كتبت ناشطة حقوقية منشورًا حول وضع اللاجئين السوريين في تركيا بمواقع التواصل الاجتماعي وتمت إعادة نشره من المئات، بل استغلته بعض المواقع والأشخاص الذين ينظرون لتركيا بأنها عدو لأنه منشور يظهر تركيا قد تخلت عن اللاجئين بل أسهمت في قتلهم في عباب البحر، ولذلك اقتضى أن أكتب تفصيلًا يرد على ما أراه غير دقيق في المنشور ببعض الحقائق والأرقام وبعضها من المصادر التي استقت منها الأستاذة الباحثة معلوماتها.
بداية كتبت أنا وأكثر من مرة وعلى الصعيد السياسي والاجتماعي والفكري، أن تركيا ليست بلد الخلافة، وأردوغان ليس أمير المؤمنين، وحزب “العدالة والتنمية” ليس حزبًا إسلاميًا ولا يمثل الحركة الإسلامية بل هو حزب ديمقراطي محافظ في قيادته مجموعة من أصحاب الفكر الإسلامي وهو حزب رضي وقبل اللعب في الساحة الديمقراطية بالضوابط العلمانية.
كتبت الباحثة أن فقط 10% من اللاجئين السوريين هم من يقيمون في مخيمات اللجوء، بينما 90% يعيشون في داخل تركيا دون مساعدات ولا خدمات، والحقيقة أن اللاجئين السوريين هم من يهربون من مخيمات اللجوء التي يقدم فيها العلاج والتعليم والترفيه على قدر المتاح ويرغبون بالخروج من المخيمات لمحاولة الحصول على فرص أكبر في العمل والخدمات وهو ما يكون بالفعل؛ فالسوري في تركيا له حق التعليم المجاني كما الأتراك بل مؤمن صحيًا، بينما المواطن التركي الذي ليس لديه ضمان اجتماعي ليس مؤمنًا صحيًا. وبالإضافة لذلك فإن عشرات بل مئات الجمعيات الخيرية التركية تقدم المساعدات العينية والمالية للسوريين في تركيا خارج المخيمات.
أما عن العمل، فرغم الوضع الاقتصادي التركي الذي تأثر بالتراجع الاقتصادي العالمي في السنوات الأخيرة ولديها من البطالة ما يزيد على 10.2% إلا أنها تغض الطرف عن السوري الذي يعمل أو يفتح مصلحة خاصة حتى إن الكثير من هذه المؤسسات تفتقد لأدنى حد من القانونية لكن الدولة والبلديات تتغاضى عنها تعاطفًا معهم ورغبة منها بعدم تحولهم لعبء على كاهل الدولة.
وذكرت السيدة أن نحو نصف مليون طفل سوري لا يذهبون إلى المدارس، وكأن تركيا هي من تمنعهم من ذلك رغم كل التسهيلات التي قامت بها تركيا من السماح للعديد من المؤسسات الخيرية السورية والعربية والتركية بافتتاح مدارس خاصة بالسوريين، وتم اعتماد المئات منها على أنظمة التعليم التركي المحوسبة لتضمن شهادة معترف بها للطفل، وفي السنة الدراسية الأخيرة بدأت تركيا بتعيين منسق لوزارة التعليم في كل مدرسة سورية من المدارس التركية المحيطة لتسهيل التواصل والدعم الفني لنقل الخبرات وتطوير العمل، بالإضافة لذلك فيسمح للطفل السوري بالدراسة في المدارس الحكومية التركية بالمجان كما الطالب التركي، والمعوقات التي تواجه الطفل السوري الذي لا يتعلم ليست بالقطع تركية بحتة؛ فالكثير من الأسر تريد لأطفالها العمل لا التعلم رغم أنهم قادرون على العودة لمخيمات اللاجئين والدراسة فيها دون أي مشكلة.
وأخطر ما ذكرته الناشطة، هو اتهامها لتركيا بالمسؤولية عن وفاة 4000 لاجئ غرقًا في البحر عام 2015 أثناء محاولتهم الوصول لأوروبا “هربًا من جحيم الحياة في تركيا كما يفهم”، ولكن الحقيقة أن هذا العدد هو لعدد الغرقى من اللاجئين في كل البحر المتوسط من ليبيا والمغرب العربي والدول الأخرى، بينما عدد الغرقى قرب السواحل التركية واليونانية في بحر إيجه هم فقط 800 منهم فقط 279 ماتوا في المناطق المسؤول عنها خفر السواحل التركي والبقية غرقوا أو أغرقوا على السواحل اليونانية كما أثبتت الحوادث المسجلة -طبعًا وفاة إنسان واحد أمر مؤلم وسيئ جدًا، لكن للمصداقية- ولكن في الوقت نفسه فقد استطاع خفر السواحل التركي بكل إمكانيته إنقاذ أكثر من تسعين ألف غريق في الفترة نفسها، وللعلم خفر السواحل التركي مهما كانت قدراته لن يستطيع السيطرة على السواحل التركي في ظل هذا الكم الرهيب من اللاجئين من كل أنحاء العالم، ولذلك فقد استعانت تركيا بقوات الناتو البحرية لتساندها في ذلك.
ومما ذكرته هو عصابات الخطف للأطفال السوريين وهي معلومة غير مثبتة بأي دليل في بلد كتركيا فيه نحو 80 مليون إنسان يعيش كأي بلد في العالم حوادث خطف للأطفال من الأتراك فمن الطبيعي أن تعيش حوادث خطف للسوريين ولكن الأمر لا على صعيد الأتراك ولا السوريين لم يظهر وكأنه مخطط أو أنه ظاهرة حتى الآن.
