على رغم أن دولة 3 يوليو تقول أنها امتداد لدولة 23 يوليو، وعلى رغم أنها تعتبر الأب المؤسس لتلك الدولة “جمال عبد الناصر” هو المرجعية العليا أيضًا لها فلازالت تمجده في نشيد صاعقة جيشها أو حتى تخلد إسمه بحاملة الطائرات الجديدة التي ابتعها ذاك الجيش، إلا أن دولة 3 يوليو قررت أن تتخذ خط مناقض تماما لأفكار تلك المرجعية والدولة التي يعتبروا أنفسهم امتدادًا لها.
هذا الخط لم يكن عن قناعة فكرية أو اعتقاد أصيل، إنما كان فقط محاولة لإعطاء غطاءً فكريًا لشهوتهم السلطوية في السيطرة والتحكم على بلد طالما اعتبروها ميراث وحق لتلك السلطة العسكرية على مدار العقود منذ انقلاب 23 يوليو.
لكن يظهر هنا لنا سؤال هام: لماذا لم يتبنوا نهج دولة يوليو وأباها المؤسس القومي العروبي؟
في الحقيقةأنهم أدركوا أن هذا النهج لم يصبح شعبوي بالدرجة الكافية، ووجدوا في النهج الشفوي والادعاءات الوطنية أرضية شعبية أرحب، لكن الغريب في الأمر أنهم عندما استطاعوا بمجموعة من المدعوين بـ”النخبة”، الذين كان يدين أغلبهم للقومية العربية بالولاء والتماهي الفكري وكانوا يصلوا إلى حد التكفير وطنيًا لمن لايؤمن بأفكارهم تلك أو يرتد عنها، مثلما قام الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة بنقد الفكر القومي.
وكان ذلك من باب خيبة الأمل لا أكثر، ليس ردة حقيقية إنما فقط تنفيس من عاشق مجروح، إلا أنهم أقاموا له مراجعات أشد ما أقيمت لأفراد الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد وكأنه نبيل نعيم أو ناجح إبراهيم أو كرم زهدي، وانتدبوا له أحد عتولة النخبوية بهاء طاهر وأقام معه مناظرة تليفزيونية يراجعه في أفكاره، لكنهم فجأة انقضوا على إلههم العجوئي الصنع الذي ظلوا أعوام عليه عاكفين المسمي بالقومية العربية، بإشارة من النظام السلطوي ارتدوا عن فكرتهم تلك وأصبحوا فجاة متطرفين ويدافعوا عن الدولة الوطنية باستماتة غير طبيعية، كل ذلك دون مراجعة واحدة وكأنه منذ ولدوا كذلك، وساعدهم تلك البيئة الشعوبية الفاشية التي تستهوي العامة، الذي اصبحوا ينتقدوا هم النخبويون وليس العكس.