بعد انتهاء كل عام دراسي وظهور نتيجة الثانوية العامة في مصر، نجد أن الأوائل والمتفوقين فيها من المتدينين، أو المحافظين على الفروض، والفتيات معظمهن محجبات، دلالة على علامات التدين في النابغين والنابغات، وفي هذا العام رأينا متفوقين ومتفوقات أبناء معتقلين من الإخوان، وتتجه أنظار الكثيرين منهم ومنهن إلى ما أطلق عليه (كليات القمة)، أي (الطب والهندسة)، وهو ما نلاحظه أيضا في تخصصات قيادات الإخوان، والجماعات الإسلامية، وهو ما جعل صديقنا العزيز الأستاذ سليم عزوز، يطلق على الإخوان منذ فترة (تنظيم سلاح التلميذ). و(سلاح التلميذ) هو كتاب خارجي، يستعين به الطلبة على دراسة المناهج، وكان في كل عام يضع على غلافه الخلفي صور الأوائل في العام الماضي، فكان معظمهم من أبناء الإسلاميين ممن ينضمون فيما بعد للتنظيم. وهذا ملاحظ أيضا حديثا فأغلب القيادات من الأطباء والمهندسين، وهو ما يجعلنا نرصد من فترة الفرق بين قيادات العمل الإسلامي والإخواني تحديدا خارج مصر وداخل مصر، والأداء بين بلاد وبلاد، ومرحلة زمنية وأخرى في الإخوان بسبب تخصصات القيادات فيها فعلا.
ففي مصر كان لتوجه قيادات العمل الإخواني في دراستهم العلم التجريبي، أثر واضح في رؤيتهم، وقرارتهم بالنسبة للسياسة والتعامل مع الآخر، فالطبيب والمهندس والتخصصات العلمية التجريبية – مع تقديرنا للجميع – يميل إلى الحدية في الرأي، فالمسألة عنده معادلة (1+1=2)، بخلاف الدراسات الإنسانية والأدبية، تظل هناك مساحة مرنة في التعامل في الأمر وبخاصة مع الآخر، وهو ما مثل فرقا واضحا في قيادات الإخوان في المغرب العربي (تونس والمغرب مثلا).
فعندما سجن الإخوان في مصر كانت الكتابات التي تخرج كلها تدور في فلك المحنة، والحديث عنها، ولا يجري الحديث عن المراجعات، ولا الأخطاء، فنجد دائما أدبيات السجون في مصر، وكتابات السجون، تدور معظمها حول المحنة والثبات فيها، دون التطرق لقضايا فكرية يعين فيها خلوة الأفراد مع بعضهم في مكان واحد، وهذا خاص بمرحلة قيادات ما بعد السبعينيات تحديدا، وفترة أخرى قبلها دون دخول في تفاصيل ليس مقامها هذا المقال، بينما لو رجعنا للحركة الإسلامية في عهد حسن البنا سنجد وجود متخصصين في الفكر الإنساني والإسلامي واضحا، ولذا عندما سجن الإخوان في عهد الملك فاروق، أخرج الشيخ الغزالي كتابا من وحي السجن، وهو كتابه (الإسلام والاستبداد السياسي)، وكان سلسلة محاضرات ألقيت في السجن، وقام غيره كذلك بكتابات في نفس المضمار.
أما في المغرب العربي (تونس مثلا)، فكانت معظم الكتابات تدور في فلك آخر، فمراجعات فكرية مهمة، بل رأينا كتابا للشيخ راشد الغنوشي بعنوان (المواطنة)، هي مجموعة خطب ألقاها في السجن، تعد تقدما فكريا رائعا في هذا الملف، وكتابه الأشهر (الحريات العامة في الدولة الإسلامية) كتب معظمه في السجن، الذي يعد كثيرا من آرائه فيه سبقا في مجال الاجتهاد السياسي للحركة الإسلامية. ولو ألقينا نظرة على كتابات إسلاميي المغرب سنجد نفس المسار، مثال ذلك كتابات الدكتور أحمد الريسوني، والدكتور سعد الدين العثماني. ففي المغرب العربي غلبت على معظم القيادات – أو نسبة ليست قليلة منها – دراسة علم النفس والفلسفة، والشريعة، وعلم الاجتماع، وهي علوم تفيد وتؤسس لكيفية التعامل مع الإنسان والمجتمع، وتجعله يرى دائما بُعدا آخر في بؤرة شعوره وفكره.
وهذا ما يفسر لنا سر تفكير حسن البنا رحمه الله في هذا الأمر، سواء من حيث المناهج التي تدرس للإخوان، والتي كانت تحتوي على كتب في علم النفس والفلسفة والاجتماع، وسر إشارته على كثير ممن يطلب استشارته في توجهه العلمي بأن يدله على هذه المجالات، فكان يشير على من حوله بما تحتاجه الأمة والمجتمع ويتوافق مع الشخص من هذه العلوم، فطلب من محمد مهدي عاكف (مرشد الإخوان فيما بعد) أن يدخل التربية الرياضية، ولقي حامد ربيع رحمه الله (عالم السياسة المعروف فيما بعد)، فطلب منه والده الدعاء له، فدعا له أن يجعله الله ممن يخدمون الإسلام في السياسة، وطلب من توفيق الشاوي رحمه الله نفس المطلب بتفصيل آخر.
وهو ما ننصح به حاليا، بأن نوجه أبناءنا وبناتنا من طلاب الثانوية العامة، بالتوجه لما يفيدهم ويفيد المرحلة الي يعيشونها، وليس بالضرورة بناء على حصوله على مجموع كبير أن يتجه للطب والهندسة، ولست بذلك أصادر عليهم اختيارهم، وليكن ذلك عن طريق اختبار لاختيار التخصص، وما يحتاجه جيلهم من علم، إذ إنه غالبا ما يختار الشخص كليته التي يدخلها بحسب زملائه، أو بحسب رغبة أبويه، فلعل جيلا يغير الصورة الذهنية لقيادات الحركة غير الصورة التي تكونت عبر (تنظيم سلاح التلميذ).