شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

“6 إبريل”: ألف يوم مما تعدون

“6 إبريل”: ألف يوم مما تعدون
لا يمكن فهم أحداث السادس من إبريل 2008 إلا في سياق مقدمات ثورت يناير. ولا يمكن فهم كراهية واضطهاد سلطة الثورة المضادة لهذا اليوم وكل ما ينتمي إليه إلا ضمن سعي الثورة المضادة الدءوب لمحو كل ما يمت للثورة بصلة.

لا يمكن فهم أحداث السادس من إبريل 2008 إلا في سياق مقدمات ثورة يناير. ولا يمكن فهم كراهية واضطهاد سلطة الثورة المضادة لهذا اليوم وكل ما ينتمي إليه إلا ضمن سعي الثورة المضادة الدءوب لمحو كل ما يمت للثورة بصلة.

لقد حمل يوم السادس من إبريل في طياته إشارات مهمة لتحول الأوضاع على الساحة وأطلق إمكانيات جعلت الثورة فيما بعد ممكنة.

في البدء كان إعلان عمال شركة الغزل والنسيج بالمحلة عزمهم الإضراب عن العمل في ذلك اليوم، بهدف تحسين أوضاعهم ووضع حد أدنى للأجور للعمال على المستوى القومي ووقف ارتفاع الأسعار.

وجدت دعوة عمال المحلة أصداءً لدى قوى لتغيير، فأعلنت العديد من القوى التضامن مع العمال في إضرابهم. ولكن التحول المهم حدث مع إعلان مجموعة من الشباب الدعوة للإضراب العام تزامنًا مع إضراب عمال شركة غزل المحلة. وانطلقت الدعوة على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.

الاستعدادات الاستثنائية للدولة نجحت في إجهاض إضراب المحلة بالفعل. ومع ذلك بدت شوارع القاهرة خاوية ما بين استجابة لدعوة الإضراب أو الخوف من الإجراءات الأمنية غير المسبوقة. ولكن كانت المفاجأة في مدينة المحلة التي انتفضت رغم الحشود الأمنية الرهيبة، تلك الحشود الأمنية التي فشلت في منع المظاهرات التي انطلقت واصطدمت بالأمن وحطمت صور مبارك في الميادين.

استمرت الانتفاضة في المحلة حتى توجه رئيس الوزراء أحمد نظيف مع عدد من الوزراء لتهدئة الأوضاع في المحلة، بتقديم تنازلات لعمال وأهالي المحلة.

يجب التوقف أمام هذا الحدث للنظر لأكثر من إشارة. أولها أن إعلان عمال المحلة الإضراب في السادس من إبريل لم يأتِ دون مقدمات؛ ففي السابع من ديسمبر 2006، أضرب عمال المحلة للمطالبة بصرف المكافأة السنوية، واستمر إضرابهم لثلاثة أيام بعدها تمت الاستجابة للمطلب. وفي سبتمبر 2007 عادوا للإضراب مع مطالب جديدة بإقالة رئيس مجلس الإدارة، وتحسين أوضاع الشركة وتحسين خدمات النقل والصحة للعمال وزياردة البدلات والحوافز، ذلك الإضراب الذي استمر لأسبوع في رمضان انتهى بتنفيذ عدد من المطالب والتعهد بالباقي. والتطور الأهم كان في فبراير 2008، عندما تظاهر أكثر من عشرة آلاف من عمال المحلة خارج الشركة للمطالبة بوضع حد أدنى للأجور 1200 جنيه، وكانت المرة الأولى التي يرفع فيها عمال شركة مطلب لكل عمال مصر.

يبدو تطور الحركة العمالية واضحًا في المحلة، من إضراب لمطلب جزئي محدود، للتوسع في المطالب ثم الانتقال لمطلب لكل الطبقة العاملة، ثم الانتفاضة وتحطيم صور رئيس الجمهورية. ما يؤكد أن الإضرابات العمالية الجزئية والمتناثرة مهما كانت محدودية مطالبها إلا أنها تمثل تراكمًا في الوعي والتنظيم، والأهم أن تأثيرها يمتد خارج حدود الطبقة العاملة وتشكل إلهامًا هامًا لقطاعات أخرى.

