لن يكون هناك مبالغة إذا وصفنا تركي الدخيل المدير العام لقناة العربية الإسلامي المتطرف السابق، والعلماني الحالي بالمفوض السامي الإماراتي بالديوان الملكي السعودي، بصرف النظر عن عمله كمدير عام لقناة العربية، والمستشار الخاص لمحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات. لم يترك “الدخيل” أروقة الديوان الملكي منذ أن عمل في المشروع الإنساني للأمير عبدالعزيز بن فهد صاحب النفوذ الكبير في الديوان الملكي خلال حكم والده الملك فهد بن عبدالعزيز، وحتى بعد تولي الملك عبدالله العرش.
كان هدف محمد بن زايد هو السيطرة على ملك سعودي ضعيف، وهو ما سيسمح له بالسيطرة على النزعة الإمبريالية لمركز صنع القرار في المملكة، وهذه النزعة هي التي امتدت إلى السلالات الحاكمة للدول الخليجية، لدرجة أنها في أحد الأيام أوقفت إنشاء الاتحاد التعاوني الذي كان من المفترض أن يشمل الإمارات المتحدة بصورتها الحالية بجانب قطر، والبحرين، وفاوضت السعودية الشيخ زايد حول أراضي قبيلته، وذلك خلال اتفاقية جدة عام 1974 التي رسمت الحدود بين البلدين، وحتى أولاد الشيخ زايد يرون أن هذه الاتفاقية غير عادلة بالنسبة لهم، وأن المملكة استغلت ضعف الإمارات في هذه الوقت لفرض شروطها.
ظهر محمد بن زايد فجأة كلاعب في الساحة الإقليمية، ونفوذه هذا معروف بعدائه الشديد للأحزاب الإسلامية، كمان أن لديه علاقة ممتازة بالحكومة الإسرائيلي، يدير هذه العلاقة مستشاره الفلسطيني محمد دحلان عن طريق علاقات دحلان الممتازة بحكومة “نتنياهو”. لا يعلم الكثير أن محمد بن زايد كان أحد هؤلاء المنتمين للتيار الإسلامي، إذ انتمى إلى جماعة التبليغ: وهي جماعة هندية صوفية تبقى بعيدة عن السياسة ويشكل انتمائها للتصوف الهندي، وبعدها عن السياسة السلوكين البارزين لها، وهو ما يفسر كراهية “بن زايد” المبالغ فيها للأحزاب الإسلامية، إذ أنه كان أحد ضحايا خطاب هذه الأحزاب لفترة طويلة. شكل انتمائهما للمدارس الإسلامية وتحولهم عن ذلك القاسم المشترك بين محمد بن زايد وتركي الدخيل.
كانت تجرية “الدخيل” مع محمد بن سلمان هذه المرة مختلفة عن تجربته مع “متعب” والأمير عبدالعزيز بن فهد لأنه في الوقت الذي كان فيه “الدخيل” مع الملك عبدالله والملك فهد، كان الأميران سلطان ونايف القويان على قيد الحياة، واللذان عاملا الدول الخليجية الأخرى بتكبر، وخلال حقبة “متعب” لم يستطيع أن يمارس مهامه بتمرير الأجندة الخاصة بسبب التردد المستمر للأمير “متعب”، لكن بعد وصول الملك سلمان للعرش وجد المفوض السامي الإماراتي مبتغاه في الأمير محمد بن سلمان، هذا الشاب الطموح والجرىء.
يحاول محمد بن زايد إظهار نجاحه عن طريق إقامة العلاقات الممتازة مع الأميركيين والإسرئيليين، ويحاول أن يبدو كالنموذج الذي يحتذى به أمام الشاب محمد بن سلمان، والأكثر من ذلك يحاول أن يقوم بدور الوسيط بين محمد بن سلمان والأميركيين في مفارقة غريبة في العلاقات السعودية الأميركية في الوقت الذي لا تظهر فيه الإمارات قيامها بهذا الدور.
نجح محمد بن زايد حتى الآن في تمرير الأجندة الخاصة به عبر مفوضه السامي، وذلك بالتقليل من دور رجال الدين في الحياة العامة، والتهيئة للقرار المثير بالتقليل من الشرطة الدينية، والتوسط بين “إسرائيل” والسعودية في شراء بيانات استخباراتية ملتقطة عبر الأقمار الصناعية عن الحملة العسكرية في اليمن، وذلك بعد رفض الولايات المتحدة تقديم مثل هذه المعلومات الملتقطة بواسطة أقمارها الصناعية، والتي توضح أماكن تمركز قوات الحوثي.
السؤال الأكبر الآن هو كيف يحدث هذا في ظل حكم الملك سلمان رجل العروبة العجوز الذي قلب المنطقة رأسًا على عقب في أقل من عام، وأخرج الخلاف الكبير بينه وبين الولايات المتحدة إلى العلن، ورفض بشكل قاطع تسليم المنطقة لإيران، وهو ما أثار إندهاش الكثيرين الذين يعتقدون أن السعودية دولة تابعة للولايات المتحدة تطبق أجندتها دون قيد أو شرط.
لقد أحرج الملك سلمان خصومه عندما نفذ أيدلوجيته السياسية على الأرض متجاهلًا التعليمات الأميركية فيما يتعلق بالإتفاق النووي مع الجار العدو: إيران، واستخدم كامل نفوذه في دعم الإسلاميين في الثورة السورية متحالفًا مع تركيا، وهو ما جعل محمد بن زايد يصطف بشكل سري مع الأردن الحليف المقرب من المملكة السعودية من أجل اغتيال الرجل الأبرز للملكة في الثورة السورية، المحارب زهران علوش في خطوة لم تفق السعودية من صدمتها حتى الآن.
