منذ ساعات اتفق وزراء الخارجية العرب فى إجتماعهم بالقاهرة على تعيين أحمد أبو الغيط – وزير خارجية مبارك من 2004 الى 2011 – فى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية خلفاً لنبيل العربى – الذى رفض تعيينه لفترة ثانية -، ويأتى تعيين أبو الغيط فى هذا المنصب ليُثير العديد من التساؤلات خاصة فى ظل حالة اليأس التى تعيشها الشعوب العربية، والتى ظهرت ملامحها فى رفض المغرب استضافة القمة العربية والتى كان مقرراً انعقادها خلال هذا الشهر، وكذلك إصرار نبيل العربى على رفض الولاية الثانية له.
جاء ترشيح أبو الغيط لمنصب الأمين العام من قبل النظام المصرى ، وقد رفضت كلا من السودان وقطر ترشيح أبو الغيط بسبب شخصه وليس بسبب مصريته ، حيث جرى العرف الدبلوماسى العربى على أن يكون منصب الأمين العام للجامعة العربية مصرياً، حيث تولى هذا المنصب منذ نشأته سبعة مصرييين من أصل ثمانية دبلوماسين تولوا هذا المنصب، كما جرى العرف أيضا بأن مصر ترشح لهذا المنصب وزير خارجيتها الذى مازال فى المنصب، فعمرو موسى ونبيل العربى تم ترشيحهما لمنصب الأمين العام عندما كانا وزراء خارجية ، ولكن القاهرة رشحت وزير سابق وليس الحالى كما كان متعارف عليه سابقاً.
التاريخ الدبلوماسى لأبو الغيط مملوء بالكوارث العربية أهمها وأخطرها هو: التصديق على إعلان اسرائيل الحرب على قطاع غزة عام 2008،وسعيه الدؤوب إلى إفشال قمة غزة فى ذات العام ،وعلاقته الوطيدة بالكيان الصهيونى حيث يعتبر أبو الغيط من أهم الأدوات التى كان يستعملها مبارك -الكنز الاستراتيجى للكيان الصهيونى – ،وعدواته الشديدة للفلسطنيين وخاصة حركات المقاومة حيث هدد الفلسطنيين بكسر أرجلهم إذا اقتحموا الحدود مرة أخرى،وأخيرا كان كرهه القوى لثورات الربيع العربى عندما أعلن أن الحديث عن ثورة مصرية كلام فراغ وأن مصر تختلف عن تونس. يأتى اصرار النظام المصرى على ترشيح أبو الغيط ليؤكد بأن دولة مبارك عادت إلى ما كانت عليه قبل 25 يناير 2011 ، فوزراء مبارك منهم من عاد الى منصبه مثل عادل لبيب وأحمد زكى بدر ، ومنهم من سلك طريق الترقيات إلى منصب أعلى كأبو الغيط ، كما أن هذا الترشيح يأتى فى ظل علاقات وطيدة ووثيقية تربط النظام المصرى بالكيان الصهيونى سواء على المستوى العسكرى أو الإستخباراتى أو الدبلوماسى وغيرها من مجالات التعاون المختلفة .
إن النظام المصرى يؤمن بأن أبو الغيط هو رجل المرحلة ، وأنه دبلوماسى تجب مكافأته ولذلك أطلقت وزارة الخارجية المصرية اسمه على دفعة الدبلوماسيين المصريين عام 2015 تقديراً لدوره فى إدارة وتوجيه السياسية الخارجية المصرية على مدار سبع سنوات تولى فيها مسئولية وزارة الخارجية فى عهد مبارك، ولكن هذا لم كافيا،فكان لابد من ترشحه لهذا المنصب الرفيع. ويرجع قبول الدول العربية لأحمد أبو الغيط كأمين عام للدول العربية إلى أحد أمرين
أولها: إن تلك الدول ترى أن تعيين أبو الغيط فى هذا المنصب ما هو إلا تكريم لرجل حرمته الثورات العربية من التكريم والإحتفاء به ، لما يتمتع به من تاريخ دبلوماسى ذكرناه سلفا ويتماشى مع سياسات النظام المصرى والعربى الحالى.
ثانيها :أن دولاً عربيا ترى أن منصب الأمين العام للجامعة العربية ما هو إلاوظيفة شرفية، وليس لشاغره الحق فى إمتلاك أى رؤية لعمل تلك المنظمومة العربية،وأن هذا المنصب ما هو إلا فرصة لمنح صاحبه مكأفاة مالية تقدر بملايين الدولارات وقد حدث هذا مع عمرو موسى ونبيل العربى ، فضلا عن تراجع دور تلك المنظمة فى حل مشاكل أعضائها ولم يبقى لها أى تأثير سواء على أعضائها أو فى المحافل الدولية.
نحن إذن أمام عهد جديد للجامعة العربية لن يكون أحسن من قبل، بل سيكون أسوء مما كانت عليه، بفضل أمينها العام الجديد وما يمتلكه من علاقات جيدة مع الكيان الصهيونى ، فضلا عن أن أعضاؤها يرون فيها ما هى إلا منتزه لبعض مسئوليها ،ومن ثم فإننا أمام جامعة تحتضر أمام قضايا الوطن العربى وتقف مشلولة الأيدى فى مواجهة مخاطر الأمة العربية الحقيقة ، وفى المقابل تُضخ فيها دماء جديدة من أجل التطبيع مع الكيان الصهيونى والعمل على تحويل ذلك العدو الأول للشعوب العربية إلى الصديق الحميم الذى ينبغى ان تكون العلاقات معه فى أحسن حال، وهكذا فإننا سنكون أمام جامعة للتطبيع العربى وليس جامعة للدول العربية.