أما إغلاق الحدود، فقد حدث أن أغلقت تركيا الحدود منذ فترة بين تركيا وسوريا لعدة أسباب؛ منها أمنية ومنها لتجبر العالم على القبول بصناعة منطقة عازلة لتوقف زحف النازحين السوريين نحوها لأن الأعداد تجاوزت طاقتها، وقد هدد أردوغان ورئيس الوزراء داود أوغلو أنهم إن فتحوا الحدود مع سوريا فسيفتحونها مع أوروبا وهو لم يقبله أي طرف في العالم، بالإضافة إلى ذلك تعيش تركيا منذ 10 أشهر تقريبًا حالة أمنية فوق خطيرة؛ حيث التفجيرات المتكررة في أكثر من مدينة وثبت أن مفجريها إما سوريون أو تلقوا التدريب والدعم في سوريا، بالإضافة لتهديدات تنظيم “الدولة” وعصابات الانفصاليين الأكراد بمهاجمة تركيا كلها دفعت تركيا لمثل هذا الإجراء أما عن القتل على الحدود فالحوادث معدودة جدًا وكان آخرها عائلة فلسطينية حاولت الدخول من منطقة يسيطر عليها عصابات حماية الشعوب الديمقراطية الإرهابية ومن العائلة نفسها علمت أن الجيش التركي شعر بالأسف الشديد للحادث بل عللوا أنهم ظنوهم مسلحين يريدون التسلل لعمل إرهابي بل بعدها أدخلت تركيا باقي العائلة وعالجت من أصيب في مشافيها.
أما عن استخدام تركيا لملف اللاجئين في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، فأعتقد أن أقل حق سياسي لتركيا هو الاستفادة مما قدمته من خدمات وما تكبدت من ضغوط سياسية داخلية ودولية واقتصادية نتيجة وقوفها مع الثورة السورية، خاصة أن هذه من الفرص النادرة التي تتاح لتركيا كي تجبر الاتحاد الأوروبي على إعطائها ما هو حق لها، وللعلم فما طلبته تركيا من دعم مالي اشترطت أن يتم عبر مشاريع تقدمها المؤسسات الدولية لللاجئين السوريين مباشرة وقد بدأ الترتيب لتنفيذ أول مشروعين، الأول مع منظمة اليونيسكو لتعليم الأطفال، والثاني مع الهلال الأحمر التركي ومنظمات الإغاثة الدولية للدعم الغذائي والرعاية الصحية في مناطق جنوب تركيا.
أما ما ذكرته بخصوص بند الترحيل لغير السوريين من عراقيين وغيره، فالمعلومة أيضًا غير دقيقة حتى التفاصيل فيه لم تنته بعد رغم أن الحديث هو عن استعداد تركيا لاستقبال من يتم الإمساك به في البحر متجها من تركيا إلى أوروبا لكن بشرط أن تقبل أوروبا لاجئًا سوريًا مسجلًا رسميًا في تركيا وهو أمر في صالح اللاجئين السوريين فسيرسلون بشكل قانوني لأوروبا دون خطر الغرق والموت ولا تهديد ونهب المهربين. أما عن الجاليات الأخرى فمن لا يحق له لقب لاجئ كالأفغاني والباكستاني وغيرهما سيتم إعادتهم لبلادهم إن كان هناك اتفاقيات تبادل لاجئين مع تركيا (حتى اللحظة لا يوجد لكن تركيا تعمل على عقد مثل هذه الاتفاقيات) ومن يستحق حق اللجوء سيعاد إلى مخيمات اللجوء ويسجل كلاجئ.
وأوافق الأستاذة الباحثة في طرحها بأن تركيا قد تكون غضت الطرف عن التهريب لأوروبا، ولكن في الحقيقة حتى تلك اللحظة كانت أوروبا تشاهد القضية وكأنها تتابع مسرحية مضحكة وتستمتع بآلام السوريين من ناحية والضغط الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه تركيا وحكومة العدالة والتنمية.
وكذلك أؤيد طرح بعض الأخوة السوريين والمعنيين بالقضية السورية في مشكلة استصدار بطاقة لاجئ التي توقفت تركيا عن إصدارها وهو ما تم بالفعل بعد تفجير السلطان أحمد الذي قام به إرهابي مجرم قادم من سوريا ودخل البلد وتحرك بأريحية ببطاقة لاجئ ولكن من لم يستصدر البطاقة قبل هذه الحادثة هم غالبًا من كانوا يخططون للهجرة لأوروبا ولأن استصدار بطاقة اللاجئ يتطلب بصمة منهم وهو ما يعطي حسب الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي الحق لدول الاتحاد بإعادته من البلد الذي بصم فيه.
هذا بعض ردي على المشاركة المحترمة للسيدة الباحثة، ولكي تكون المعلومة كاملة دلي القارئ فلا ينساق خلف الكتابات الحدية من أنصار أو معارضي التجربة التركية وتعاطيها مع المتغيرات فتركيا دولة لها مصالحها تقدم ما تستطيع من الخدمات لجيرانها من الدول والشعوب بقدر استطاعتها وبما لا يضر مصالحها ولا أعتقد أن عاقلًا يقبل أن تضحي تركيا الدولة بمصالحها من أجل مصالح الآخرين، خاصة في ظل وضع المنطقة الذي قد يكون الأسوأ منذ التقسيم قبل مئة عام.
……………………
معين نعيم- باحث في الشأن التركي