نجح الرجل القوي، وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف الذي عادة ما يتصرف كملك بالداخل والخارج في تحسين صورة الوزارة في الداخل عندما أنشأ مركز إعادة وتأهيل سجناء القاعدة، وعمل على تغير أيدلوجيتهم وتزويجهم، ودمجهم في المجتمع، ونجح أيضًا في أن يكون قريب من التيارات المحافظة، مثل والده الأمير نايف، وهو ما يكرهه محمد بن زايد، ويهدف إلى تفكيكه، بالإضافة إلى أن “بن نايف” ضد أي أمر يتعلق بحدود الدولة وتقويض سيادتها، وخاصة الحدود المتنازع عليها مع الإمارات. دفع هذا محمد بن زايد بأن يلقي بكامل ثقله السياسي في القضية اليمنية إلى أن يتملك القوة ضد السعودية فيما يتعلق بفتح قضية الحدود مرة أخرى، وليس هناك خطر أكبر على السعودية من القضية اليمنية، لذا كان يجب على السعودية الإطاحة بحكومة “بحاح” المتحالفة مع الإمارات في خطوة مفاجئة وصادمة للإماراتيين. ولجعل الإماراتيين يصرفون النظر عن الصفعة السياسية دخلت المملكة في الحال في معركة ضد تنظيم الدولة لإبقاء قوات “بن زايد” منشغلة، ووضعها في دوامة من المتاعب لا نهاية لها.
العقبة المتبقية في طريق “بن زايد” هي ولي العهد السعودي “محمد بن نايف” الذي تولى قضية الحدود بعد والده، والقضية اليمنية التي يحاول محمد بن سلمان أن يأخذها منه، ويحمل “بن نايف” ثقلًا سياسي كبير بخبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب، والتعامل بكفاءة مع كافة الطبقات في المجتمع السعودي، بالإضافة إلى العلاقة الممتازة مع قطر:الحليفة للأحزاب الإسلامية في المنطقة العدو اللدود ل “بن زايد”.
صحيح أن قطر الآن في موقف لا تحسد عليه بعد خسارة رهانها على الإخوان المسلمين الذين يحاربون بعضهم البعض في صراع على خلافة المرشد العام، ولذا فقد ضاقت الدوحة بهم ذرعًا، وطردتهم إلى تركيا، لكن في هذه النقطة تحديدًا من يعرف السياسة الخارجية السعودية يدرك أن الملك سلمان قام بتكليف محمد بن نايف لكي يكون مقربًا من قطر بسبب نشاطها السياسي في المنطقة، وكلف محمد بن سلمان لكي يكون قريبًا من الإمارات لنفس السبب، في محاولة لكي تكون السعودية المحرك الرئيسي للمشهد في المنطقة، ولإدارة توازن القوى المتناقضة: وهو الدور المفضل للسعودية على مر عقود، لكن الأمور وصلت إلى أن الإمارات أصبح لها ممثل دائم في مطبخ صنع القرار السعودي!
ربما استطاع الثعلب محمد بن زايد إغضاب محمد بن نايف عندما أطاح بالدكتور سعد الجبري وزير الدولة في الحكومة السعودية، و المقرب من “بن نايف” وعضو مجلس الشئون الأمنية والسياسية الذي يترأسه محمد بن نايف. كان الجبري الذراع اليمنى ل “بن نايف”وكان مساعده الأكبر في الملفات الأمنية التي تناقشها الحكومة، وبعد إقالته أصبح “بن نايف” دون ذراع أيمن في المباراة الطويلة والصعبة مع “بن زايد”.
يعد منصور النقيدان أحد أبرز المثقفين السعوديين، يعيش في دولة الإمارات، وهو صديق لتركي الدخيل، و”النقيدان” إرهابي سابق أحرق أحد المحلات التي تبيع الأفلام السينمائية في السعودية كان ذلك في تسعينيات القرن الماضي، حاليًا هو أحد أبرز الفاشيين العلمانيين الذي دعم مذبحة رابعة، والتي دعمها أيضًا محمد بن زايد، كتب “النقيدان” على تويتر بعد إقالة “سلمان” لـ”الجبري”: “الآن نستطيع أن نستنشق هواءً نظيفًا.. قرار عظيم وتاريخي تأخر كثيرًا”.
النقطة الأكثر خطورة فيما يتعلق بالمندوب السامي الإماراتي هو أن عادل الطريفي أحد أبرز أصدقائه تولي وزارة الثقافة والإعلام السعودية، وهو ما يعني أن الأجندة الإماراتية ستطغى على المشهد الإعلامي والثقافي في المملكة. صحيح أن هذا المنصب كان حكرًا على العلمانيين، لكن الموقف مختلف، إذ ستكون الإمارات حاضرة هذه المرة.
ظهر محمد بن سلمان في حوار تلفزيوني معلنا رؤية المملكة لعام 3030 التي تطمح من خلالها إلى زيادة العائدات غير النفطية ولتغيير الحياة الإقتصادية والاجتماعية للبلاد. وكان ذلك دون إشارة إلى أي تغيير في الحياة السياسية، كما لو كان الأمر مستوحى من تجربة الإمارات. أدار الحوار تركي الدخيل الذي ظهر منتشيًا ويمازح ولي ولي العهد، لم يكن إختيار المحاور عشوائيًا لكنه ظهر وكأنه يمتلك حق إمتياز نقل تجربة الإمارات إلى السعودية، وتقليص دور رجال الدين المحيطين بمحمد بن نايف وآخر صخرة في وجه محمد بن زايد للقضاء على الإمبريالية السعودية إلى الأبد.