دخلت عاصفة الحزم عامها الأول ولا تزال الأمور في اليمن بلا حسم حتى الآن، وإن حدث بعض التحسن على وضع الحكومة اليمنية والرئيس عبد ربه منصور هادي والمقاومة في مواجهة الحوثيين وصالح، ولكن تبقي الأمور دون حسم واضح حتى الآن عسكريا على الأرض.
ورغم تقدم المقاومة والجيش الوطني بدعم وغطاء جوي من التحالف العربي والسيطرة على عدد من المدن والمحافظات وتراجع قوات الحوثيين وصالح، فإنه في المقابل لا يزال هناك بعض العقبات التي تواجه التحالف والحقائق التي لا يمكن إنكارها، وأولها سيطرة الحوثيين وصالح على العاصمة صنعاء حتى الآن وكذلك الاستماتة بالتمسك بتعز؛ باعتبارها أكبر المدن اليمنية كثافة سكانية وأهميتها الاستراتيجية، وبالتالي يصعب القول بأنه تم الحسم لأي طرف على الأرض خاصة لصالح التحالف والمقاومة.
ويرى الخبراء أن ضربات التحالف وتقدم المقاومة والجيش الوطني دمر القدرات العسكرية الأساسية للحوثيين وصالح وأفقدهم المناورة ووضعهم في وضع المدافع طوال الوقت بعد أن كانوا على مقربة من السيطرة على عدن العاصمة الجنوبية، فضلا عن إجبارهم على قبول الحوار والتفاوض بشأن الوصول لحل سياسي بعدما تبين للطرفين استحالة الحسم العسكري والحسم به، وهو ما أكده مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر في جولاته المتعدده وإعلانه عن قبول كل الأطراف اللجوء للحوار.
وبعد مرور عام كامل على انطلاق العمليات العسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، تتباين آراء اليمنيين في تقييم نتائجه العسكرية والسياسية، ولكن العديد منهم يتفق على أن عجلة السياسة باتت اليوم تسابق عجلة الحرب، وأن الحل السياسي بات قريبا.
حيث شهد اليمن تحوّلات كبيرة ومتسارعة خلال الأشهر الـ12 الماضية، غيّرت موازين القوى قياسا بما كانت عليه قبل 26 مارس من العام الماضي، تاريخ تحليق أول سرب لمقاتلات التحالف في “عاصفة الحزم” فوق الأجواء اليمنية، مهّدت لواقع سياسي مختلف، ظهر أول ملامحه بإعلان مختلف الأطراف قبولها استئناف المحادثات منتصف الشهر المقبل، على أن يسبقه وقف لإطلاق النار.
الجدير بالذكر أن التدخل العربي بدأ فيما كان الحوثيون وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، قد أصبحوا القوة الأولى في البلاد، بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء، ووصول مقاتليهم إلى 19 محافظة من أصل 22 محافظة، غير أنه على مدار العام الماضي تمكنت قوات التحالف والمقاومة الشعبية ووحدات الجيش الموالية للحكومة، من استعادة السيطرة على عدن ومحيطها من المحافظات الجنوبية، ثم انتقلت شمالا، وبسطت السيطرة على مأرب وأجزاء كبيرة من الجوف، فيما لا تزال محافظة تعز الإستراتيجية ذات التعداد السكاني الأكبر في البلاد ساحة كرّ وفرّ.
وكانت عملية الحزم قد بدأتها السعودية مع التحالف العربي منذ أكثر من عام كانت أشبه بالمفاجاة حيث قامت قواتها الجوية ومعها عدد من الدول الأخرى وفي القلب منها دول الخليج بقصف مواقع الحوثيين وقوات صالح الموالية لهم لقطع الطريق عليهم ومنعهم من الاستيلاء على عدن التي كانت آخر المعاقل المهمة التي لم تقع في يد الحوثيين والملاذ الأخير للرئيس الشرعي عبد ربه هادي منصور وحكومته وسقوطها في يد الحوثيين كان معناه أن اليمن سقط بالكامل وانتهت الشرعية هناك، وبالتالي كان لا بد من وضع حد للتمدد الحوثي بالضربة العسكرية وبعدما فشلت كل الجهود السياسية.
وكان المتحدث باسم التحالف قد أكد أنه جرى تدمير 98% من الدفاعات الجوية التي تسيطر عليها هذه الميليشيات، إلى جانب إزالة تهديد الصواريخ الباليستية التي كانت تهدد دول الجوار، وذلك بعد تنفيذها 2415 طلعة جوية، في 27 يومًا بدأت في 26 مارس من العام الماضي، استهدفت مواقع ميليشيات الحوثي والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح.
وتشمل النتائج الإيجابية التي حققتها عملية عاصفة الحزم، بحسب متحدثها الرسمي، تدمير 80% من خطوط مواصلات ميليشيات الحوثي، واستهداف قدرات الميليشيات الجوية ومراكز السيطرة بنسبة 90%، وتدمير 80% من الصواريخ الباليستية التي تسيطر عليها الميليشيات، وإزالة 80% من ورش الصيانة والتصنيع ومخازن الأسلحة، إلى جانب تدمير 90% من مواقع الميليشيات المتاخمة للحدود السعودية، ومنعها من شن أي هجوم على الأراضي السعودية، وتهيئة مدينة عدن للعمليات البرية اللاحقة بنسبة 90%.
