عقِب إعلان الرئيس الراحل محمد أنور السادات، اعتزامه زيارة مدينة القدس المحتلة في 1977 ثم إبرام معاهدة السلام في 1979، بدأت العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء بين مصر وإسرائيل في 1980، إذ تولى السفير سعد مرتضى مهام السفير المصري في إسرائيل، في نفس اليوم الذي تولى فيه إلياهو بن إليسار، مهام أول سفير إسرائيلي في مصر.
ويؤكد سياسيون أنّ غالبية سفراء البلدين للبلد الآخر كانوا من أجهزة أمنية، فسفراء مصر لتل أبيب كان أغلبهم من أجهزة أمنية أو من جهاز المخابرات المصرية.
أما سفراء إسرائيل فأغلبهم أيضا له تعامل سابق مع أجهزة أمنية إسرائيلية، كما أن معظمهم ينتمون لأصول فلسطينية، الأرض المحتلة عام 1948، ومنهم أيضًا سفير من أصل مصري هو “ديفيد بن سلطان”، وغالبيتهم من أنصار حزب العمل والقليل من أنصار الليكود.
ولعل السخط الشعبي المصري على السفراء الإسرائيليين، جعل حكومة الاحتلال تُعطي امتيازات هائلة لمن يوافق على العمل في مصر، بسبب أجواء العزلة والحصار الشعبي والأمني، واضطرت خارجة إسرائيل لتعديل “قانون خدمة السفراء” بالخارج، بوضع بند من فقرتين خاصتين بخدمة السفير الإسرائيلي بمصر فقط، تنصّ على تعويض السفير الذي يوافق على “تحمل المخاطر المهنية” بالسفر إلى مصر، من خلال تعيينه بعد انتهاء مدته بمصر سفيرًا في أي دولة أخرى يختارها السفير، وأنه يصرف له تعويض قدره مليون شيكل “255 ألف دولار”، في حالة تعرضه لأذى أو إصابة عمل أو تعرض حياته أو أسرته للخطر.
وحكى إلياهو بن اليسار وهو الذي فتح البعثة الدبلوماسية عام 1980، أنه لم يجد في بادئ الأمر مكاتب لاستئجارها فاضطر لإقامة مقر البعثة في أحد الفنادق قبل أن ينتقل لفترة مؤقتة إلى منزل في الدقي -بالقرب من وسط المدينة- ثم تركه لأسباب أمنية وتحت ضغوط الجيران لتستقر البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في آخر المطاف في الدورين الأخيرين من بناية تقع على بعد بضع مئات من الأمتار من جامعة القاهرة.
ولكن فترة بقاء إلياهو بن اليسار لم تدم كثيرًا في القاهرة حيث غادرها بعد عام واحد وطلب نقله لإسرائيل، وقال في مذكراته إنه خرج بثلاثة أصدقاء فقط في القاهرة من بينهم سائق سيارته المصري.
كيف تختار إسرائيل سفراءها
في عام 1980 فُتحت أول سفارة إسرائيلية في مصر، برئاسة إلياهو بن إليسار 1980-1981، وأتى بعد ذلك 11 سفيرًا هم بالترتيب موشيه ساسون 1981-1988، شيمون شامير 1988-1991، إفرايم دويك 1991-1992، ديفيد سلطان 1992-1996، تسفي مزئيل 1996-2001، جدعون بن عامي 2001-2003، إيلي شاكيد 2004-2005، شالوم كوهين 2005-2009، إسحق ليفانون 2009-2011، ياكوف عميتاي 2011-2012، حاييم كوهين 2013- إلى الآن.
أصول عربية
جاء إلى سفارة مصر أربعة سفراء من أصول عربية اثنان منهم من أصول مصرية، وهما إفرايم دويك الذي ولد في مصر عام 1930، ثم هاجر مع أسرته إلى إسرائيل سنة 1949، وعمل في بلدية القدس، ثم التحق بالخارجية الإسرائيلية، وصار رابع سفير لإسرائيل في مصر 1991 – 1992، خلفًا لشمعون شامير، ثم نُقل بعدها إلى الهند ليصير أول سفير إسرائيلي لديها.
ثم دافيد سلطان، الذي ولد في منطقة مصر الجديدة بالقاهرة في 11 سبتمبر 1938، وكان الأصغر بين إخوته، هاجر إلى إسرائيل مع أسرته في سبتمبر 1949 وعاشت الأسرة في جفعاتايم حيث تلقى سلطان تعليمه الأولي. جُند في أغسطس 1958 بسلاح المدفعية، ثم التحق سنة 1960 بالدراسة بالجامعة العبرية في القدس حيث حصل على درجة جامعية في الدراسات الإسلامية والعلوم السياسية، ثم على درجة الماجستير في تاريخ العالم الإسلامي والعلاقات الدولية.
