جاءت معركة الفلوجة التي أعلنت عنها الحكومة العراقية مؤخرًا برئاسة حيدر العبادي مغلفة بغلاف طائفي لا تخطئه عين رغم تسويق المعركة على أنها ضد “تنظيم الدولة” والتكفيريين، بحسب الحكومة العراقية وميليشات الحشد الشعبي، إلا أن كل المؤشرات تقول بطائفيتها بداية من مشاركة كبيرة من مليشيات شيعية معروفة بالإضافة إلى تواجد إيراني عسكري كبير من خلال اجتماع قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني مع هذه الميليشيات، وهو ما أكدته صفحة مليشيا “حركة النجباء” على “فيسبوك” بنشرها صورًا لقائد فيلق القدس الإيراني، وهو يناقش معركة الفلوجة داخل غرفة عملياتها العسكرية، وفي مجلسه قائد ميليشيا بدر العراقية هادي العامري ونائب رئيس ميليشيات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وعدد من قادة الميليشيات العراقية.
وما يؤكد طائفية هذه المعركة أيضا مشاركة 17 ميليشيا شيعية، في المعركة هي: “لواء أنصار المرجعية، ولواء علي الأكبر، وفرقة العباس القتالية، وفرقة الإمام علي، وقوة أبي الأحرار الجهادية، وقوات بدر، وسرايا عاشوراء، وسرايا أنصار العقيدة، وكتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وسرايا الجهاد، وسرايا الخراساني، وفيلق الكرار، ولواء المنتظر، ولواء مجاهدي الأهوار، وكتائب سيد الشهداء، وسرايا السلام”.
وقالت المصادر: إن هناك وجودا لمسلحين إيرانيين في المعركة، التي أعلن عنها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي قبل يومين.
وفي هذه الأجواء المحمومة بالطائفية يتخوف سكان الفلوجة من السنة من أعمال انتقامية قد تشنها ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، خلال معركة تحرير الفلوجة، على غرار ما حدث سابقًا في محافظة صلاح الدين.
وانتشرت مقاطع فيديو تحريضية ذات طابع طائفي ضد الفلوجة، على لسان قادة كبار في ميليشيات الحشد الشعبي، من بينهم قائد سراي أبو الفضل العباس التابع للحشد.
ووصف قائد سراي أبو الفضل العباس الفلوجة بأنها “ورم سرطاني في جسد العراق يجب استئصاله”، في حديث إلى مسلحي الميليشيات خلال شريط تم تسريبه.
وقالت لقاء وردي، عضو لجنة المرحلين والمهجرين في مجلس النواب العراقي عن محافظة الأنبار: إنه تم الاتفاق مع رئيس الوزراء حيدر العبادي على عدم مشاركة الحشد الشعبي في معركة استعادة الفلوجة من “تنظيم الدولة”؛ نظرًا لحساسية المعركة ولكفاية القوات الموجودة من القوات العراقية والمتطوعين من أبناء المدينة، مضيفة: “إنه رغم تأكيدات العبادي فإنه لا توجد ضمانات لعدم مشاركة الحشد الشعبي في المعركة ودخول الفلوجة وتكرار سيناريو الجرائم التي ارتكبتها تلك الميليشيات في معركة تكريت، وحذرت من عواقب حدوث ذلك.
التداعيات على الجانب الإنساني
وبشأن تداعيات ما سيحدث في الفلوجة جراء هذه المعركة على الجانب الإنساني، توقعت لقاء وردي أن تتم عمليات حرق وهدم وانتهاكات ونهب لممتلكات المدنيين في المدينة في حال مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي.
وتابعت: إن المواطن في الفلوجة التي يسيطر عليها “تنظيم الدولة” لا يستطيع رفع راية بيضاء على داره، وإن فعل ذلك فإنه سيكون في عداد الأموات، داعية إلى أن تكون العمليات العسكرية دقيقة ضد تنظيم الدولة لشل حركته والحفاظ على أرواح المدنيين.
ورغم الحشود والاستعدات العسكرية لاقتحام الفالوجة، إلا أنه ربما ستكون هناك صعوبات كبيرة في اقتحامها نظرًا لتحصينات “تنظيم الدولة”، بحسب خبراء عسكريين ودليل ذلك ما حدث اليوم، وهو اليوم الثالث منذ بدء المعركة؛ حيث قتل 35 من الجيش العراقي وميليشيات الحشد بتفجير انتحاري واشتباكات مع تنظيم الدولة الإسلامية في الكرمة والصقلاوية قرب الفلوجة، في وقت ارتفع عدد الضحايا بين المدنيين إثر قصف القوات الحكومية للأحياء السكنية.
ولم يحصل حتى الآن أي تحول جوهري في مسار المعركة؛ حيث تفيد الأنباء بأن تقدم القوات العراقية على محور الكرمة لا يزال جزئيًا.
