جاء افتتاح صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية مؤخرًا لمؤتمرها لمكافحة حركة المقاطعة العالمية BDS في القدس المحتلة، ليؤكد التأثير الذي تركته حركة المقاطعة الدولية الاقتصادية للكيان الصهيوني.
وشهدت الفترة الماضية تصاعدًا ملحوظًا في دعوات المقاطعة الدولية له خصوصا في أوروبا، وسط توقعات بأن تخسر إسرائيل نحو ثمانية مليارات دولار سنويا بسبب المقاطعة الأوروبية لمنتجات المستوطنات علما بأن حجم التجارة الثنائية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي تصل قيمتها إلى 30 مليار دولار خاصة أن الاتحاد الأوروبي هو “أهم شريك “لإسرائيل” في العلوم والتكنولوجيا”.
قضية وجودية
ونظرًا لفداحة هذه الخسائر؛ هاجم رؤوفين ريفلين، الرئيس الإسرائيلي الذي حضر المؤتمر، حملة المقاطعة العالمية ضد “إسرائيل” مشيرا بأنها تقوم بالتحريض على “إسرائيل” ونشأت وقامت على رفض قيام دولة إسرائيل، لذلك يجب التفريق بين توجيه النقد ونزع الشرعية، ويجب علينا أن نظهر حقيقة مطالبات حركة BDS المبنية على الحقد والكراهية لإسرائيل.
واعتبر ريفلين، أن حركة المقاطعة هي “قضية وجودية أكثر من كونها تهديداً أمنياً”، وأنها لا تعمل على نقد دولة الاحتلال وسياساتها بل تسعى لنزع الشرعية الدولية عنها في محاولة “لمحوها من الوجود”، وعليه يرى في تكثيف الجهود وتجنيد الموارد لمواجهتها ضرورة ملحّة.
وفرضت حركة مقاطعة للاحتلال الإسرائيلي، المعروفة اختصاراً بـ “بي دي إس”، ثقلها على الساحة الدولية، ودفع ازدياد تأثيرها ونجاح حملاتها دولة الاحتلال للبدء بتنظيم حملات مضادة لتدارك الخسائر التي ألحقت به في السنوات الأخيرة.
يأتي المؤتمر الذي عقد مؤخرًا، في القدس المحتلة كإحدى محاولات الاحتلال بمؤسساته الإعلامية والسياسية لمواجهة خطورة المقاطعة، فبعد تراكم الأضرار بدأ الاحتلال يأخذ حركة “بي دي إس” على محمل الجد.
وطبقا لما عرضه المؤتمر، فإن المقاطعة الأكاديمية هي أخطر مما تبدو وتنعكس بعدة أشكال، فتكون على شكل مظاهرات واحتجاجات مستمرة داخل الأحرام الجامعية لأعرق جامعات أوروبا والولايات المتحدة يقودها حراك طلابي منظم وكبير. إلى جانب ذلك، والأخطر، هي “المقاطعة الصامتة” التي تمثلت برفض جامعات عالمية توظيف أكاديميين إسرائيليين جدد أو ترقية الموظفين مسبقاً، إلى جانب رفض نشر مقالات علمية لباحثين إسرائيليين ورفض مشاركاتهم بمؤتمرات علمية وأكاديمية مختلفة.
مقاطعة متعددة
أما عن النوع الثاني من المقاطعة فهو المقاطعة الاقتصادية التي تهدف لمقاطعة الشركات الداعمة لدولة الاحتلال بجميع الأشكال، ودفعها لسحب استثماراتها المباشرة من دولة الاحتلال كما فعلت مؤخراً شركة “جي 4 إس” للخدمات الأمنية وسبقتها الكنيسة الميثودية الأميركية. إلى جانب وقف الاستثمار في الشركات الأجنبية التي يتضح وجود صلة لها في الاحتلال وجيشه. ويضاف لذلك أسلوب المقاطعة الأشهر وهو مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والتي أدت مؤخراً لاتخاذ الاتحاد الأوروبي قراراً بوضع علامات مميّزة للبضائع الإسرائيلية الداعمة للمستوطنات، في خطوة رآها الاحتلال فارقة في تاريخ العلاقة مع أوروبا.
وتستمر المقاطعة على الصعيد الثقافي أيضاً، فكما ذكر التقرير المعروض في المؤتمر، يؤدي الفنان الشهير ورئيس فرقة “بينك” الموسيقية العالمية دوراً كبيراً في التسويق لحملة مقاطعة الاحتلال فنياً وثقافياً. وقد تسبب ذلك في إلغاء العديد من الحفلات والعروض الفنية والمعارض لفنانين إسرائيليين في أوروبا، إلى جانب إلغاء حفلات لفنانين من حول العالم كان من المفترض إقامتها في أحد مدن دولة الاحتلال. بحسب تقرير سابق لصحيفة الغارديان البريطانية، أعلن 600 فنان عالمي عن انضمامهم لحملة مقاطعة الاحتلال ثقافياً في حملة تحت اسم “فنانون لأجل فلسطين”.
وفي هذا السياق يتحدث “ناؤور بيتون”، رئيس رابطة “SSI” الداعمة للاحتلال في جامعات الولايات المتحدة، ويؤكد أن النشاط الطلابي للحركات الداعمة لفلسطين والداعية لمقاطعة الاحتلال هي حركات جادة ومنظمة ومنتشرة في الكثير من الجامعات وتعمل على مستوى عالٍ من التنسيق والثقة. وفي حديثه عن التأثير قال إن هناك الكثير من الطلاب الأمريكيين المنخرطين في النشاط الطلابي مقتنعون أن إسرائيل أسوأ من الأسد ومن كوريا الشمالية، وعليه يرى أن الجيل القادم من القادة السياسية في الولايات المتحدة قد يحمل أفكاراً مناهضة لدولة الاحتلال ويؤثر في السياسة الأمريكية بعد 20 عاماً.
