شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الشركة المسلحة التي لاتخسر – أحمد فؤاد

الشركة المسلحة  التي لاتخسر – أحمد فؤاد
" ماحدث ب30يونيه كان ثورة مضادة ، ولم يكن هدفها الإطاحة بالرئيس مرسي خوفًا من تحول مصر إلى مصرستان ، ولكن ليستعيد الجيش سيطرته الكاملة على مكتسباته المادية والضخمة والتي تتمثل في مصانع وشركات لأدوات غذائية وكهربائية ..."

ذكرالمحلل “فينسك” في مقال نشرته جريدة “الاندبندنت” البريطانية بعنوان “الشرق الأوسط في المستقبل .. دول المافيا التي يحكمها المال“: “ماحدث بـ30 يونيه كان ثورة مضادة، ولم يكن هدفها الإطاحة بالرئيس مرسي خوفًا من تحول مصر إلى مصرستان، ولكن ليستعيد الجيش سيطرته الكاملة على مكتسباته المادية والضخمة والتي تتمثل في مصانع وشركات لأدوات غذائية وكهربائية…”

يبدو أن هذا الكلام يؤكده صدام الجيش مع برلمان الثورة 2012 فيما يخص مناقشة ميزانية الجيش؛ فالعسكريون يرفضون رفضًا تامًا مناقشة ميزانيتهم أو التدخل في شركاتهم التي تتسع وتنتشر يوما بعد يوم، ثم يعطون الشعب والوطن فتات ماتبقى منهم؛ ليقول لك المدافعون عنهم في الخطأ قبل الصواب: “الجيش أعطى الشعب”، “العسكر تبرع لمصر بمليار جنية”، أو يخرج عليك أحد العسكريين قائلا: “نحن نصرف على البلد من ثورة يناير”؛ يتعاملون كأنهم دولة غنية تساعد شعبًا معدما، أو شركة استثمارية تجود على المحتاجين من مكاسبها، يشعرون أنهم دولة داخل الدولة، وهم كذلك بالفعل.

وليس غريبا مايفعله الجيش -رغم تجبره- مقابل غرابة من يهللون له ويسبحون بحمد فعاله ويمجدونه، وإن تكلمت عن الجيش وأبرزت حقيقته؛ خرجت عليك لجانه المتخصصة في السب والتخوين على مواقع التوصل؛ فتخلع من عليك ثوب الانتماء، وخرج عليك المغيبون الذين لايعرفون عن الجيش إلا الصور التي تعرض عليهم في الأغاني الوطنية شاهرين سيوف العداء متسلحين بكتائب من الألفاظ القبيحة التي تعبر عن بيئتهم وجهلهم، ومايدري هؤلاء أننا خدمنا الجيش أكثر منهم، وما علم هؤلاء حب الوطن إلا في كلمة تحيا مصر التي تقال لهم بعد كل كذبة أو سرقة، ولم يضح هؤلاء من أجل الوطن مثلما ضحى الوطنيون الحقيقيون الذين يسكنون السجون أو تطاردهم جيوش الشرطة أو شرطة الجيش.

لم يكن تدخل الجيش في حل مشكلة ألبان الأطفال إلا مسرحية مخابرتية باهتة اللون، ضعيفة المستوى؛ فكيف وفر الجيش 30 مليون علبة في وقت قياسي دون إستيراد؟! ولِم َباع الجيش العلبة بـ30 جنيها وسعرها قبل الأزمة لم يزد عن18 جنيها؟! هل احتكر الجيش اللبن ليكسب مايقرب من نصف مليار جنيه في ظل الأزمات الراهنة؟! وما علاقة جيش المدرعات باللبن والرضعات؟!

لم تكن أزمة اللبن إلا مسرحية في سلسلة مسرحيات تعرض بجميع دور العرض الواقعية المصرية، وليس إسناد جامعة القاهرة للجيش الإشراف على مطاعم خمس مدن جامعية عنا ببعيد؛ فالجيش يترك ميدانه الشرعي ليتاجر بكل ما أوتى من قوة في أي سبوبة اقتصادية؛ وللحدود رب يحميها.

شغف الجيش الاقتصادي لايقل عن بطشه السياسي بشباب مصر؛ فالجيش الذي قتل مايقرب من 5000 شخص واعتقل مع الشرطة مايقرب من 100ألف شخص، وأخفى قسريا بيد الشرطة مايقرب من 3000 شخص، وهو الذي يحارب يوميا الإرهاب الذي صنعه بسيناء؛ هل لا يتأثر بكل ذلك اقتصاديا؟! الجميع يخسر إلا شركة القوات المسلحة التجارية الاستثمارية؛ ولم لا وشركات الجيش لاتدفع الضرائب وعمالها جنود الوطن المرغمين على عملهم بثمن بخس أقل من دراهم معدودة!

