شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

منظومة اللاعدالة في مصر

منظومة اللاعدالة في مصر
غدا سوف يقف ٥١ شخصا، من بينهم ١٤ صحفيا جريمتهم الوحيدة أداء عملهم الصحفي، أمام المحكمة لتتم إعادة محاكمتهم على تهم تصل عقوبتها للإعدام

غدا سوف يقف ٥١ شخصا، من بينهم ١٤ صحفيا جريمتهم الوحيدة أداء عملهم الصحفي، أمام المحكمة لتتم إعادة محاكمتهم على تهم تصل عقوبتها للإعدام.

بالطبع أنا أتحدث عن المحاكمة الهزلية في قضية “غرفة عمليات رابعة”، هذه القضية ليست إلا هجوما ماكرا على حرية التعبير من قبل الحكومة المصرية، أنا أعلم هذا لأنني أحد المتهمين في القضية.

لقد رأت الحكومة أن قضية أخرى ضد الصحفيين، كقضية صحفيي الجزيرة سيئة السمعة، قد تتسبب لها في حرج بالغ أمام العالم. لذلك وضعوا هذه القضية ضمن قضايا الإرهاب وأطلقوا عليها اسما مخيفا: “غرفة عمليات رابعة”، في إشارة إلى احتجاجات ميدان رابعة العربية ضد النظام في عام 2013 والتي قامت السلطات المصرية بتفريقها بشكل عنيف.

ولتبرير هذا الاسم تم إدراج أسماء لأعضاء في الحكومة السابقة إلى قائمة المتهمين قبل تحديد موعد المحاكمة بأيام قليلة. وكان هدف الحكومة الهروب من التدقيق الدولي بإلصاق تهمة “الإرهاب” السخيفة بالقضية، وقد نجحت تقريبا في هذا.

ولكن خلال تخطيطها، لم تحسب الحكومة حسابا للمعارضة الهائلة لقصتها المختلقة الواهية.

فخلال الوقت الذي قضيته في السجن، وردا على ظروف الاحتجاز القاسية والتعذيب الممنهج الذي تعرضت له أنا وأصدقائي في انتظار المحاكمة، قررت البدء في إضراب عن الطعام، وقد لاقت قصتنا ومعاناتنا وموقفنا اهتماما من أشخاص كثيرين حول العالم، وأظهرت كذب وتضليل النظام.

أصبحت القضية معروفة دوليا، وسرعان ما أصبحت صداعا في رأس النظام ؛ وتم إطلاق سراحي على إثر ذلك، ومنذ خروجي من السجن تلاشت هذه القضية من الوعي الدولي، بالرغم من أن الظلم لا يزال قائما منذ اليوم الذي بدأ فيه.

فمنذ عامين ونصف لا يزال الأبرياء يقبعون في أقبية النظام دون نهاية تلوح في الأفق لمعاناتهم، ولكل منهم قصة من الآمال والأحلام التي تنتظر تحقيقها، وقصة حياة تنتظر أن يعيشها.

عبدالله الفخراني طبيب تحول إلى صحفي، وهو شاب في نهاية العشرينات قد أصبح حلمه في الزواج من الفتاة التي يحب وتكوين أسرة مأجلا إلى أجل غير مسمى.

وسامحي مصطفى، وهو صحفي أيضا، هو الابن الوحيد لأمه، كما أنه أيضا أب لطفلين صغيرين جميلين ولد أصغرهما بعد شهور من اعتقاله.

محمد عدلي الصحفي الشاب الذي أجبر على وضع حياته قيد الانتظار وإنهاء خطوبته وهو في السجن بسبب مستقبله الغامض، وقد توفيت والدته دون أن تحظى بفرصة لوداع ابنها الأصغر.

عمر مالك، رجل الأعمال الشاب النشيط ذو المستقبل الواعد، والذي كانت جريمته الوحيدة أنه ابن أبيه.

هذه القصص وغيرها الكثير هي لمحات من حياة ثمينة يتم سرقتها، ولا يجب أن تلقى هذه القصص آذانا صماء، فأصواتهم يجب أن تسمع. فمكانهم الطبيعي هو هنا، معنا؛ يجب أن يتشاركوا حياتهم مع أسرهم وأن يربوا أبناءهم، بدل أن يفكروا في أفضل طريقة لوداعهم.

تم الحكم على ١٤ شخصا من بينهم عمر مالك وأبي وصحفي بالإعدام العام الماضي من قبل القاضي المسيس، محمد ناجي شحاتة، “الجزار”، أما نحن الباقين فكان الحكم علينا بالمؤبد.

يبدو أن إعادة المحاكمة التي ستبدأ غدا ستكون طويلة بقدر الأولى، ومسيسة تماما كسابقتها، وستكون نتيجتها ظالمة بنفس القدر، إلا إذا استيقظ ضمير المجتمع الدولي.

وكما حدث معي ومع صحفيي الجزيرة، تقع المسؤولية على المنظمات غير الحكومية والحكومات ووسائل الإعلام في المطالبة بالإفراج الفوري عن الصحفيين والمعتقلين السياسيين الآخرين، وأي تقصير في هذا الأمر هو خيانة واضحة للقيم والمبادئ التي أقيمت مجتمعاتنا على أساسها.

وفي النهاية أقول إن هذه القضية بخصوص “غرفة العمليات” الوهمية ليست إلا هجوما متنكرا على القيم العالمية لحرية التعبير.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023