سيطرة حالة من القلق الشديد بين الأوساط القبطية اثر موافقة مجلس النواب، أمس الثلاثاء، بشكل نهائي على قانون بناء وترميم الكنائس الذي يتألف من 10 مواد، حيث رأى مسوؤلون أقباط أن القانون يحمل بين طياته شروط غير منطقية، حيث أنه لا يحقق المساواة بين المواطنين، فيما أبدى فريق منهم قلقه تجاه حيادية المنفذين للقانون من المحليات.
وجاءت موافقة الحكومة بعد يوم واحد من إصدار المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة البابا تواضروس الثاني بيانًا أعلن فيه التوصل إلى توافق حول الصياغة النهائية لمشروع قانون بناء وترميم الكنائس مع الحكومة، وذلك في جلسة خاصة حضرها 105 من أعضاء المجمع البالغ عددهم 126 عضوًا.
وعلى خلاف ما كان معمولاً في السابق، استبعد القانون الجديد شرط موافقة الجهات الأمنية على طلبات بناء الكنائس في البلاد.
ونقلت وكالة الأنباء المصرية الرسمية، عن رئيس المجلس علي عبد العال، عقب التصويت نهائيًا على مشروع القانون قوله: “أسفر أخذ الرأي على مشروع القانون عن موافقة أغلبية الثلثين المتطلبة للموافقة على هذا المشروع؛ لذا أعلن موافقة المجلس عليه”، مؤكدًا أن “هذه شهادة للعالم كله أن الشعب المصري شعب واحد”.
وأضاف عبد العال: “لا أريد أخذ التصويت بصورة عادية، بل أريد من الأعضاء جميعًا الوقوف ليس لتحقيق أغلبية الثلثين فقط، ولكن تحية لإخواننا الأقباط”.
وخلال الجلسة طالب النائب عماد جاد وهو مسيحي بحذف المادة من مشروع القانون، ووصف النائب المسيحي رضا نصيف المادة الخامسة من القانون الذي صدر بموافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين بها “سم قاتل”، متمثل في أن الجهة الإدارية احتفظت لنفسها بحق رفض الطلبات.
وهتف على عبد العال رئيس مجلس النواب بعد الموافقة على مشروع القانون “يحيا الصليب مع الهلال”.
وينص القانون الجديد على أن يتقدم الممثلون القانونيون للطوائف المسيحية المعترف بها في مصر وأبرزها الأرثوذكسية بطلبات البناء أو الترميم أو التوسيع أو التعلية إلى المحافظ الذي يقع الطلب في محافظته.
ونصت المادة الخامسة من القانون على أنه “يلتزم المحافظ المختص بالبت في الطلب المشار إليه في المادتين 3 و4 من هذا القانون وإصدار الموافقة والتراخيص المطلوبة بعد التأكد من استيفاء كافة الشروط المتطلبة قانونًا في مدة لا تجاوز أربعة أشهر من تاريخ تقديمه وإخطار مقدم الطلب بكتاب مسجل موصى عليه بعلم الوصول بنتيجة فحص طلبه، وفي حالة رفض الطلب يجب أن يكون قرار الرفض مسببًا.
كما تنص المادة الثانية من القانون على أنه “يراعى أن تكون مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها وملحق الكنيسة على نحو يتناسب مع عدد وحاجة مواطني الطائفة المسيحية في المنطقة التي تقام بها، مع مراعاة معدلات النمو السكاني”.
وطيلة الأشهر الماضية، جرت مناقشات بين الكنائس الثلاث الرئيسية في مصر الأرثوذكسية والكاثولكية والإنجلية، وممثلين للحكومة، حول مشروع بناء وترميم الكنائس، قبل أن يتم التفاهم بشأنه أمس الأول، ومن ثم تم تقديمه للبرلمان لمناقشته والموافقة عليه.
وفي 18 أغسطس الجاري، قالت الكنيسة المصرية إنها فوجئت بتعديلات وإضافات وصفتها بـ”غير المقبولة” على مشروع القانون وفيما لم تفصح الكنيسة عن التعديلات، إلا أن تقارير محلية، قالت إنها متعلقة بالحديث على “مساحة الكنيسة وحاجة المواطنين” لها، حيث اعتبرت الكنيسة أن العبارة الأخيرة مطاطة قد تستخدم لوقف البناء.
