لم تعرف القضية الصحراوية في مسارها تعقيدًا سياسيًا في تاريخ النزاع الدائر حولها، كالذي تعرفه في الأيام الأخيرة.. لقد أبدى الخليجيون على العموم والسعوديون على الخصوص تعاطفًا غير مسبوق مع الطرح المغربي المناوئ للطرح الجزائري حول القضية.
إن اجتماع القمة بين دول خليجية والولايات المتحدة الأميركية لم يكن يطرح عادة، مسائل تخص المنطقة المغاربية وبالخصوص حول الصحراء الغربية، فالأطروحات الخليجية حول الشمال الإفريقي كانت ترتبط في السنوات الأخيرة أساسًا بتداعيات ثورات الربيع العربي، واُتُهمت قطر والسعودية من طرف دوائر سياسية داخلية للبلدان المغاربية، بدعم الثوار لقلب الموازين.
إن ظهور “الاهتمام المفاجئ” للسعودية إزاء القضية الصحراوية في اجتماع قمة خليجي- أميركي، يعني دخول الملف مرحلة جديدة وخطيرة في آن واحد، يعمل بالأساس على إضعاف الموقف الجزائري أمام نظيره المغربي.
يأتي الدعم الخليجي للطرح المغربي مباشرة بعد عمليتين دبلوماسيتين جزائريتين متتاليتين، الأولى، محاولة الاستقواء بالأمين الأممي بان كي مون، للمنطقة المغاربية، سيما اللاجئين الصحراويين واعتبار الداخل الجزائري هذه الزيارة، انتصارًا تاريخيًا للقضية.
وبينما كان العاهل المغربي محمد السادس يسعى في روسيا يومها، إلى إضفاء برودة موسكوفية على الملف الصحراوي على حساب موقف الجزائر، كانت الأيادي في المرادية (قصر الرئاسة الجزائرية) تُفرك بكل ثقة، انتظارًا لتقرير أممي يصطلح على القضية الصحراوية بأنها قضية استعمار. لكن خيبة الأمل كانت كبيرة.
الثانية أن موقف السعودية في القمة الخليجية الأميركية، جاء ردًا صريحًا على رسالة الرئيس الجزائري -المعاني أصلًا من المرض ومن تداعي سمعته مع الفرنسيين- والذي كان قد أوفد مستشاره الخاص الطيب بلعيز أيامًا قبل القمة للعاهل السعودي من أجل شرح “مبدأ ثابت” عند الجزائر وهو عدم التدخل في الشؤون الوطنية للدول. لقد كان ذلك في أعقاب وقوف الجزائر ضد العمل العسكري الخليجي في اليمن أساسًا، وضد أي عمل عسكري مهما كانت جنسيات المشاركين فيه بسوريا.
ليس هذا فحسب، فالسعودية شعرت بأنها مستهدفة، بالغمز واللمز الذي جاء على لسان وزيرها للشؤون الدينية، محمد عيسى الذي أعلن حربًا على “السلفيين الوهابيين” منذ اعتلائه سدة الوزارة، وهو ما يمكن أن تفهمه السعودية تأليبًا رسميًا للجبهة الجزائرية الداخلية ضدها، إيديولوجيا ودبلوماسيا. ناهيك عن بعض الحزازات التي تردد صداها بين الرياض والجزائر، عقب موت أمواج بشرية من الحجيج في الموسم الأخير، وكان الجزائريون من بين الأمم الأكثر تضررًا نسبيًا.
يحدث هذا في وقت لا يزال كثير من الأكاديميين، أيضًا، يعتقدون أن بلاء الإرهاب في الجزائر سنوات التسعينيات، كان يعيش من دعم سعودي مستتر، ولا تزال كتابات جزائرية عديدة إلى اليوم تذكر الوهابية على أنها “شر حقيقي” يهدد بناء الدولة المدنية المتحضرة في الجزائر، إلى درجة تعظيم مستوى الرقابة الرسمية على الكتب المُعرجة نحو الوهابية، عند كل مناسبة لصالون الكتاب الدولي، الذي تنظمه الجزائر سنويا.
إن مستوى العلاقات السعودية الجزائرية يمر بأسوأ حالاته منذ تسعينيات القرن الماضي، ومن المؤكد أن موقف السعودية الأخير من الصحراء الغربية، سيجعل الملف أكثر تعقيدًا، فالجزائر لم تعد تخسر بموجبه الحلفاء فقط، بل أصبحت تفتح على نفسها جبهات هي في غنى عنها.