وبث “تنظيم الدولة” صورًا لمعارك خاضها مع القوات العراقية والميليشيات الداعمة لها شمال غرب الفلوجة، وأكد أنه كبّدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
كانت عملية اقتحام مدينة الفلوجة انطلقت منذ يومين وهي المدينة القريبة من بغداد والواقعة إداريًا في محافظة الأنبار، التي توصف بأنها المدينة السنية “الأكثر عنادًا”؛ حيث قاتلت الجيش الأميركي واصطدمت مع بغداد منذ سقوط نظام صدام حسين.
وأفادت التقارير بأن العملية بدأت من 4 محاور، وأعلن قائد عمليات تحريرالفلوجة الفريق عبدالوهاب الساعدي، وصول القطعات الأمنية إلى جسر الموظفين، الذي يعتبر المدخل الشرقي لمدينة الفلوجة، مشيرًا إلى أن ذلك، جاء بعد تحرير بناء المستشفى الأردني على الطريق القديم الرابط بين الفلوجة ومدينة الكرمة ورفع العلم العراقي فوقه.
وأعلن الساعدي وصول القوات الأمنية إلى جسر السجر شمال الفلوجة، لافتًا إلى أنه تم تحرير طريق 10 كم بين الجسر والكرمة، مضيفًا أن القوات الأمنية دخلت إلى منطقة النعيمية جنوب المدينة ووصلت إلى جسر التفاحة.
ورغم هذه التصريحات إلا أن مقتل أكثر من 30 شخصًا من الجيش العراقي اليوم يؤكد صعوبة المعركة وربما عدم القدرة على دخول الفالوجة والتراجع كما حدث من قبل.
وهناك توقعات أن يؤدي التشوش الحاصل بشأن معركة الفلوجة والمشاركين فيها والخلافات بين السنة والشيعة، إلى دمار شامل وشروخات كبيرة في العراق.
ويرى البعض أن الأميركيين والتحالف الدولي، ربما يكون لهم دور في معركة الفلوجة بتوفير القوة النارية وعمليات الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية لمساعدة القوات العراقية، وفي هذه الحالة ستتحمل أميركا جزءًا من المسؤولية في حال ارتكاب الحشد الشعبي مجازر في الفلوجة على غرار ما حدث في تكريت، باعتبار أن واشنطن ترتكب أخطاء كارثية في العراق منذ غزوها له عام 2003.
خبراء: المعركة طائفية بامتياز
وفي تعليقه علي ما يجري بالعراق، قال عبد الكريم العلوجي الكاتب والمحلل العراقي في تصريحات خاصة لـ”رصد” أن منطقة الأنبار وخاصة الفلوجة ستظل مشتعلة طول الوقت في ظل نبرة طائفية بامتياز في محاولات اقتحامها، وأعتقد أن القوات العراقية والحشد سوف يواجهون صعوبة كبيرة خاصة إذا ما انضم أهل الفلوجة للقتال دفاعًا عن أنفسهم في مواجهة طائفية الميليشيات، وبالتالي سوق تفشل هذه العملية كما حدث من قبل حيث أجبرت الفلوجة والأنبار أربع فرق علي الانسحاب ومعهم الميليشيات؛ وذلك لأن المقاومة هناك قوية وتدافع عن النفس في مواجهة مليشيات الحشد الشعبي القاتلة والتي تسرق وتقوم بهدم البيوت والاعتداء على النساء والممتلكات.
ووصف العلوجي الوضع الأمني في العراق، وخاصةً الأنبار بالخطير نتيجة ضعف الجيش والأمن العراقي، مشيدًا بصمود أهالي الأنبار والمقاومة العراقية في مواجهة الحشد الشعبي الذي يقتل ويسرق ويعتدي على النساء، مشيرًا إلى تخاذل إيران والتحالف الدولي في مواجهة تنظيم الدولة لرغبتهما في بقاء العراق هكذا يعيش في فوضى.
وقال العلوجي: إن الوضع في العراق سيئ جدًا وينذر بالانفجار وربما يقود إلى قتال ودماء أكثر خلال الأيام القليلة المقبلة ما لم ينسحب عملاء إيران وأميركا من المشهد ويعود العراق إلى أبنائه الحقيقيين والوطنيين الذين يدافعون عن وحدته وعروبته وبالعدل والمساواة ومحاربة الفساد حيث تحول العراق إلى مستعمرة أميركية ومحافظة إيرانية.
من ناحيته توقع الكاتب والمحلل السياسي العراقي وليد الزبيدي في تصريحات صحفية أن تدمر القوات العراقية والحشد الشعبي والعشائر كل شيء في الفلوجة رغم وجود مئة ألف مدني يعيشون فيها، معتبرًا أن الأجهزة الأمنية تخشى الحشد الشعبي ولا تخالف أوامره.
وعزا الاستعجال في معركة الفلوجة إلى وجود مخاوف أمنية في بغداد ومحيطها من “تنظيم الدولة”، وإلى محاولة توحيد وإزالة الخلافات في البيت الشيعي.