أعتقد أن هناك مرحلة ما في خط الأحداث تعز الكلمات فيها عن التعبير، هناك بعض اللحظات التي يجب ألا يسجلها صاحبها بأي وسيلة كانت، إذ إن ذلك ينتقص من كينونتها، إذ إن إطلاع غيرك عليها قد يؤثر على خشوعك في تلك اللحظات، الخشوع يعطي للنفس حقها: في الفرح، في الغضب، في الحزن، ليس ثمة كلمات قادرة على التعبير، إذ إن التعبير عن مثل تلك اللحظات لا يزيدها إلا ابتذالاً، إلا أن هناك بعض البديهيات التي علينا أن نضعها بشكل دوري أمام أعيننا جميعًا، منها ما هو أصلاً في قناعتنا ومنها من الحقائق ما تم ترسيخه مع الأحداث، منها ما هو شخصي ومنها ما هو يخص الآخرين، ومنها ما يخص كيفية التعامل مع هذا المستوى من الأحداث.
علينا أن نقر جميعًا أنه ليس ثمة خلاف على أننا نواجه نظامًا غشيمًا، واقعيًا لديه القدرة على أن يفاجئنا جميعًا بطفرات غير طبيعية في مستوى الأحداث، والتي يعقب عليها البعض بأنها لا شك ستؤثر عليه سلبًا، إلا أنه حينها تزيد قناعتي بأن لديه القدرة على احتواء الأزمة لصالحه، وغالبًا ما يتم ذلك بالقمع القانوني، لا يدل ذلك على حدة ذكاء هذا النظام، ولا ينفي عنه أيضًا بعضًا من ذاك الذكاء، إلا أنه في المقام الأول لا يدل إلا على مدى الفشل الذي وصلنا إليه نحن، فشلنا في التوحد أمام هذا القمع حتى نجح في إشغال كل منا بشخصه وفقط.
بدون استرسال في الكلام، أعتقد أننا بحاجة إلى الوقوف على مستوى الأحداث دون الاستسلام للأمر الواقع! لا يجب عليّ أن أستسلم للقضبان التي صدر قرار أن أعيش خلفها خمس وعشرين سنة، ولا أن أسلم أصلاً لهذا القرار، إلا أنني أقف كثيرًا عند هذه النقطة ووصلت إلى مرحلة التفكير في كيفية التعامل مع هذا الأمر، أعتقد أن على كل منا أن يصب فكره على كيف يخرج من هذه الأزمة بأقل خسائر ممكنة، الحقيقة أن الأمر أصبح شبيهًا بالجلوس على طاولة المفاوضات كل منا مع نفسه، وأعتقد أن رصيدنا التفاوضي في هذه العملية يجب أن يكون عبارة عن شق نفسي وآخر عملي.
أما الشق النفسي أو الروحي فليس بعيدًا عن الاتصال الروحي برب الروح وأن يتحسس كلٌ منا الجمال في بساطة الأشياء حوله، اعطوا لأنفسكم الحق في أن تتدلل عليكم قليلاً، واطلقوا لأرواحكم عنان الانتعاش، وانتشلوا أنفسكم من مستنقع الأحداث، قاتلوا من أجل الحفاظ على ما تبقي من أرواحكم المنهكة!
أما الشق العملي فالحقيقة أنني وجمت كثيرًا عندما رأيت بعض ردود الأفعال على الأحكام الصادرة ضدنا، وذهب جل فكري إلى من سيتحمل تلك المسؤولية؟
هل ستتحملها تلك العقول العقيمة من الإخوان الذين كانوا سببًا فيما آلت إليه الأحداث؟ أم يتحملها ذلك النظام الذي لم يدخر جهدًا في استعداء الجميع؟ أم أن كلاً منا مسؤول عن نفسه؟!
والحقيقه أنه {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}.
لن يكون لدي أدني مشكلة لو آلت الأمور إلى أن أرى كل من حولي قد ألحدوا وأنكروا وجود الله ويوجهون أسئلة من نوع “إن كان موجودًا فلماذا لا ينصرنا؟”، سأكون كذلك إن وجدت قصورًا في المنهج الذي أرتضاه الله لنا دينًا؟ أو حينما أجد تناقضًا بين واقعنا وبين ما بلغه إليّ رسوله – صلى الله عليه وسلم -.
الحقيقة أنه لم يخدعنا ولم يقل لنا أنه سيمكن لنا ديننا بالراحة والمتعة!
الحقيقة أن طبيعة الطريق كانت واضحة جلية تارة في “لتبلون” وتارة في “صبرًا آل ياسر” وتارة في “سرد قصص أولي العزم”، فالحقيقة أنني لست أعتقد أن القصور في مدى عجز البعض عن إدراك “ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه، حتى يميز الخبيث من الطيب”، ووالله لو كانت جنة الله تدرك بالراحه لقلنا حينها: كيف يساوي الله بين الطيب والخبيث وكيف يمنح الخبيث نفس ما منحه للطيب؟!
فعلينا جميعًا أن ندرك أن الله أعلم بأنفسنا منا وأعلم منا بطبيعتنا الجدلية، علينا جميعًا أن ندرك أن العجز عن غاية الإدراك، إدراك.
فحاشا لوجهه أن يكون لعبيده ظلامًا، وحاشا لوجهه أن يتخلى عنا!
ولو أطلعتم على الغيب لأخترتم الواقع، ولو كان سوقًا يبتاع كل منا واقعًا لأختار كل منا واقعه، فتأدبوا مع الله يحفكم برحمته.
كتب الإعلامي المعتقل صهيب سعد هذا المقال عقب الحكم عليه بالسجن المؤبد في نهاية الشهر الماضي، بعد اختطافه قسريا وتعذيبه أثناء التحقيق معه وسجنه لعام كامل