لم يكن إعلان كل من وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا عن التوصل لاتفاق هدنة في سوريا في الأسبوع الماضي ثم تمديد الاتفاق وسط خروقات الروس والنظام إلا جريمة تضاف إلى جرائم الدولتين في حق البشرية والأمة الإسلامية بشكل خاص، فقد أكد الاتفاق أن كل ما يجري في سوريا من قتل وتخريب ودمار وتشريد لشعبها منذ أكثر من خمس سنوات كان باتفاق بين الدولتين ورضا تام منهما، وبالتالي فإن القوى الأخرى التي كانت ظاهرة منذ بداية الحرب سواء النظام أو الإيرانيين أو حزب الله ليست سوى توابع لروسيا، بينما الثوار الذين وصلوا أكثر من مرة إلى بوابات دمشق ثم يفاجأون بقطع الدعم عنهم لتعود المعركة إلى نقطة الصفر من جديد ليسوا سوى ألعوبة بيد القوى الكبرى.
وهذا يعني أن سياسة «لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم» هي السياسة التي أديرت بها الحرب في سوريا طوال السنوات الماضية، وأن الهدف في النهاية كما أكده أكثر من مسؤول أميركي هو تقسيم سوريا ليس إلى دولتين أو ثلاث وإنما إيصالها إلى حالة أشبه بالحالة الصومالية، مجموعة من الدويلات الطائفية أو العرقية المنعزلة التي لا تملك أي منها أي مقومات للدولة تبقى تتناحر لعشرات السنين بينما تنعم إسرائيل بالأمن بعدما تحيط نفسها بدولة علوية طائفية تحمي حدودها لتكون المحصلة في النهاية حماية لإسرائيل من كل الجوانب، مصر والأردن ولبنان وسوريا، وطالما تحدثنا عن النموذج الصومالي فإن ما تعيش فيه الصومال منذ أكثر من ربع قرن هو نتاج لاحتلال أميركي في البداية،
أنهى الدولة الصومالية وصنع نظاما للفوضى فيها هو القائم حتى الآن، وهو نتاج لسياسة أميركا المارقة بعد الحرب العالمية الثانية حيث اشتركت مع روسيا في كل الجرائم الكبرى التي حاقت بالدول الإسلامية التي توافقت الدولتان على ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد البشرية فيها، فحروب الإبادة ضد المسلمين التي قامت بها روسيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية حتى تؤسس الاتحاد السوفياتي ثم جريمتها الكبرى في أفغانستان ثم جرائمها الفظيعة في سوريا الآن واكبها جرائم الولايات المتحدة في الصومال ثم حرب الخليج التي استخدمت فيها اليورانيوم المنضب للمرة الأولى عام 1991، ثم أفغانستان ومن بعدها العراق، ثم كل عمليات التخريب والدمار ودعم الأنظمة المستبدة في المنطقة وعلى رأسها إسرائيل.
فالدول العربية والإسلامية كانت هدفا مباشرا لكلتا الدولتين وقد استعملت كل منهما الوسائل المختلفة لإذكاء الحروب الطائفية والعرقية وإشاعة الفوضى والتقسيم، وبالتالي فإننا حينما ننظر إلى أي اتفاق بين الدولتين فإنه لا يعني إلا اتفاق الشياطين على مزيد من التخريب والدمار لبلادنا.
إن ما يجري في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها من دول المنطقة ليس سوى امتداد للجرائم التي بدأها الأميركان والروس في العام 1948 بإقامة وطن قومي لليهود على أنقاض فلسطين مرورا بحروب إسرائيل وتوسيع رقعتها ثم الصومال وأفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا، ولن يتوقف الشياطين طالما أن أصحاب الحق نائمون.