة مبارك، ومن بعده شفيق ومن بعده السيسي)
وبمرور الوقت تموت فعليا فكرة القبول بلعبة سياسية تشمل الخصوم بعد أن ماتت إكلينيكيا، وصارت مصر أمام أحد طريقين، إما أن يخضع الجيش والكنيسة الاخوان لمشروعهم الاستبدادي، وهو ما يحاولون فيه بشتى الطرق، أو أن يخضع الاخوان خصومهم لمشروعهم الديمقراطي، وهذا ما يبدو أنه شبه مستحيل حاليا بالقياسات المادية البحتة. (طبعا فكرة عسكرة الثورة مرفوضة من قبل الإخوان، ومن كثير من الثوار الذين يرونه تدميرا للبلد ككل، وهدما للمعبد على الجميع)
ويبقى ثبات الاخوان عل موقفهم وعدم شرعنتهم عملية القرصنة التي قام بها قادة الجيش وقادة الكنيسة على الحلم الثوري الوليد، هو الرؤية الاستراتيجية التي لديهم في مواجهة الانقلاب، حتى يسقط اقتصاديا ومن ثم شعبيا، ولا تستطيع الكنيسة إسعافه!
وستظل القلوب على ما تؤمن به، ولكنها ستأخذ هدنة إلى حين، وكل منهم يعد للجولة القادمة! وحتى ذلك الحين، إما أن تترسخ ديمقراطية التي لا تفرق بين ذئب وخروف، أو تعرض الثورة لانتكاسات جديدة، تجعل الجميع يوقنون أن إخضاع الخصم هو السبيل الوحيد لتنفيذ ما يحمله من مشروع!