قالت مجلة “تايم” الأميركية إن الطفل ذي الثلاث سنوات الذي حكم عليه بالسجن بطريق الخطأ، هو فقط الأسوأ في سلسلة من الفظائع التي ترتكبها الأجهزة الأمنية في مصر.
وواصلت المجلة: في سياق تقرير لها، أن محكمة عسكرية قضت عن طريق الخطأ على طفل بالسجن المؤبد، كما أطلق شرطي النار على سائق فأرداه قتيلا في شارع مزدحم بالقاهرة، كما أودع قاض كاتبا السجن بسبب مشاهد إباحية في رواية.
ونتيجة لهذه العناوين وغيرها يواجه الأمن والقضاء المصري ارتفاعا مفاجئًا في الغضب الشعبي ضد انتهاكات الحقوق، وانتقلت الدعوة للإصلاح من الشوارع إلى الإعلام، وحتى إلى داخل مبنى البرلمان المصري، الذي يعتبر تابعا للنظام.
وقد تفجر السخط الشعبي تجاه الشرطة والنظام القضائي هذا الأسبوع في الإعلام المصري؛ حيث انتقدت نظام السيسي أصوات محسوبة عليه ومتعاطفة معه، كما أن المتابعة الدقيقة للشرطة على وجه الخصوص قد ظهرت في الصحف المصرية في ١٢ فبراير؛ حيث احتشد آلاف الأطباء في تظاهرة نادرة للتعبير عن غضبهم بعدما اعتدى رجل شرطة على طبيبين واعتقلهما.
هذا الصخب يفرض على السيسي تحديا خطيرا.. فالجنرال العسكري السابق الذي أتى إلى السلطة بعد انقلاب عسكري في يوليو ٢٠١٣ حكم مصر بقبضة من حديد وترأس نظاما استبداديا، لكنه الآن يصارع مشكلة إدارة مؤسسات الدولة الواسعة -بما فيها المؤسسة القضائية- التي تحتفظ بدرجة من الاستقلالية حتى عن السلطة التنفيذية.
لا بد أن السيسي يشعر ببعض الضغط؛ حيث استجاب لهذا النقد بخطاب تليفزيوني عاطفي الأربعاء الماضي، وقال في خطاب مرتعش استمر لمدة تسعين دقيقة في القاهرة “لا يجب أن يساء استغلال صبري وأخلاقي لتسقط الدولة”.
وقال: “أقسم بالله أن من يقترب منها سوف أمحوه من على وجه الأرض، أنا أقول لكم هذا بينما تستمع مصر كلها إلي، ماذا تظنون أنكم فاعلون، من أنتم؟” حسبما أفادت الأسوشيتد برس.
وكان القضاء وقوات الأمن هم من تولوا قمع معارضي النظام منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي في يوليو ٢٠١٣. ومنذ ذلك الحين قامت السلطات باعتقال عشرات الآلاف من الناس -نشطاء وطلاب ومتفرجين- في حملة أمنية هدفها إنهاء أعوام الاضطراب التي أعقبت ثورة عام ٢٠١١ التي أطاحت بحسني مبارك.
إلا أن حوادث عديدة حدثت مؤخرا قد نجحت في إثارة غضب المصريين الساخرين الذين ينتقدون عدم مساءلة القضاة وأعضاء النيابة والمسؤولين الأمنيين.
وفي ١٨ فبراير قام أحد رجال الشرطة بإطلاق الرصاص على سائق فقتله بعد مشادة حدثت بينهما، وفقا لتصريح النيابة، وقد اضطر أمين الشرطة للهرب من موقع الحادث في أحد شوارع منطقة الدرب الأحمر بعدما تجمع عدد من سكان المنطقة الغاضبين وثاروا ضده.
وقد أثار حادث القتل دعوات متجددة لإصلاح وزارة الداخلية بعد سنوات كانت فيها الشرطة قد وسعت فيها استغلالها المميت للسلطة، ووفقا لمركز النديم لإعادة تأهيل ضحايا العنف -والذي يواجه هو نفسه تهديدات بالإغلاق من قبل سلطات الدولة- فإن ٤٧٤ شخصا قد قتلوا على يد رجال الأمن عام ٢٠١٥.
ومنذ يومين حكمت محكمة الاستئناف على الروائي أحمد ناجي بالسجن لمدة عامين بتهمة “انتهاك الحياء العام” لنشره مقتطفات من رواية تصور استخدام الجنس والمخدرات بين الشباب المصري الساخط.
