حدث تقارب بين الدول العربية السنية و”إسرائيل” على المستويين الدبلوماسي والجيوسياسي الأسبوع الماضي عندما قامت مصر بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية.
لم يكن واضحًا في البداية لماذا قد يؤثر انتقال السيادة على جزيرتين غير مأهولتين من دولة عربية إلى أخرى على “إسرائيل”، ناهيك عن كونها تعني تحسين العلاقات بين “إسرائيل” وجاراتها، تكمن الإجابة في الماضي، فقد مثلت هاتان الجزيرتان نقاطا ساخنة عدة مرات خلال الصراع العربي الإسرائيلي، لكنهما لن تكونا كذلك بعد الآن.
ليس للجزيرتين كجزيرتين أي أهمية أو قيمة -فليس بهما موارد أو سكان لا شيئ- لكن انظر إلى الخريطة، فالجزيرتان تقعان عند مدخل مضيق تيران بين البحر الأحمر وخليج العقبة، وأي سفينة تريد الوصول إلى “إسرائيل” أو الأردن من الطريق الجنوبي عليها أن تمر من خلالهما، ويبلغ عرض الممر أميال قليلة، ويمكن لشخص يتمتع ببنية رياضية السباحة من جانب لآخر دون أي مشاكل.
في عام ١٩٥٠، خلال الأيام الأولى للصراع العربي الإسرائيلي، طلب السعوديون من المصريين حماية الجزيرة خوفًا من قيام “إسرائيل” بالاستيلاء عليهما، وحدث ما كان يخشاه السعوديون، فقد استولت “إسرائيل” بالفعل على الجزيرتين عام ١٩٥٦، ومرة أخرى عام ١٩٦٧ عندما قام جمال عبدالناصر بإغلاق المضيق، مما أدى إلى قيام حرب الستة أيام، لم يكن السعوديون يستطيعون استرجاع الجزيرة من الإسرائيليين، ولكن كما اتضح بعد ذلك، فالمصريون أيضًا لم يتمكنوا من استرجاعها.
استقرت الأمور الآن، فلم يعد المصريون والسعوديون قلقون بشأن “إسرائيل”، فلم تعد “إسرائيل” بحاجة إلى خوض حرب أخرى مع مصر، ولم يخوضوا حربًا أبدا ضد السعوديين، لكن القاهرة والرياض -ككل العواصم العربية- لديها مخاوف أكبر تجاه إيران، وخصوصًا الآن بعدما رفعت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على إيران كجزء من الاتفاق النووي، لذلك قامت مصر بإعادة تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية.
تبين أن الديكتاتور المصري عبدالفتاح السيسي بطل لمعاهدة السلام بين مصر و”إسرائيل”، ليس لأنه يحب الإسرائيليين -فهو بالطبع لا يفعل- ولكن لأنه، كباقي ضباط الجيش المصري، يعلم أن حربًا جديدة مع “إسرائيل” هي فعل غبي ولا جدوى منه تمامًا كالحروب السابقة مع “إسرائيل” وأن مصر سوف تعاني مرة أخرى مقابل لا شيئ.
يقول عضو الكنيست الإسرائيلي تساحي هنغبي أن التنازل عن الجزيرتين للسعودية “له علاقة بنا، لكنه لا يزعجنا”، “فالسعوديون الذين يؤمنون بحرية الملاحة في ظل القانون الدولي، لن يخلوا ببنود المعاهدة بيننا وبين مصر في هذا الصدد، وسوف تبقى حرية الملاحة في العقبة وإيلات كما هي”.
لا يستطيع السعوديون قول شيئ جيد عن إسرائيل علنًا -فهم ينسجمون مع الإسرائيليين تمامًا خلف الأبواب المغلقة- ومع ذلك صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن “هناك اتفاقية والتزامات قبلت بها مصر تخص الجزيرتين، والمملكة ملتزمة تماما بها”، يشير الجبير إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، التي وقعها أنور السادات ومناحم بيجن عام ١٩٧٩، والتي تضمن عبور السفن الإسرائيلية عبر مضيق تيران.
ولكن موافقة السعودية علنا على احترام حق “إسرائيل” في هذا الممر المائي الدولي بالذات يشير إلى قبولهم على الأقل بجزء من معاهدة السلام بين مصر و”إسرائيل” بالرغم من أنه لا يوجد بعد أي اتفاق سلام رسمي بين الرياض وتل أبيب، إلى أي مدى وصلت هاتان الجزيرتان. لقد بدأتا كقطع شطرنج على رقعة الصراع العربي الإسرائيلي، وأصبحتا الآن تمثلان أملًا طال انتظاره.
