طيارة ورق
عبد العزيز مشرف
الخيط فى يده بدا كشعاع من نور موصول بطائرة ورقية تكابد للتحليق ، تهبط تارة ، وتصعد تارة ، كانت يده الماهرة ترخى الخيط ، وتجذبه فإذا بالطائرة تعلو ، و بدت بكرة الخيط فى يد الفتى لا نهاية لها ، يمدها ، فتبتعد الطائرة بذيلها الطويل ذى الألوان ، حتى لفتت أنظار كل من فى المدينة ، حتى ركاب القطار كانوا يرقبونها ، يرونها ولكنهم لا يرون اليد التى تمسك الخيط المشدود ، يعجبون لأمر الطائرة المحلقة ، بعضهم ظل يتمنى عمراً أن يُطيّر مثل هذه الطائرة ، الأطفال الأصغر يتصايحون ، يجرون خلف الطائرة من شارع إلى شارع ، لكنها تجاوزت الشوارع جميعاً والعمارات والأبراج ، وانطلقت إلى الأفق المفتوح البعيد ، تجتاز كل المسافات .
ها هى ترك زحام المدينة وترتفع فتطل من عليائها على الحقول البعيدة بخضرتها الزاهية ،غير أن يداً هناك بالأسفل لا ترى الحقول ولا خضرتها ، ولا ترى كل العيون المحملقة فى الطائرة ، آه لو رأى الفتى الإعجاب فى عيونهم لاهتز طرباً وتيهاً ، لكن أنى له أن يدرك كل شىء وهو الممسك بالخيط الذى غدا فى السماء غير مرئى ، الذى لم لم يلتفت أحد له ، لم ير أحد الخيط الممدود ما بين السماء والأرض .
حل المساء منذ ساعة ، وأظلمت السماء، وكان الفتى قد تعب ، أراد أن يسحب الخيط ؛ لينزل الطائرة ، لكنه مع الظلام لم يعد يراها ، وكذا العيون التى كانت ترقب وتعجب ذهبت ، فكر ماذا لو أفلت الخيط وتركها تذهب حيث قدر لها فلربما هاجرت من مدينة إلى أخرى ، وربما صعّدت فى السماء حيث النجوم الساهرة ؟ كانت أفكاره فى هذه اللحظة معجونة بالإرهاق ، لم يطل التفكير ، فى النهاية قرر أن يربط الخيط بحجر كبير رجاء ان تظل الطائرة تحلق حتى الصباح ريثما يعود إليها ، ربطه وانصرف ، لكنه حين عاد فى الصباح لم تكن طائرة فى السماء ولا خيط ، ولا حجر .