لم يكن عالمنا المعاصر في احتياج حقيقي إلى أن ترتفع أصوات المدافعين عن العدل والحرية والمساواة أكثر من اليوم، فنحن أمام حرب مسعورة على القيم الإنسانية التي من دونها سنغرق جميعاً في المزيد من العنف والقتل والدماء والمظالم، حرب ليس من خصائصها الإجرامية الوقوف عند حدود بلدان بعينها أو مهاجمة بعض الشعوب وترك البعض الآخر أو الاكتفاء بإنزال الخراب ونشر خرائط الدماء في مواقع دون غيرها، نحن أمام حرب شاملة على الفكرة الديمقراطية التي تتنصل منها دول استقرت بها سيادة القانون، وتفاخر دول أخرى بابتعادها عنها وانتهاكها الممنهج لضمانات حقوق وحريات الناس.
في مصر حرب لا نهاية لها على قيمة العدل، ضحاياها يقبعون وراء الأسوار لأسباب سياسية، أو أطيح بهم بعيداً عن وظائفهم لأسباب سياسية، أو يعيشون خارج الحدود لأسباب سياسية.
تنتفي الفوارق الجوهرية بين هشام جعفر وعمرو علي وغيرهما من المسلوبة حريتهم، وبين الدكتور سيف الدين عبد الفتاح الذي فُصل ظلماً من جامعة القاهرة والسيدة شروق هشام جنينة المحالة حديثاً إلى الصلاحية وغيرهما من أساتذة الجامعات والقضاة الذين أعملت فيهم السلطات معاول التعسف والظلم، وبين عديد من الكتاب والصحفيين والإعلاميين والسياسيين الذين غادروا مصر خوفاً من التهديد والتعقب والقمع خلال السنوات الماضية وبين الشباب ومتوسطي العمر الذين تركوها كمداً من تراكم المظالم وبحثاً عن ملاذات للعدل والحرية.
في بلاد العرب حروب على كل القيم الإنسانية تتورط بها حكومات، وحكومات استحالت عصابات إرهابية وعصابات إرهابية تروم الحكم، والحصيلة المفجعة هي قتلى ومخيمات مرتحلين ولاجئين ودمار وخراب وحكام مستبدون.
تنتفي هنا أيضاً الفوارق الجوهرية بين جرائم الأسد وجرائم داعش، بين جرائم ميليشيات الحشد مذهبية الهوية وطائفية الهوى وجرائم عصابات الإرهاب التي استوطنت أرض العراق، بين الإعدامات الجماعية في السعودية وحرب جيشها وتابعيه على اليمن، بين الخراب والدمار الحادثين على الأرض وما يتساقط من السماء، بين التهديد والتعقب والقتل والتصفية بسبب الهوية الدينية والمذهبية والعرقية وبين التهديد والتعقب والقمع والإقصاء بسبب التفضيلات الشخصية المناقضة للإجماع المتوهم لمجتمعات الفضيلة التي ندعي انتسابنا إليها.
في العالم البعيد عنا والمؤثر بشدة في أحوالنا في مصر وبلاد العرب حروب على الفكرة الديمقراطية تفتك بدساتير وقوانين ومؤسسات تقدر دون غيرها على صون حقوق وحريات الناس وضمان العدل والمساواة. حروب يشنها الفاشيون والغوغائيون في الغرب الديمقراطي، كترامب الذي يوظف المذبحة الإجرامية في أورلاندو بعدوانية بالغة وبمقولات عنصرية لا تتمايز في الجوهر عن مقولات إرهابيي داعش وبامتهان غير أخلاقي للضحايا والدماء لا وجهة له سوى صناعة الخوف والحصول على الأصوات الانتخابية للخائفين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016. حروب يشنها المستبدون والفاسدون في البلدان صريحة أو مبطنة السلطوية، كحكومة فلاديمير بوتين التي تتعقب كل تعبير حر عن الرأي وتقمع كل تفضيل شخصي أو مجتمعي أو سياسي تصنفه متعارضاً مع خليطها من الوطنية الشوفينية والنزوع الديني المحافظ وتجهر بعدائها للفكرة الديمقراطية وبدعمها المستبدين والسلطويين على امتداد خرائط الدماء التي صارت عالمنا المعاصر.
وما لم ينظم المدافعون عن العدل والحرية والمساواة صفوفهم، ويدركوا عالمية نضالهم، وينحّوا جانباً المواقف الرمادية التي تمنع البعض مثلاً دون التضامن مع ضحايا تواجدوا في مكان للمثليين جنسياً وتحول بين البعض الآخر وبين جر الخطوط المستقيمة بين المستبدين والإرهابيين هنا والفاشيين هناك؛ ستخسر البشرية هذه الحرب وستتواصل معاناتها بفداحة من الخراب والدمار والقتل والدماء.