ويعد قانون “بناء وترميم الكنائس” من القوانين المكملة في الدستور المصري الذي صدر في يناير 2014م، الذي يستلزم الموافقة عليه الحصول على أغلبية الثلثين من أعضاء المجلس النيابي البالغ 596 نائبًا، وينتظر التصديق عليه من جانب عبد الفتاح السيسي، ونشره في الجريدة الرسمية، ليدخل حيز التنفيذ.
وفي السابق، كان بناء الكنائس وترميمها يخضع لقرارات الأجهزة الأمنية دون سقف زمني للبت في طلب البناء، ويعد الخلاف على بناء الكنائس أحد أبرز أسباب التوترات بين المسلمين والمسيحيين في مصر.
نقلة للكنائس
وعلى ذات الصعيد، أكد رفيق جريش مدير المكتب الصحفي للكنيسة الكاثوليكية “إن القانون “قفزة كبيرة بعد 160 عامًا من التنظيم القانوني السابق لبناء وترميم الكنائس”، مشيرًا إلى الوقت الذي كانت فيه مصر تحت الحكم العثماني.
وأضاف لـ -وكالات أنباء- “لم يعد من حق الأمن التدخل في البناء والترميم بعد أن كان يتدخل في أقل ما يمكن من أعمال البناء أو الترميم أو التوسيع”، لكنه قال إن “العبرة بتطبيق القانون.”
وتابع “صدر تعديلان في مصر على قانون المرور في السنوات الماضية ولا يزال هناك من السائقين من يقودون سياراتهم في عكس الاتجاه أو يتحدثون في الهواتف المحمولة خلال قيادتها.”
ووصف نبيل نجيب مدير الإعلام والعلاقات العامة بالهيئة القبطية الإنجيلية القانون بأنه “نقلة حضارية جديدة في مجال ترسيخ المواطنة التي نص عليها الدستور.”
عرقلة القانون
وقال نجيب في تصريحات صحفية “سيزيل كثيرًا من المشكلات الطائفية لأن البناء والترميم سيكون في ظل قانون وليس بأيدي أفراد بعينهم،” لكنه أوضح أن القانون لم يحدد جهة قضائية تحتكم إليها الكنائس في حالة الخلاف مع الجهة الإدارية المختصة بالبت في الطلبات، وعبر عن أمله في أن تعالج ذلك اللائحة التنفيذية للقانون.
كما قال الأنبا مكاريوس الأسقف العام للمنيا للأقباط الأرثوذكس في تصريح لوكالة “رويترز” للأنباء، إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترى أن القانون مناسب إلى حد بعيد لكن “قداسة البابا تواضروس الثاني أشار إلى ضرورة حسن النية في النهاية، كما دعا إلى الانتظار لنرى كيف ستسير الأمور عمليًا علي أرض الواقع.”
وأضاف مكاريوس “كثير من الأقباط لديهم شكوك في حيادية المسؤول المحلي وتعاونه في النهاية”، ومضى قائلاً “يخشون من وضع عراقيل أمام الحصول على التصريح كما يخشون كثيرًا من اعتراض الجهات الأمنية،حيث ما زال ملف الأقباط ملفًا أمنيًا.”
لا يحقق المساواة
بينما، قال المحامي نجيب جبرائيل وهو أرثوذكسي “إنه سيقيم دعوى لإثبات عدم دستورية القانون فور أن يصدق عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي”.
وأوضح لـ”رويترز” في اتصال هاتفي “القانون لا يحقق المساواة بين المواطنين المنصوص عليها في الدستور” مشيرًا إلى المادة الثانية من القانون التي نصت على أنه “يراعي أن تكون مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها وملحق الكنيسة على نحو يتناسب مع عدد وحاجة مواطني الطائفة المسيحية في المنطقة التي تقام بها مع مراعاة معدلات النمو السكاني.”
وأضاف أن هذا الشرط ليس معمولاً به في حالة بناء المساجد، كما أشار إلى أن تعداد السكان المصري لا يظهر فيه عدد المسيحيين.