شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

عدنان إبراهيم وجهله بمفهوم “الإيمان”

عدنان إبراهيم وجهله بمفهوم “الإيمان”
ربّما تكون هذه المغالطة من أخطر ما طرحه عدنان إبراهيم في دروسه وخطبه؛ ذلك أنّها تتعلّق بأهم مفهومات هذا الدين: مفهوم الإيمان – التوحيد – إفراد الله بالعبادة. فهل يؤخذ الدين ممّن يجهل هذا المفهوم ويخالف صراحة محكمات كتاب الله؟

ربّما تكون هذه المغالطة من أخطر ما طرحه عدنان إبراهيم في دروسه وخطبه؛ ذلك أنّها تتعلّق بأهم مفهومات هذا الدين: مفهوم الإيمان – التوحيد – إفراد الله بالعبادة. فهل يؤخذ الدين ممّن يجهل هذا المفهوم ويخالف صراحة محكمات كتاب الله؟!

    يدّعي عدنان إبراهيم – في أكثر من درس – بأنّ أهل الكتاب يمكن أن يكونوا من “الناجين” في الآخرة وأن يدخلوا الجنّة حتى لو لم يتّبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يخضعوا لشريعته، ويكفيهم فقط أن “يصدّقوا” بأنه نبي وأنّ ما جاء به وحيٌ من عند الله، أما اتباع شريعته فليس مسألة أساسية ويكفيهم أن يكونوا “موحّدين” حتى لو لم يتّبعوا شرع الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلّم، مستدلّا بقوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة: 62).

    وهو ادعاء يدلّ على جهل عظيم بأخطر قضايا هذا الدين، وهي الإيمان بالله أو التوحيد أو إفراده بالعبادة؛ ذلك أنّ الإيمان المنجي يوم القيامة – كما وضّحه كتاب الله – هو تصديق خبر الرسول جملة وعلى الغيب والتزام شرائعه جملة وعلى الغيب. وفي هذا المقال سنبيّن ضلال ما ذهب إليه عدنان من عدة وجوه يُفضي بعضها إلى بعض، وسيظهر للمتابع كيف يصادِم عدنان العديد من آيات القرآن الكريم بشكل صريح، رغم تبجّحه دائما بأنّه يقدّم القرآن على كل شيء ويردّ السنة – بزعمه – بالقرآن! ولذلك أكثرتُ في هذا المقال من صحبة آيات الكتاب المبين، لمن أراد حقّا اتباعه والتمسّك به، وجعلته من ستّة وجوه، كل واحد منها كافٍ وحده في هدم قول عدنان إبراهيم، ولكن آثرتُ إثباتها جميعًا كي لا تبقى حجة أو شبهة لأحد ليتّكئ عليها في هذا القول المصادم لكتاب الله.

****

    الوجه الأول: بيّن الله عز وجل أنّ الغاية من إرساله الرسل هي أن يُطاعوا: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ” (النساء: 64). وهي آية حاسمة كافية في ردّ ضلالة عدنان في ادعائه بأنّ أهل الكتاب ليسوا بحاجة إلى طاعة الرسول واتباعه، وإنما هم بحاجة إلى تصديقه فقط! وما يستلزمه هذا الكلام بالضرورة هو إبطالُ هذه الآية بل معارضتها بالضدّ تمامًا؛ ذلك أنّ الله عزّ وجلّ قد بيّن فيها أنّ الغاية الحصرية من إرسال الرسول هي أن يطيعه الناس فيما جاء به، ولكن عدنان يقول لنا: لا حاجة لبعض الناس بطاعته! ويبطل بذلك الغاية الحصرية من إرسال الرسول، وكفى بهذا القول قبحًا ومعارضة لكتاب الله. ومن يزعم أنّ الطاعة هنا محصورة بأمة محمّد صلى الله عليه وسلّم تُلزمه محكمات الكتاب التي بيّنت أنّه صلى الله عليه وسلم أُرسل “للعالمين”: “تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا” (الفرقان: 1).

 

    الوجه الثاني: التصديق يكون للأخبار، وتصديق الرسول يكون للأخبار الغيبية التي جاء بها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُرسَل “مُخبِرا” فحسب حتى يكون الإيمان به هو مجرّد تصديقه، بل أرسِلَ مُخبِرا: “ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ” (آل عمران: 44، يوسف: 102)، وأُرسِل شاهدًا ومبشّرا ونذيرًا: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا” (الأحزاب: 45) وأرسِلَ ليُطاع كما قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ” (النساء: 64). وإذا كان الخبر يقتضي التصديق، فإنّ الأمر والنهي يقتضيان الطاعة. وهذه هي طبيعة كتاب الله ورسالة الرسول؛ أنها ليست “أخبارا” فحسب حتى يكون “الإيمان” بها يعني تصديق هذه الأخبار، بل هي كذلك أوامر ونواهٍ تقتضي الانقياد والطاعة. ومن يقول للرسول – كل رسول -: “أصدّقكَ ولا أطيعك” لم يكن عند الله مؤمنًا! وقد بيّن الله عزّ وجل في كتابه أنّ التولّي عن طاعة الله والرسول كُفر ناقض للإيمان: “قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ” (آل عمران: 32).

