استيقظت من النوم مبكراً، نظرت إلى الساعة إنها الثامنة، حان موعد ذهابي إلى العمل، جال في خاطري كثير من الكلام والأسئلة، وشيطان النوم يقول لي «فلتنم نصف ساعة أخرى لن يضرك بشيء، أنت متأخر ولن تجد الوسيلة التي ستقلك إلى العمل».
تغلبت على هواجسي، نهضت، اغتسلت وارتديت ملابسي، داعياً الله أن أجد سيارة بسرعة، كي لا أتأخر، خرجت من بيتي الصغير متوجهاً إلى العمل، انتظرت دقيقة تلو الدقيقة، ثم ربع ساعة، أصابتني خيبة أمل وعلمت بأنني لن أجد ما يقلني، فاهتديت لما هو أسرع وأسهل وأرخص ثمناً.
هذه الوسيلة التي أحمد الله عليها أنه أعطاني إياها، كان الحكماء فيما مضى يقولون (اركب باص 11) فهي الأفضل للوصول في وقتنا، أو بالأحرى في بلدنا العزيز، (باص 11) يقصدون به «قدميك» فهي أفضل من السيارة في بعض الأوقات أو في غالبها، مشيت نصف الطريق أتأمل من حولي، هذه غزة التي كانت قبل 6 سنوات تملأها الحركة ولا يهدأ لها ساكن، تلك غزة التي عانى أهلها 60 عاماً وما زالت تعاني وتعاني، شدتني تلك المناظر وأنا أمشي كمن يمشي على -الكورنيش- امرأة نال منها الزمن وأصبحت عجوزاً هرمة تنتظر سيارة تقلها إلى المستشفى، وبجانبها على ما أعتقد ابنتها التي على وشك الولادة، مشيت متثاقلاً أفكر، كيف حدث كل ذلك؟ كل هذا الخراب والدمار! كلمة يا رب أنقذنا -كانت تقولها سيدة على شاشات التلفاز إبان الحرب اللعينة-، تذكرتها مع خطواتي التي أخذت تتفحص الأماكن المدمرة،
أصبحت أمشي بلا وعي، وفي نهاية المطاف وجدت سيارة، صوت الإذاعة على نشرة أخبار تتحدث عن استمرار نفاد الوقود والغاز من القطاع، وكما أفادت شركة الكهرباء بفصل التيار الكهربائي على القطاع ليومها العاشر لنفاد الوقود، فيما يفيد مسؤول كبير على أنه إذا ما استمر الوضع على ذلك الحال فستحدث كارثة كبيرة قد تودي بحياة آلاف الأطفال الخدج والمرضى، صداع أمسك رأسي، لا أريد أن أسمع أكثر من ذلك، وماذا أقول للسائق هل أقول له «أغلق الراديو»؟ لا أريد أن أخوض في نقاش معه، ها أنا التفت نحو النافذة، الكثير من الناس يقفون في الشارع وينتظرون سيارة كي تقلهم، بعضهم لا يجد إلا عربة (الكارو)، لم أجرب شعور راكبها بعد ولكنني شردت كثيراً في تفكيري، حتى أنني لم أنتبه أن السائق قد تعدّى الشارع الذي أردت أن أنزل فيه، انتبهت بعد حين (لو سمحت نزِّلني هنا)
نزلت بعد شارع من المكان المقصود، أكملت طريقي سيراً على الأقدام، أشخاص كثر على وجوههم علامات استفهام وأخرى تجهم كبير، بالكاد وصلت مكان العمل، سلّمت على من حالفه الحظ بالقدوم لهذا اليوم، تعابير أخرى مختلفة، هناك من يضحك وهناك من يصطنع الابتسامة.. مرت ساعة وبضع ساعات، حرٌ شديدٌ وملل أشد، قلت في نفسي «ليتني ما زلت نائماً بدلاً من هذا الصداع الذي يلازمني»