سلط تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الضوء على اشتعال السوق السوداء للدولار، بالرغم من المحاولات الفاشلة للحكومة للسيطرة عليه، وذلك بالتزامن مع تردي الوضع الاقتصادي المصري ككل.
وقالت الصحيفة إنه في أحد أحياء الطبقة الكادحة في العاصمة المصرية يبيع كمال الحقائب العادية وحقائب اليد في محل صغير ، كما أنه يتسلم الدولار من البائعين حال الاتفاق على السعر، ويعد هذا التاجر البالغ من العمر 45 عامًا جزءًا من تجارة العملة المزدهرة في البلد الشمال أفريقي، في ظل انحسار المصادر التقليدية – الاستثمار والسياحة- ، وذلك بالرغم من محاولات الدولة القضاء عليها ، وتوفير الدولار واليورو اللازمين لشراء الضروريات مثل الدواء والقمح .
ومع عدم توفير الحكومة للدولار، اتجهت الأنشطة الكبيرة والصغيرة في مصر إلى السوق السوداء ، للإيفاء باحتياجاتها من العملة الصعبة، ويقول كمال جلال – رئيس العلاقات الخارجية بشركة حديد عز، أكبر مصنع للحديد بالبلاد – إن الشركة اضطرت إلى اللجوء “للسوق الموازي” لتوفير الكثير من النقد الأجنبي الذي تحتاجه.
وتلفت الصحيفة إلى التوقعات بنمو الإقتصاد المصري بمعدل 4 بالمائة هذا العام إلا أن هذا المعدل لا يكفي البلاد ، حيث وصل معدل التضخم بها إلى 14 بالمائة خلال الشهر الماضي ـ وارتفع معدل البطالة إلى نسبة مئوية من رقمين ، ووفقاً للإحصاءات الحكومية الرسمية فإن عدد السياح في شهر يوليو الحالي إنخفض إلى 42 بالمائة مقارنة ب”يوليو” من العام الماضي ،ومنذ إسقاط الطائرة الروسية بقنبلة انخفضت السياحة بمعدل 50 بالمائة .
وأدت التدفقات المالية العاجلة المتوقعة من البنك الدولي ومانحين آخرين إلى إبطاء إنخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، إلا أنه خلال الأسبوع الماضي اشترى التجار الدولار بسعر 12.30 ، أي ما يزيد عن 40 بالمائة من السعر الرسمي (8.88) في حين أن سعر البيع وصل إلى 12.70 قرش .
وتشير الصحيفة إلى اعتراف عبدالفتاح السيسي الذي –بحسب الصحيفة- قمع المعارضين السياسيين بصعوبة تنفيذ إصلاحات لتغيير مسار الاقتصاد، وخلال الأشهر الماضية أغلقت الحكومة العشرات من محلات الصرافة لتخفيف الضغط على العملة المحلية، كما أنها أقرت عقوبة السجن والغرامات الباهظة، وهو ما أجبر تجار العملة على العمل في الخفاء .
وتأمل الحكومة المصرية الحصول على ما مجموعه 21 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة القادمة، لكن المحللين في مؤسسة “فيتش” أكدوا هذا الشهر أن مصر بحاجة إلى 10 مليارات دولار سنوياً، كما أنها بحاجة إلى اتخاذ تدابير محددة، إذ أنه من المتوقع ان تقاوم الطبقة الفقيرة والمتوسطة الإجراءات الاقتصادية مثل التقشف وزيادة الضرائب .
ويقول “بلال خان” – الاقتصادي المتخصص في الشرق الأوسط – “نعتقد أن هذه الإجراءات ستزيد من تكلفة الإصلاح، ونتوقع اتجاه الموقف السياسي – الاقتصادي المصري للأسوأ في ظل انخفاض قيمة العملة، وخفض الدعم والإصلاحات الضريبية، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع التضخم وإمكانية رفع قيمة الفائدة، وبالتالي سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض المصري و إثقال كاهل الاقتصاد المتداعي بالفعل.
ويشتكي هاني أحمد – الذي يعمل في إحدى المجمعات السكنية في حي المعادي – قائلا “لا أتخيل كيف سأدبر حياتي، فكل شئ مرتفع التكلفة جداً” وذلك في حين أن من يستفيد من مثل هذه الظروف الصعبة هم عدد قليل أمثال كمال، بائع الحقائب الذي يتاجر في الدولار والذي يخطط للاستفادة من أزمة الدولار لأطول فترة ممكنة.