يأتي بعد ذلك، موشيه ساسون الذي ولد في دمشق عام 1925، وهو أطول من شغل المنصب في مصر، يأتي بعده من حيث الأصول العربية، إسحاق لفنون من يهود لبنان، واسم العائلة لفنون معناه “لبنان”، وكان ليفنون دائم الشكوى من تجاهل المصريين له ورفضهم التعامل معه، حتى إن أحد المواقع الإلكترونية الإسرائيلية نسبت إليه تصريحات وصف فيها الشعب المصري بغير الودود والكاره لإسرائيل.
العمل مع الموساد
العمل مع الموساد والعصابات التي استولت على أرض فلسطين قبل 1948 والنشاط في هجرة اليهود إلى فلسطين، سمة اختيار الكثير من السفراء، حتى إنه إذا لم يكن للسفير أي نشاط مع الموساد ستجد أن أحد أبويه أو كليهما كان نشط جدا في هذه المسألة، وعلى رأس هؤلاء، إسحاق لفنون، الذي ولد في لبنان لتاجر يهودي لبناني وهو ابن الجاسوسة شولا كوهين كيشيك 92 عامًا التي اعتقلت في لبنان عام 1961 بعد أن عملت لمصلحة المخابرات الإسرائيلية مدة 15 عاماً بدأت عشية إقامة الدولة العبرية، ونشطت أساسًا في هجرة اليهود من لبنان وسوريا ودول عربية أخرى إلى إسرائيل، وفي حينه حكم عليها بالإعدام، ثم خفف الحكم للسجن لسبع سنوات وأطلق سراحها في إطار صفقة تبادل أسرى بعد حرب العام 1967 وسبقها أولادها بالهجرة سرا إلى إسرائيل.
موشيه ساسون، الذي ولد في دمشق، وانتقل إلى فلسطين في طفولته، حيث كان والده إلياهو ساسون في طليعة اليهود الشرقيين الذين خدموا الصهيونية قبل قيام دولة إسرائيل وبعد قيامها، وهاجر إلياهو ساسون من سوريا إلى فلسطين، تاركًا الصحافة التي كان يعمل بها حتى عام 1928، وانخرط في العمل بشركة كهرباء القدس، ومنها انتقل إلى مكتب إبراهام سيتون للعمل في البلدة القديمة كمحاسب في تجارة المانيفاتورة، كما انضم إلياهو ساسون إلى الوكالة اليهودية وأصبح مساعدًا لموشيه شاريت في الاتصالات مع الدول العربية المجاورة واستمر في عمله حتى عام 1935.
العنصرية
تسفي مزئيل، الذي شغل منصب سفير إسرائيل بالقاهرة بين عامي 1996 و2001، كان قد عمِل سفيرًا لإسرائيل في كل من رومانيا والسويد.
أثناء عمله في سفارة السويد، وبالتحديد في يناير 2004 قام تسفي مزئيل بتخريب العمل الفني المسمى “بيضاء الثلج وجنون الحقيقة” الذي أقامه الفنان السويدي -الإسرائيلي المولد- درور فيلير مع زوجته غانيلا سكاود– فيلير تخليدًا لذكرى الاستشهادية الفلسطينية هنادي جرادات، فبعد رؤية مزئيل للعرض، قام بخلع أحد كشافات الضوء من الأرض وإلقائها في البركة وهاجم الفنان.
كما طالب بإزالة العمل اللوحات والنصوص، وقال مزئيل للفنان “هذا ليس عملًا فنيًا، بل تعبير عن الكراهية للشعب الإسرائيلي، هذا تمجيد للمفجرين الانتحاريين”، وحاول الفنان شرح أن النصوص مأخوذة من الصحافة الإسرائيلية، إلا أن مزئيل رفض الاستماع، واضطرت إدارة المعرض أن تطلب منه المغادرة، إلا أنه رفض أن يغادر قبل أن يزال العمل، فاضطر الأمن المرافق له إلى إخراجه خوفًا على سلامته”.