 

    الوجه الثالث: ندرك بالعلم الضروري وبما سبق أنّ تكريم من “صدّق الرسول ولم يتّبعه” هي فكرة غبية مناقضة للمنطق والعقل؛ ذلك أنّ من يصدّق فهو يَعلم، ومن يَعلم أنّ هذا النبيّ قد جاء رحمة للخلق وأنّ النجاة لا تكون إلا باتّباع ما جاء به من عند الله – كما جاء في كتاب الله عز وجل – ثمّ لا يتّبعه ويكتفي بعلمه المجرّد؛ فهو مجنون أو معتوه أو غبيّ لم ينفعه علمه بل كان حجّة عليه يوم القيامة!

    ونضرب مثالا لتقريب الفكرة فنقول: لو أنّ رجلا ورد إليه خبرٌ يقيني بأنّ المبنى الذي يقع فيه بيته آيلٌ للسقوط في غضون ساعات وأنّ أطفاله فيه، فصدّق هذا “الخبر” الذي ورده، ولكنه لم يعمل بمقتضاه: بأنْ يذهب فورًا لإنقاذ أطفاله؛ فهل يكون “علمُه” هذا و”تصديقه” للخبر موضع تشريف وتكريم أم موضع ذمّ وتوبيخ؟ بل لو قُدّمت ضدّه دعوى في المحكمة بأنّه كان يعلم ذلك ولم يُقْدِم على فعل شيء، واعترف أمام القاضي بأنّه صدّق ما جاءه من خبر واكتفى بذلك؛ لَكان هذا الاعتراف بعِلمه بالأمر إدانةً له لتقصيره وعدم مسؤوليّته!

    وهذه هي طبيعة العلم في دين الله تحديدا وفي غيره على وجه العموم، ذلك أنّ العلم ليس هو الغاية من إنزال الكتب وإرسال الرسل، بل هو وسيلة لغاية هي عبادة الله وحده لا شريك الله، قال تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (الذاريات: 56). وعندما أخبرنا الله عزّ وجلّ عن إحكام القرآن وتفصيل آياته من لدن حكيم خبير قال لنا إنّ الغاية من ذلك هي عبادة الله عزّ وجلّ وليس مجرّد العلم والتصديق: “الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ” (هود: 1-2).

 

    الوجه الرابع: بيّنتْ آياتُ كتاب الله المحكمات أنّ الإيمان بالله عزّ وجلّ ليس هو التصديق فحسب، فقال تعالى عن أهل الكتاب: “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ” (الأنعام: 20)، فأثبت لهم “المعرفة” (وهي والتصديق شيء واحد) ونفى عنهم الإيمان، فما قيمة هذه المعرفة وهذا التصديق البارد الذي لا يدفع المرء لاتباع الحقّ وطاعة الرسول؟! وهم “خسِروا أنفسهم” ليس لأنّهم لم يصدّقوا الرسول، فهذا متحقّق لديهم بنص الآية، بل لأنّهم رفضوا الدخول في دين الله واتباع ما جاء به الرسول.

    قال تعالى: “وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” (النساء: 115). وهي آية واضحة صريحة في أنّ رفض الاتباع من بعد “تبيُّنِ الهدى” هو الطريق إلى جهنّم! فكيف بمن يقول إنّه يكفي أهل الكتاب لينجوا في الآخرة أن “يتبيّنوا الهدى”، أي أن يعرفوا الحقّ ويصدّقوه، حتى لو رفضوا اتباعه والانقياد له!

   

    الوجه الخامس: ممّا سبق نفهم بطلان استدلال عدنان إبراهيم بقوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة: 62). فقد اشترط الله عزّ وجلّ في الآية لنجاتهم في الآخرة كما قال “مَن آمنَ باللهِ واليومِ الآخِر وعَمِلَ صالحًا”، وكيف يكون مؤمنًا بالله من رفض طاعة رسوله والانقياد لكتابه؟! وكيف يكون قد “عمل صالحًا” من رفض اتباع الرسالة الأخيرة التي قال الله فيها: “إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ” (ص: 87)، وقال فيها: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” (الأنبياء: 107)؟!

    فإذا تبيّن أنّ رسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم قد جاءت “للعالمين”، وأنّها جاءت بأوامر ونواهٍ “للعالمين”؛ فكيف يكون ناجيًا في الآخرة من أعرض عنها ورفض اتّباعها وقد قال الله تعالى: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” (النساء: 65).

    وكيف يزعم عدنان أنّهم – وفق الآية – مطالَبون بالتصديق فقط وقد قال تعالى: “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (الأعراف: 157). فقد علّق الله عزّ وجلّ فلاحهم باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم و”النور” الذي أُنزل معه، وأنه يحلّ لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث، فهل بعد قول الله تعالى مجال لقول مَن يزعم أنّهم “مُفلحون” و”ناجون” حتى لو لم يتّبعوا شريعته وأعرضوا عما في كتاب الله؟! إنّ هذه الآية وحدها كافية لهدم البنيان الذي شيّده عدنان إبراهيم.

