الأسبوع الماضي كان وزير الخارجية المصري سامح شكري يتحدث لأوائل الطلبة، وكان أن فوجئ كما يبدو بسؤال من أحدهم عن قتل الصهاينة لأطفال الفلسطينيين، فكان أن نفى علاقة دولة الاحتلال بمنظمات إرهابية قائلا: «إسرائيل نظرا لتاريخها يرتفع فيها عنصر الأمن والأمان، لأن المجتمع من منظورها يواجه تحديات كثيرة زكت فكرة الأمن والأمان والسيطرة على الأرض وإحكام المنافذ، معتقدة أن هذا يسهم في حمايتها».
وعما إذا كان قتل إسرائيل للأطفال الفلسطينيين يعد إرهابا، ذهب شكري إلى أنه لا يمكن أن يوصف بذلك من دون وجود اتفاق دولي على توصيف محدد للإرهاب، مضيفا: «لكن في الإطار السياسي يمكن أن نعتبر العمل العسكري دون شرعية هو عمل غير شرعي وغير معتمد دوليا، والتدخل في شؤون الدول الداخلية هو عمل متناف مع ميثاق الأمم المتحدة. أما وصف العمل بأنه إرهاب فلا بد من توافق للمجتمع الدولي على هذا الوصف».
من الصعب الوثوق بالنفي الرسمي اللاحق لما جاء على لسان الوزير، لاسيما أنه لم يكن نفيا، بل توضيحا واتهاما للآخرين بتزوير الكلام الذي جاء على لسانه.
هذه التصريحات، وإن بدت صادمة وتناقلها الجميع، إلا أنها لا تغير شيئا في حقيقة المواقف المصرية الأخيرة من الملف الفلسطيني، ولا حاجة لأن نضيف هنا ما يتعلق بالموقف من العدوان الإيراني، فقد تحدثنا عنه مرارا، ولا حتى المواقف المتعلقة بالأمن القومي، كما في قصة سد النهضة، ولا قضايا الداخل من فشل اقتصادي وفساد، معطوفا على قمع استثنائي لم يعرفه تاريخ البلد منذ عقود طويلة.
قبل هذه التصريحات كان سامح شكري يصدم الجميع، ليس بزيارته المفاجئة للكيان الصهيوني من دون مبرر مقنع، بل بحضوره نهائي اليورو في مقر إقامة نتنياهو في القدس، وهو أمر بالغ الدلالة، إذ يعرف الجميع أن جميع الدبلوماسيين بما فيهم الأميركيين والغربيين لا يلتقون نظراءهم الصهاينة في القدس تبعا للدلالة السياسية، كونها منطقة محتلة بحسب القرارات الدولية.
هل المشكلة في سامح شكري أم في النظام ورأسه؟ هذا هو السؤال الذي يعرف الجميع إجابته، وربما يعرفه البعض ويتجاهله، لاسيما بعض أبواق النظام ممن يحلو لهم تبرئة رأسه الأعلى مقابل إدانة الآخرين، كما فعل بعضهم حين اعتبروا أن زيارة شكري لمقر إقامة نتنياهو بالقدس كان بمبادرة منه وليست إشارة من طرف من أرسلوه.
حين كان عمرو موسى يتصدى لموجة التطبيع كوزير للخارجية المصرية منتصف التسعينيات، وتاليا كأمين عام للجامعة، كان ذلك تعبيرا عن موقف النظام الذي رأى في تنظيرات بيريز عن الشرق الأوسط الذي تتسيده دولة الاحتلال تهديدا لنفوذ مصر ودورها، وحين تراجع النظام تغير الموقف.
اليوم يحصل الكيان الصهيوني على ود مصري لم يحصل عليه في تاريخه، ويبدو أن دور نتنياهو في ترويج الانقلاب كان السبب الأكبر، لكن شعور قادة الأخير بنقص الشرعية ما زال يدفعهم لمجاملة عدو الأمة الأكبر، معتقدين أنه يحمل مفاتيح بالغة الأهمية لمفاصل المشهد الدولي.
ثمن هذه المواقف ستدفعه القضية الفلسطينية التي ستدخل في تيه أكبر بعد التيه الذي أدخلها فيه عباس، وسيجري تكريس الحل الانتقالي لصاحبه شارون، والذي يسميه نتنياهو السلام الاقتصادي، وكل ذلك بموافقة عباس طبعا، فيما سيجري دفع العرب إلى موجة تطبيع مع العدو، ما سيجعل كثيرين يترحمون على أيام حسني مبارك على كافة الأصعدة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.