ربما لم يحب الإسرائيليون والعرب بعضهم بعضًا، لكنهم ليسوا مجبرين على هذا، انظر إلى اليونانيين والأتراك، فقد كره بعضهم بعضًا لمئات السنين، وقد ارتكبوا جرائم تطهير عرقي ضد بعضهم البعض عام ١٩٢٣، ومرة أخرى على جزيرة قبرص في سبعينات القرن الماضي، لكن الاتحاد السوفييتي كان يمثل تهديدًا خلال الحرب الباردة، فنحوا عداءهما الذي استمر لوقت طويل جانبًا، ووافقوا على العمل سويًا داخل إطار حلف الناتو.
وبشكل مماثل تمامًا، كانت “إسرائيل” تمثل ذلك التهديد الذي وحد العرب، لكن إيران قد حلت محلها الآن، إن التهديد الحقيقي القادم من إيران يوحد الآن معظم الدول العربية، ويتسبب في إعادة التفكير في أنه لا يوجد أي تهديد من قبل الدولة العبرية.
إنه الفشل الأكبر للحكومة الإيرانية دبلوماسيًا وإعلاميًا، فعندما تولى النظام الثوري السلطة من الشاة عام ١٩٧٩، حاول آية الله خامنئي تجميع العالم العربي خلفه من خلال اعتبار ما يسميه الكيان الصهيوني تهديدًا لكل المسلمين، لكنه لم ينجح في هذا، فكراهية اليهود لم تكن يومًا قوية في الثقافة في الفارسية كما هي تاريخيًا بالنسبة للعرب.
فالفرس والعرب -وليس اليهود- هم العدوان اللدودان القديمان لبعضهما البعض، فقد كانت إيران تمتلك علاقات قوية مع “إسرائيل” حتى عام ١٩٧٩، وربما كانت علاقتها بـ”إسرائيل” الآن أقوى لو لم يستولي أتباع الخميني على السلطة، فالعداء الأكبر في الشرق الأوسط هو بين السنة والشيعة، وبين العرب والفرس، وإيران بها أغلبية فارسية وشيعية في نفس الوقت، ولا يمكن لقادة إيران بسهولة أن يهيمنوا على منطقة كاملة تحمل لهم كل هذا الكره، ورهانهم الأفضل، وربما الوحيد، هو توحيد المسلمين -السنة والشيعة والفرس والعرب- ضد اليهود، لذلك تخلى الخميني عن تحالف إيران و”إسرائيل” وحول دعمه إلى جماعات كحزب الله وإيران.
يتلخص قول أمير طاهري في كتابه “ليل فارسي” خطاب الخميني إلى العرب هكذا: “انسوا أن إيران شيعية، وتذكروا أنها الآن القوة الوحيدة التي تستطيع تحقيق حلمكم الأكبر، تدمير إسرائيل، لقد وعدكم الإخوان المسلمون السنيون بأنهم سوف يلقون باليهود في البحر، لكنهم فشلوا، وقد مناكم القوميون العرب، بقيادة عبدالناصر، بهزيمتكم الكبرى، ومكنوا إسرائيل من احتلال القدس، ووعدكم البعثيون بقيادة صدام حسين “بحرق إسرائيل”، لكنهم في النهاية جاءوا بالأميركيين الكفار إلى بغداد، ووعد ياسر عرفات و”الوطنيون” الفلسطينيون بتدمير دولة إسرائيل، لكنهم تحولوا إلى عملاء مقابل المال، ولم يوجه أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة رصاصة واحدة إلى إسرائيل، وقد ركزوا فقط على العمليات النوعية في الغرب لكي يكسبوا شعبية لأنفسهم، وقد فعل الشيخ أحمد ياسين وحماس كل ما في وسعهم لتدمير إسرائيل لكنهم لم يمتلكوا القوة الكافية، فقد كانوا كالذباب الذي يهاجم الفيل، والقوة الوحيدة التي تستطيع ولديها الرغبة في مساعدتهم على تحقيق حلمكم بحرق إسرائيل وإلقاء اليهود في البحر هي الجمهورية الإسلامية التي أنشأها الخميني”.
لقد كانت خطة ذكية، لكنها فشلت، ويصبح فشلها واضحًا عامًا بعد عام، لقد كان ممكنا أن تصبح “إسرائيل” هي التهديد الذي يوحد العرب والفرس والسنة والشيعة، ولكن بدلًا من ذلك، أصبحت القبائل السامية تتقارب شيئا فشيئا، ليس بشكل ودي -هذا مؤكد- لكن اليونانيون والأتراك، بالإضافة إلى الأميركيين والسعوديين، أظهروا للعالم قبل وقت طويل أن التحالفات الباردة يمكن أن تنجح بنفس الكفاءة.