    وقد أكّد الله عزّ وجل هذه الحقيقة في أكثر من موضع، كما في قوله تعالى: “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” (المائدة: 68). وهي واضحة في ضرورة اتباع القرآن الكريم: “وما أنزِل إليكم من ربّكم”. ومن كمال الحجّة أنّ هذه الآية تحديدا جاءت قبل قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (المائدة: 69)، وهو ما يستدلّ به عدنان إبراهيم لبيان نجاتهم بالتصديق فقط حتى مع رفضهم لاتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن، مما يظهر بشكل حاسم أن “مَن آمنَ بالله وعملَ صالحا” لا تنطبق إلا على من اتبع شريعة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.

    وكيف نفهم قول الله عزّ وجلّ لأهل الكتاب: “يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ” (المائدة: 15). هل يتصوّر عاقل أنّ الله عزّ وجلّ يخاطب أهل الكتاب بالقرآن ويخبرهم بأنّه أرسل إليهم رسوله بكتابه ليكون كافيا عنده أن “يصدّقوا” الرسول مع رفضهم اتباع ما جاء في الكتاب؟!

 

    الوجه السادس: يغالِط عدنان إبراهيم عندما يقول إنّ هؤلاء الذين صدّقوا الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من وحي ثمّ رفضوا اتباع شريعته؛ “موحّدون”! وإنّهم سيدخلون الجنة بتوحيدهم (المزعوم) حتى لو لم يتّبعوا شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم وظلّوا على شرائعهم المنسوخة والمحرّفة! وفيما مضى من آيات (راجع الوجه الرابع والخامس) ما يكفي لردّ هذه الشبهة؛ فرفضُ اتباع الرسول صلى الله عليه وسلّم ناقض للتوحيد. ولكنّا نقول أيضًا: كيف يكون أهل الكتاب “موحّدين” وقد قال الله تعالى فيهم: “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” (آل عمران: 64). هل يُدعى إلى “الكلمة السواء” (التوحيد؛ “ألا نعبد إلا الله” كما في الآية) من هو موحّد لله؟!

    وكيف يكونون موحّدين وقد قال الله تعالى فيهم: “اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ” (التوبة: 31).

    وقد بيّن الله سبحانه في كتابه أنّ “إفراد الله بالحُكم” ركنٌ من أركان التوحيد وداخل في معنى “عبادة الله وحده لا شريك له”، فلا يكون موحّدا من رفض التحاكم إلى شرع الله المنزّل المهيمن على كل شريعة أخرى سابقة، قال تعالى: “أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ” (الانعام: 114). والآية توضّح من خلال التساؤل “أفغير الله أبتغي حَكَمًا” أنّه لا يحق لأحد أن يشرّع للناس غير الله، وأنّ الحكم حقّ خالص له، ومن هنا كان داخلا في “ألا نعبد إلا الله” التي دعا إليها أهل الكتاب، أي داخلا في “التوحيد”. وتوضّح الآية كذلك أن حُكم الله يُطلب من كتابه الذي أنزله، القرآن الكريم: “وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا”، فكيف يكون مَن رفض التحاكم إلى كتاب الله عابدا لله وحده أي موحّدًا؟!

    ومن هنا يظهر بطلان ما يقوله عدنان في قوله تعالى: “وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (آل عمران: 85). فهو يعتبر أنّ الإسلام هنا هو إسلام النبيّيين العام، أي هو “التوحيد”، ويتغافل عن أنّ هذا التوحيد المشترك بين الأنبياء لا يثبت على أحد إلا باتباع آخر رسالة من عند الله للبشرية، فمن رفض اتباع هذه الرسالة لا يكون موحّدا، فجِماعُ الدين – كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – أصلان: أن يُعبد الله وحده لا شريك له، وأن يُعبد بما شَرَع على ألسنة رسله في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت. وقوله تعالى: “ومَن يبتغِ غير الإسلام دينًا..” واضح في نفي الاكتفاء بمجرّد التصديق برسالة الرسول كما زعم عدنان إبراهيم، فها هنا “ابتغاء”، وهو إرادة وقصد، وها هنا “دين”، والدين ليس مجرّد التصديق، بل من ضمنه ما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وقد جاء في حديث جبريل الشهير بعد سؤاله عن الإيمان والإسلام والإحسان أنّه قال صلى الله عليه وسلّم: “هذا جبريل جاءكم يعلّمكم دينكم”، فالدين مجموع ذلك.

****

    يظهر لنا إذن عبر هذه الأوجه الستّة أنّ الدكتور عدنان إبراهيم، الداعية الذي يخطب على منبر رسول الله، يجهل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان والتوحيد والإسلام، ويصادِم محكمات كتاب الله في أكثر من موضع! فكيف يؤتمن مثل هذا على دين الله؟ وكيف يدّعي “التفكير المنطقي” مَن يتنكّر له ويجعل العلم المجرّد بصدق النبيّ كافيا لنيل رضوان الله ودخول الجنّة دون عمل بما جاء به النبيّ!

ملحق: نموذج من أطروحة عدنان إبراهيم المغلوطة حول أهل الكتاب والإيمان



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023