الأمر الآخر المهم في السادس من إبريل أنه مثل نقطة التقاء بين النضال الاجتماعي ضد الإفقار والاستغلال، مع النضال السياسي ضد الاستبداد والديكتاتورية. ورغم أن هذا التلاقي شابه الكثير من الارتجال، فالقوى والجماعات التي اعتبرت إعلان عمال المحلة فرصة سانحة لإعلان الإضراب العام، لم تبذل جهدًا جادًا في السابق للتفاعل مع الحركة العمالية ودعمها، وأرادت فقط الاستفادة من نجاح إضرابات المحلة السابقة في دفع الحركة السياسية. ومع ذلك كان ذلك بداية لفهم أهمية الارتباط بين النضال الاجتماعي والاقتصادي من جانب والنضال السياسي والديمقراطي من جانب آخر عبر آليات أكثر وضوحًا.

على جانب آخر، يعد يوم السادس من إبريل نقطة تحول في استخدام وسائل الاتصال الحديثة في الحشد والتعبئة. فقد كانت المرة الأولى التي حظت فيها دعوة على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” بهذا القدر من التأييد والتعبئة.

مثَّل 6 إبريل طفرة حقيقية في العمل الجماهيري، أصبحت فيما بعد من أساسيات العمل النضالي في مصر. ولكن ما يميز الحشد لـ6 إبريل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هو انطلاقها من حركة فعلية على الأرض ومحاولة الإضافة إليها، فمواقع التواصل الاجتماعي لم تخلق الحركة ولكنها تدخلت كعامل مساعد في الحشد والتعبئة، وأتاحت لقطاعات واسعة الاطلاع على ما يجري، بعيدًا عن سيطرة وسائل الإعلام التقليدية. كما أتاحت الفرصة لتلك القطاعات للمشاركة بطرق متنوعة لتوسع دوائر الاهتمام بالنضال سواء الاجتماعي أو السياسي، وهو ما أدى لتغيير جذري في خريطة النضال في مصر وأدواته.

ما تحقق في يوم 6 إبريل، حتى وإن لم يكن إضرابًا عامًا كما دعي له، إلا أنه رسم طريقًا للتغيير في مصر. فصورة الرئيس الديكتاتور التي حطمتها الجماهير في المحلة لم تلتئم مرة أخرى منذ ذلك الحين. فما تحطم ليس مجرد صورة، ولكنها قدسية الحاكم الفرد.

كان تحطيم صورة مبارك بدءًا للعد التنازلي لعهده، ولكنه أيضًا كان نهاية هيبة الحاكم الفرد. فمنذ سقوط صورة مبارك في السادس من إبريل 2008 لم يتمتع من خلفوه في الحكم بالقداسة والهيبة اللتين اقترنتا بصورة الرئيس، بل أصبح النقد والهجوم والسخرية من نصيب من تناوبوا الحكم بعد مبارك. بعض ما أنجزه يوم 6 إبريل هو أنه أعاد الهيبة والقداسة إلى الجماهير وحرم منها سلطة الاستبداد والقمع.

كان يوم 6 إبريل نقطة تحول في مسار الحياة السياسية والنضال الجماهيري في مصر. وما تم يومها مهما كان حجمه وحدوده حدد المسار في الفترة التالية له، وشق الطريق نحو الثورة.

التفاعل بين النضال السياسي والاجتماعي وتوحيدهما ضد سلطة الاستغلال والاستبداد، والانتقال من المطالب الجزئية إلى رفض كل أشكال الاضطهاد، وكسر هيمنة الإعلام التقليدي وامتلاك الجماهير لأدواتها في الكفاح، ونزع القداسة عن الحاكم ووضعه تحت محاسبة الجماهير، وغير ذلك مما تحقق في 6 إبريل 2008، هو ما تحاول الثورة المضادة طمسه ومحوه من الذاكرة. ليس مستغربًا أن يقضي شباب 6 إبريل ذكرى الانتفاضة التي دعوا إليها في سجون الثورة المضادة، ولكن المدهش حقًا أن تظل الثورة المضادة بكل قوتها الغاشمة خائفة من ذكرى ذلك اليوم، والأكثر إدهاشًا على الإطلاق، أن سلطة الاستبداد والقمع التي تصدت لمتظاهري 6 إبريل بالرصاص، لم تنجح بعد ثماني سنوات في أي محاولة لترميم صورة الديكتاتور التي حطمتها الجماهير.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023