بينما يقول إعلام إيران الرسمي والموالي للحوثيين إن السعودية لم تحقق أيًا من أهدافها على الصعيد السياسي، من الهجمات الجوية المكثفة على الأراضي اليمنية، خاصة أن هناك تأكيدات سعودية أن عاصفة الحزم لن تنتهي إلا بتحقيق شرط مهم، وهو انسحاب عناصر جماعة “الحوثي” من العاصمة صنعاء .
وتعليقا على هذه الأوضاع قامت “رصد “باستطلاع رأي عدد من الخبراء العسكريين للوقوف على حقيقة الأوضاع باليمن؛ فمن جانبه قال اللواء جمال مظلوم، لواء بالحرب الإلكترونية في تصريحات خاصة لـ”رصد”: “إن هذه العملية حققت الكثير من أغراضها وأهدافها العسكرية على رأسها وقف تقدم الحوثيين وقوات صالح إلى معقل مهم وله خصوصية ورمزية وهو مدينة عدن، فضلا عن تدمير القدرات العسكرية لهم، وهذا نجاح ملحوظ الي حد كبير خاصة أن القصف كان عنيفا ومركزا واستطاع أن يفقد الطرف الآخر الكثير من قدراته العسكرية وقطع خطوط الإمداد القادمة من إيران عبر البحر وغيره ما أثر بشكل كبير في الحوثيين”.
وأشاد “مظلوم” بالاعتماد على القصف الجوي وعدم اللجوء إلى القوات البرية إلا بعد تهيئة مسرح العمليات علي الارض اولا لان طبيعة الارض في اليمن ليست في صالح قوات التحالف بل في صالح الحوثيين وقوات عبد الله صالح لانهم ادري بطبيعة بلادهم، لافتا الي حكمة الملك سلمان الذي لم يغامر بالدخول البري مباشرة مشيرا الي التجربة المصرية المريرة نتيجة التدخل البري في اليمن في عهد عبد الناصر، مؤكدا علي ضرورة الاستمرار في القصف الجوي فقط وعدم ادخال قوات برية حتي تسمح الظروف بذلك علي أساس ان القصف الجوي في النهاية سيرغم الطرف الاخر علي الاستسلام في نهاية المطاف .
وفي المقابل يري العميد بسلاح المشاه، علي الموصلي، في تصريحات خاصة لـ “رصد”: “ان العملية لم تأت ثمارها كما روج لها وكما كان متوقعا خاصة اذا ما وضع في الاعتبار قدرات التحالف العسكرية الكبيرة وعدد دوله وقدراته المادية واللوجستية والفنية كل هذا كان كفيل بحسم الامور وانزال الهزيمة بالطرف الاخر، ولكن الواقع يقول ان الحوثيين وقوات صالح لا يزال لديهم القدرة علي المقاومة والتمويه واخفاء بعض القدرات والمعدات العسكرية عن أعين التحالف، ودليل ذلك الاشتباكات بين هذه القوات وقوات الرئيس اليمني منصور هادي”.
ودلل “الموصلي” علي عدم حسم الامر واضعاف الجانب الاخر، قيام هذا الجانب متمثلا في الحوثيين وقوات صالح في مهاجمة السعودية من ان الاخر يقصف حدودها وكذلك خوض معار عنيفة في عدد من المدن اليمنية واخرها مدينة تعز وعدم القدرة علي اقتحام العاصمة صنعاء حتي الان.
وأكد عميد أركان الحرب إبراهيم حجازي، المدرس السابق بالكلية الحربية، لـ “رصد” صعوبة حسم المعركة لصالح اي طرف من الطرفيين نتيجة امتلاك كل طرف ميزة نسبية تتمثل في القدرات الجوية يقابلها عجز علي مستوي القوات البرية وتخوف شديد في حال اقتحام صنعاء وحتي قوات هادي ليست مدربة ومسلحة تسليحا كافيا يمكنها من حسم الامور.
وقال: “يمتلك الحوثيون وقوات صالح قوات برية وقدرات تقليدية فضلا عن خبرتهم بجغرافية المكان تمكنهم من التمويه والاختباء وشن هجمات مضادة من آن لاخر ومن هنا يمكن القول بصعوبة الحسم العسكري ولا مفر من اللجوء الي التفاوض والحل السياسي كمخرج من هذه الازمة”.
و أضاف ان الدول والاطراف المختلفة تقود الحروب لا من اجل الحروب ولكن في الغالب من اجل تحقيق اهداف معينة والحصول علي مكاسب وثبيت اوضاع محددة وهذا غالبا ما ياتي بالتفاوض وهو ما حدث في ازمات دولية كثيرة وشهيرة واعتقد هذا ما سيحدث باليمن ولعل ما جاء في تصريحات بن عمر مبعوث الامم المتحدة مؤخرا يؤكد ذلك بوضوح حيث استعداد الاطراف المتحاربة لوقف اطلاق النار والدخول في مفاوضات .