الترياق
ومن جانبه قال مبعوث الاتحاد الأوروبي لدى دولة الاحتلال بأنه من دون وجود صراع إسرائيلي-فلسطيني لن تكون هناك حركة مقاطعة وسحب إستثمارات وفرض عقوبات “BDS”، واعتبر أن أفضل طريقة لمحاربة حركة BDS هي إتخاذ خطولت للدفع بحل الدولتين.
وقال السفير لارس فابورغ أندرسن في مؤتمر في القدس، “الترياق الأكثر فعالية ضد حركة BDS هو حل القضية الفلسطينية. إذا لم يكن هناك قضية فلسطينية، لن تكون هناك حركة BDS”.
وأكد السفير على أن الاتحاد الأوروبي لا يتوقع من إسرائيل حل الصراع بشكل أحادي، وقال، “يتطلب اثنين لرقص التانغو. يتطلب ذلك الفلسطينيين أيضا”، ولكن من المهم ألا يُنظر إلى إسرائيل كمن تقوم بتقويض حل الدولتين، كما قال، “لو تم وضع المزيد من الجهود في إظهار إستعداد للمضي قدما وتحقيق تقدم في العملية، سيمل ذلك على إضعاف حركة BDS بصورة كبيرة”.
وأضاف فابروغ أندرسن بأن حركة BDS هي ظاهرة “هامشية” صاحبة “تأثير صغير للغاية” على إسرائيل في الوقت الحالي، وأضاف، “يعني ذلك أن علينا، طبعا، البقاء متيقظين من أجل ضمان عدم حصولها على المزيد التعزيزات والمزيد من الدعم. ولكن أعتقد أنه من المهم الحفاظ على شعور بالتناسب هنا والتأكد من أننا لا نتحدث لتضخيم هذه الظاهرة بدلا من تصغيرها، وبالتالي إعطائها منصة لا تملكها في الواقع”.
وأضاف، “هناك فرق كبير بين إنتقاد مشرع للسياسات والBDS”، وأردف قائلا: “هناك خطر كبير، من خلال خلط أمور لا علاقة لإحدهم بالآخر بمنح حركة BDS أولا بروزا لا تملكه. وثانيا قطع الحوار والنقاش مع أولئك الذين ينتقدون السياسات ولكن لا يدعمون حركة BDS”.
الضغوط على كافة الأصعدة
يقول السفير الأسبق بالخارجية المصرية إبراهيم يسري – في تصريحات خاصة لـ”رصد”: إن تفعيل المقاطعة ضد الكيان الصهيوني هو إحدى طرق مقاومة هذا الاحتلال والعمل علي إنهائه إلى جانب المقاومة المسلحة، ومحاصرة هذا الكيان سياسيا في المحافل الدولية، مشيرا إلى أن هذا ما كنا ننادي به دائما وهو ما دفعنا لرفع العديد من الدعاوى القضائية في هذا السياق، ومنها دعوى منع تصدير الغاز للكيان الصهيوني والذي حكم فيها القضاء المصري وقتها لصالحنا، وعليه يجب تفعيل هذه المقاطعة عربيا ومصريا ودوليا وتشجيع الدول التي تقاطع هذا الكيان وتنظيم هذه المقاطعة ووضع أطر لها.
وأضاف السفير يسري لكن للأسف جاءت المقاطعة الفاعلة من جانب الدول الأوروبية وبعض المؤسسات الأميركية؛ صحيح المقاطعة فقط لأراضي محتلة منذ عام 1967، ولكن في النهاية هناك حملة لتفعيل هذه المقاطعة وتركت أثرا كبيرًا، الأمر الذي أصاب دولة الاحتلال بالذعر وجعلهم يعقدون مؤتمرهم الاخير مما يؤكد حجم الخسائر الكبيرة والتي تقدر بالمليارات، وهذا يؤكد علي شيء مهم وهو أن المجتمع الدولي عندما يريد الضغط يستطيع أن يفعل ذلك ونتمني أن يتم الضغط على كافة الأصعدة لإجبار هذا الاحتلال على القبول بدولة فلسطينية مستقلة.
ويرى أشرف البيومي، عضو جبهة مناهضة الصهيونية، أن هذا ليس كافيا، ويطالب بضرورة تفعيل الضغوط على كافة الأصعدة خاصة الصعيد السياسي، وانهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، وإجباره علي القبول بدولة فلسطينية وليس فقط مجرد المقاطعة الاقتصادية .
ويستنكر البيومي في تصريحات صحفية تخاذل الدول العربية والتي لا تكلف نفسها باتخاذ أي خطوة لمقاطعة الكيان الصهيوني بل الأكثر من ذلك أن هناك دولًا عربية حريصة على التطبيع واستمرار التعاون الاقتصادي، على حد قوله.
وتابع: هناك دول لا تربطها علاقات دبلوماسية مباشرة ومع ذلك تحرص هذه الدول علي إنشاء مكاتب اقتصادية بينها وبين دولة الاحتلال، بل إن الأمر تعدى ذلك إلى التعاون والتنسيق الأمني