فإمبراطورية الجيش الاقتصادية التي لاتغيب عنها المكاسب تقف صامدة رغم انهيار اقتصاد الوطن؛ فهي شركة لاتخس، ولعل قوة الجيش وجبروته وسيطرته على مفاصل الدولة في عهد السيسي، ساعد على إسناد أغلب المشاريع الهندسية في الآونة الأخيرة للجيش مما شرد كثيرًا من عمال ومهندسي كثير من الشركات المدنية؛ فالبرلمان نصب نفسه سمسارا لمشاريع الجيش، ورئيس البرلمان المخول بمحاسبة الجيش وغيره يرفض رفضا تاما الحديث عن الجيش تحت قبة البرلمان وكأن هذا ينقض الجلسة!!، ووزارة الأوقاف سارعت هى الأخرى بتقديم فروض الولاء والطاعة لحماة الوطن؛ فأسندت للجيش بيع 10 آلاف فدان للمستثمرين، وكأن مزارع الجيش وال21 شركة التابعة لمشروعت الخدمة الوطنية لاتكفى جيوب العسكر؛ فتدخلوا في أعمال الناس وعطلوا شركاتهم، فلقد أصبح التنافس مع شركات الجيش مستحيلا؛ فالجيش يمتلك المال والعمال والتأمين والإعلام والسماسرة المحترفون أو السياسيون المنافقون، وتسلم الأيادي.

فإن كانت كل هذه الوزارات لاتستطيع تدبير أمورها أو حل مشاكلها؛ فلُيعزل الوزراء، ولتُغلق الوزارات، وتُسند كل الأمور للشركة المسلحة -القوات المسلحة- فهي الخبيرة بكل خبايا الوطن!! ورئيس مجلس إدارتها طبيب الفلاسفة !!

لقد شرّع الجيش منذ ثورة يناير للآن من القوانين ماتحميه وتحمي تجارته؛ فلقد أصدر عدلي منصورا في نوفمبر 2013 قانونًا يسمح للحكومة بإسناد المشروعات لأي شركة دون عمل مناقصة إن لزم الأمر -وهل ستجد الحكومة أفضل من الجيش-، وضباط الجيش في مأمن من متابعة المدنيين؛ وقبل ذلك أضاف المجلس العسكري في مايو 2011 مادة تعطي النيابة والقضاء العسكري فقط الحق في التحقيق في الكسب غير المشروع لرجال الجيش، وبهذا فأسرارهم داخلهم.

إن الذي يتحدث عن الجيش وكأنه المخلص أو الدجال المنتظر أو المُلهمْ الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه؛ لم يذق مر الجيش ساعة، ولم يقف مرغما في طابور طويل ليشتري من كانتين الجيش قبل نزول الإجازة خوفا -كما يدعون- على فساد البضاعة! ولم يوقفه الضابط في حر الظهيرة مع أكثر من مائتي جندي بعد نهاية التدريبات حتى تنتهي عصائر الكانتين الذي يشرف عليه الضابط وزبانيته!، ولابد أن يعلم هؤلاء أن النائحة ليست كالثكلى؛ فكلنا نحب الجيش الذي يحارب ويخدم وطنه لا الذي يحارب وطنه، ولانكره المخلصين من الجيش -وهم قليل- بل نكره أفعال قادة الجيش الاستبدادية والانتهازية، ومؤكد أن بالجيش من ينكر هذه الأفعال ولكن يخشى عاقبة الكلام في غابة لاترحم.

إن خلافنا مع الجيش ليس خلافًا اقتصاديا؛ فثورتنا ثورة قصاص لدماء الشهداء التي أراقها الجيش، ولسنين أضاعها الجيش على شباب دفعوا زهرة شبابهم في سجون الجيش وشرطته، ولدمعة أم مخطوف غيبه العسكر في مكان معلوم للجلاد فقط، ولدمعة طفل في ليلة عيد أغاب العسكر والده في غيابات السجون، أما أنتم ياكل من غنيتم تسلم الأيادي وعدتم تهاجمون سياسة الجيش الانتهازية؛ فثوروا لاقتصادكم المنهار؛ يكفينا ثورتنا لكرامة الوطن المنهار؛ فنحن تُحركنا الآخرة لا الدنيا، ولن ننافق ونكذب كما تفعلون، فقد جعل الجيش جل طموحكم ألا نكون مثل سوريا والعراق؛ وكأن التفكير في الاقتداء بالدول المتقدمة والمنتجة حرام على عقليتنا التي احتلها العسكر.

فهل نغني تسلم الأيادي لجيش يسارع بالوطن إلى الهاوية أم نغنى لكرامة المصري التي أهدرها جيشه وشرطته، فهل تريدون بنا أن نكون كما قال الشاعر:

ونعيش عيش الذل عيش العبد عيش الأبكم
ونرى الحياة ذليلة ونقول يامصر اسلمي

فرفقا بوطن بات يشكو حكامه ومحكوميه، فلقد يأس الشعب من كل إصلاح على يديكم؛ فهلا أعطيتم الوطن فرصة للنهوض من كبوتكم يارجال الجيش، فدوما نتساءل: متى سينتهي حكم المافيا العسكرية؟ ومتى سنفيق ونجد الدبابة حامية لحدودنا لافوق رؤوسنا؟ .

ومع كل ذلك تجد حُفاظ شعارات الجيش وعبيد البيادة يقولون لك: ” أتهاجم جيش بلادك”، وما علم المساكين أننا نجاهد ليتطهر الجيش ويعود لبلادي، فقديما قالوا عنه جيش لايقهر-رغم انتصاره حديثا مرة واحدة-، أما هو الآن بعد تجارته في كل شئ -بإستثناء السلاح- بداية من المكرونة مرورا بألبان الأطفال حتى الوصول للطرق والمعمار أصبح شركة لاتخسر.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023