وقد صعد الحكم بسجن ناجي من ردود الفعل الإعلامية؛ حيث اعتبر البعض السيسي مسؤولا عن القرار الذي اتخذته المحكمة، واتهم إبراهيم عيسى -وكان معارضا لحكم مبارك وداعما للانقلاب العسكري الذي أطاح بمرسي عام ٢٠١٢، في عمود له نشر بعد الحكم- السيسي بإدارة “حكومة دينية”، وكان هذا اتهاما مثيرا، فقد برر السيسي عزل محمد مرسي ذي الخلفية الإسلامية بسبب مخاوف من فرض جماعة الإخوان المسلمين لحكومة دينية مماثلة.
ثم تأتي القضية المثيرة للدهشة لطفل عمره ثلاث سنوات ويدعى أحمد منصور قرني شرارة، الذي حكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن المؤبد يوم ١٦ فبراير.
كان الطفل من بين ١١٦ متهما أحيلوا إلى المحاكمة للتظاهر في يناير ٢٠١٤ بالفيوم (على بعد ٦٠ كم من القاهرة)، وقد أصبحت مثل هذه المحاكمات الجماعية التي يتم فيها محاكمة عشرات أو حتى مئات الأشخاص على مجموعة من التهم الجنائية في محكمة مدنية أو عسكرية أمرًا اعتياديًا؛ حيث يتعامل القضاة مع آلاف المعتقلين المحبوسين بتهم ذات علاقة بالتظاهرات التي انطلقت منذ الانقلاب العسكري عام ٢٠١٣.
وأثناء المظاهرات التي خرجت في مدينة الفيوم قامت قوات الأمن بتفريق المتظاهرين مستخدمة قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي؛ ما أسفر عن مقتل ثلاثة متظاهرين.
وقد وجهت النيابة التهمة لما قالت منظمات حقوق الإنسان إنها “مجموعة عشوائية من أهالي الفيوم” بمن فيهم شقيقان لاثنين من القتلى ورجل ميت، وفقا لما قالته منظمات حقوق الإنسان التي وكلت محاميا لبحث القضية.
وعندما توجهت قوات الأمن إلى منزل الطفل لإلقاء القبض عليه في عام ٢٠١٤ ، قدمت أسرته شهادة ميلاد تثبت أن شرارة طفل صغير، لكن ضباط الشرطة رفضوا تصديقها واعتقلوا والد الطفل بدلا منه واحتجزوه لمدة أربعة أشهر، وبعد إصدار الأحكام في ١٦ فبراير -وبعدما انتشرت الأخبار عن الحكم على طفل صغير بالسجن- قال مكتب المتحدث العسكري إن اسم الطفل تم إدراجه عن طريق الخطأ في القضية.
ووفق تصريح المتحدث العسكري فقد كانت السلطات تقصد الحكم على آخر يبلغ من العمر ستة عشر عاما ويحمل نفس الاسم.
كانت قضية شرارة تطرفا من قبل النظام، لكن مثل هذه الأخطاء كانت معتادة في المحاكمات الجماعية.
يقول ناثان براون، خبير في شؤون القضاء المصري وأستاذ علم السياسة بجامعة جورج واشنطن: “يتم اختيار المحاكم العسكرية باختصار لأنها سريعة في إصدار الأحكام، كما أن إجراءاتها أقل.. لذا فأمر مثل هذا يمكن تصور حدوثه بسهولة”.
وقد ظهرت القضية السخيفة للعلن عندما ظهر الطفل الصغير أحمد بابتسامته الجميلة غير مدرك للحكم القضائي الذي يواجهه، ظهر بجوار والده في أحد البرامج التليفزيونية الذي تم تصويره في غرفة المعيشة بمنزل العائلة.
ويقول جو ستورك، نائب مدير شؤون الشرق الأوسط بمنظمة هيومان رايتس ووتش، في تصريح له: “هذه القضية مثال على تفاهة القمع في مصر الآن”.
ومن حديث السيسي وأفعاله يتبين أنه يقود حملة القمع الواسعة ضد المعارضين، لكن لا يبدو أنه يسيطر بشكل كامل على مؤسسات الدولة المتنافسة المشاركة في هذا القمع.
ففي قضايا سابقة في السنوات الأخيرة قام بعض القضاة بإصدار أحكام جماعية بالإعدام في محاكمات جماعية، وأودعوا ثلاثة من صحفيي الجزيرة السجن بتهمة التعاون مع الإرهابيين في قضية كانت أدلتها المزعومة تتضمن مقطع فيديو لحصان وتقريرا إخباريا عن تربية الأغنام.
ويقول الباحث في المبادرة المصرية لحقوق الإنسان كريم مدحت: “إنهم يعملون كمؤسسات مستقلة، لكنهم في نفس الوقت متأثرون بالمناخ الاستبدادي العام”.