لاحقًا قال مزئيل للصحافة إن هذا العمل يمثل “شرعنة للإبادة الجماعية وقتل الأبرياء والمدنيين تحت ستار الثقافة”، بينما رفض فيلر اتهامات مزئيل له بتمجيد المفجرين الانتحاريين واتهم مزئيل “بممارسة الرقابة”، ويرى مزئيل أن “السويد هي واحدة من أشد البلدان معاداة للسامية” وأن هناك “دعوات يومية في إعلامها لقتل اليهود”، وقد وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون لاحقًا الشكر لمزئيل “لوقفته في وجه موجة معاداة السامية المتصاعدة” في السويد.
سفير مستعمرة جنوب السودان
في 24 أكتوبر 2013، تم تنصيب حاييم كوهين، سفيرًا إسرائيليا في مصر، وكان قد شغل منصب سفير إسرائيل في جنوب السودان، وتولى إدارة دائرتي الشرق الأوسط والتخطيط الاستراتيجي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، كما سبق له العمل بمصر كقنصل سابق.
في جنوب السودان، الذي ذهب إليها في يناير 2012، كسفير لدولة الاحتلال، قاد مهمة تحويل الدولة الوليدة إلى مستعمرة إسرائيلية وهو ما يعترف به في أحد الحوارات النادرة التي أجراها معه الموقع الإلكتروني لقسم العلاقات الدولية في الجامعة العبرية بتاريخ 26 مايو 2013.
ويكشف “كورن” النقاب عن الدور الذي لعبه في هذه العملية فيقول: “بالنسبة لجنوب السودان كان الوضع جديدًا، خاصا حين تولى كل دول العالم ونولي نحن أيضا أهمية جيو- استراتيجية كبيرة للغاية هناك”، وأضاف “عملنا بشكل مكثف هناك، كان العمل يقتضي طول الوقت تنسيقًا ولقاءات وجولات على الأرض، قمنا بإرسال الرجال إلى هنا “إسرائيل” لدورات، زيارات عمل، ولإكمال دراستهم إلخ.. وفي المقابل أرسلنا خبرائنا في المجالات المختلفة إلى هناك”، وكانت النتيجة كما يقول السفير أنه عند الاحتفال بعيد استقلال جنوب السودان كان العديد من المواطنين يرفعون أعلام إسرائيل في سعادة، بينما ينظر هو في سعادة وفخر.
ويمضي السفير الإسرائيلي فيعترف ضمنيًا بمساعدة الميليشيات في جنوب السودان على تنفيذ عمليات ضد جيش الخرطوم في الشمال فيقول: “يعتبرون أنفسهم في مثل وضعنا.. بكلمات أخرى هم أبناء ثقافة ودين معين محاطون بالأعداء المنتمين لدين وأصول إثنية مختلفة يسعون إلى تدميرهم، وبمساعدتنا يستطيعون الصمود في بيئتهم، كذلك نحن أيضًا نجحنا في الصمود في منطقة محاطة بالأعداء وكذلك في الازدهار، لذلك يروننا نموذجا للمحاكاة”.
وأشرف “كورن” على مشاريع زراعية في منطقة East Equatoria التي تقع شمال شرق البلاد، كذلك بناء غرف الطوارئ في عدد من المستشفيات، وإرسال وفود طبية وخبراء في مجالات التطوير، واعتبر “كورن” أن جنوب السودان يملك المقومات ليصبح دولة القرن الـ21 نظرًا لاحتوائه على الذهب والنفط والمياه والأرض الخصبة والسماء التي تمطر ثمانية أشهر في العام والنيل الثري على حد وصفه.
وكشف السفير الإسرائيلي في القاهرة عن إشرافه أيضًا على إرسال السودانيين من دولة الجنوب إلى دورات خاصة بهم في إسرائيل لمدة شهرين برعاية وزارة الخارجية، في مختلف المجالات، بالإضافة إلى تعليمهم اللغة العبرية، لافتًا إلى أن إسرائيل تحاول جاهدة السيطرة على جنوب السودان وإثيوبيا وكينيا وأوغندا، تلك الدول التي تشكل الممر في القرن الإفريقي بين الصومال واليمن والبحر الأحمر، رافضًا الإسهاب في الحديث عن التوغل الإسرائيلي في تلك الدول.
ويختم بقوله: “فكرتنا تدور حول تنظيم حكومة تبدأ بتقديم الخدمات للمواطنين، يكون لديها وعي؛ هكذا تحدث وزير العمل الجنوب سوداني، والذي طلب مني أن أساعدهم في بناء إدارتهم العامة- ونحن قمنا بذلك أكثر من مرة في إفريقيا- وبناء المؤسسات”.