مشهدان وسؤال لا ينفك عقلي عن تصوراتهم بعد ما حدث في عمومية الإخوان بالقطر التركي الملتهب، والذي يقدم نموذجًا لما يختلج الجماعة الممتحنة بالصبر في وعثاء المحنة، صبر على التعذيب والأذى، صبر على التشريد والمطاردة، صبر على السجن والغربة وصبر على قياداتها.
المشهد الأول: وفيه أحاول كل لحظة أن أتصوّر حال هؤلاء المغيّبين بوصايا ابوية يطبّقونها أشد من تطبيقهم لوصايا النبي- صلى الله عليه وسلم، وإن خيّمت كعادتها على أبصارهم غشاوات الجهل والتواكل باسم الثقة.
أحاول أن أتصوّر كيف رأى هؤلاء ما حدث ؟، كيف رأوا قياداتهم المنزّهة عن كل خطأ في خيالهم، وهي تشحذ الهمم لإيقاف أي تحرّكٍ يحاول أن يفهم معنًى ولو واحد لتكالبهم على قيادة جماعة لا تعرف ماذا تريد، ولا تريد أن يجتمع أبناؤها على شورى توحّدهم، ولو كان بطريق المكر والتآمر، ولو وصل إلى قهر امرأة (هي برقابهم) لأنها حاولت تقديم ورقاتها تبيانًا لعموم الصف عما يحدث، ولو وصل الأمر إلى مبادرة من أحد سفهائهم حين قرر أن يطلب الشرطة لإخوانه حتى لا يقدحوا في صورة شيوخه.
كيف رآه هؤلاء الذين يمثلون عندى أصعب ما يهدد بقاء الجماعة (حاولت إثبات ذلك في مقالة سابقة)، الذين لا يتحمّل قليل منهم صبرًا ولو قليل على سماع نصيحةٍ أو قراءة سطور من مقالة نقدٍ ناصحة، وليس لديهم أي مشكلة في تفسيرها وتفسير كاتبها وتفسير كل ما يحدث إلا بالعطب حين يتساقط من هزة ربانية لشجرة الجماعة الأصيلة، وهي هزة ربانية لا تأتي في أحلامهم إلا من سبع سماوات و لا يمكن أن تكون أرضية على أيدي مصلحين ومخلصين، فليس أمامهم أصلح ولا أخلص من فروعها العجوز وإن نخر ها السوس وهدّد كل أغصانها.
لا أسمع لهؤلاء الآن حسًا، ربما لأنه لم تعد تنفعهم طأطأة الرؤوس و غرور النفوس كلما قام واحدٌ بالصراخ فيهم ليفيقوا من غشاوتهم، كنت أراهم حينها وهم يقولونها بكل غرور : “اطمئنوا.. إنها دعوة ربانية تنفي خبثها.. المشكلة في فلان وتمت تنحيته .. المشكلة في فلان وعلان .. المشكلة في فلان وعلان وتركان وتمت تنحيتهم”، فالجواب عندهم جاهز، والمختلف معهم خبث والباب بيدهم يعبر منه الجمل.
ربما، وربما أيضًا ينتظرون أن يعرفوا ككل مرة من قيادتهم -التي لا تخطىء- كيف كانت المؤامرة عليهم ؟أعددتهم
أما المشهد الثاني : فذلك ما أحاول تصوره عن حال ذلك المهندس الذي يحرّك كل عمال المواقع ويمسك بتلابيبهم، كيف رأى ما حدث ؟، ولا أنسى بالطبع أنني حاولت مراتٍ ولم أُفلح، حاولت مرة أن أتصور كيف رأى صورته وهو يكذب على الهواء دون رقيب من نفسه حتى سخر منه أبناؤه، فلم أُفلح، وأخرى حين حاولت أن أتصور كيف علّمهم أن يتآمروا على إخوانهم، ومرات ومرات.
أما السؤال : فذلك الذي لا يملّ عقلى من تكراره كلما تعقّدت خيوط الأزمة.
ماذا لو كان قائم مقام المرشد الدكتور محمود عزت محجورًا أو مجبورًا أو حتى ميت ؟ من يمنعه من حل أزمة لم تنفك عقدتها -منذ عام وأكثر – بل تتعقد ؟، لماذا لا يكون في قبضة مضللٍ أو مستغلٍ أو مُدلّس ؟
لا أعرف عن الاخوان جبنًا يصل بأحدهم أن يهرب من ثغرة يرابط عليها وحده، أو يخشى على حياته ولو لمرة يجتمع فيها بإخوانه من أطراف الأزمة في مصر، حتى أقنع باحتماله وأسكن.
ولا أعرف عن الإخوان شرٌ يصل ببعضهم إلى تضليل الرجل أو الافتراء عليه، لكنى لا أنسى أننى حاججت كثير من هؤلاء القائمين على أمر رابطة الإخوان في تركيا حوله، فأسأل : لماذا لا يحضر بين الأطراف المتنازعين بلجنة إدارة الأزمة ؟، لماذا لا يبعث برسائله إلى عموم الصف بالصوت والصورة ليطمئنوا إليها، فكان الرد من جميعهم أنه “يقوم بمهامه كاملة” و”يحضر” اجتماعات لجنة الأزمة كلما تطلب الأمر ذلك، وأن رسائله وقراراته تأتيهم بشكل آمن لا يتطرق إليه شك أو تدليس، لتبقى نداءات الإخوان في مصر للرجل شاهد عين على نهجٍ لم يعد يسع أبناء الجماعة فضلًا عن مناهضيها.