فى بدايات نوفمبر الماضى وعد رأس النظام المصرى المواطنين، بحل مشكلة الأسعار بنهاية الشهر ، من خلال الجيش ووزارة التموين ، وعقد اجتماعات مع قيادات بالجيش، وتم تشكيل لجنة وزارية خصيصا لهذا الغرض، وخرج المحافظون ومديرو الأمن بالمحاظات للأسواق، وأعلنت وزارة الداخلية عن فتح منافذ لبيع السلع الغذائية للجمهور أسوة بوزارة الدفاع.
وقبيل نهاية الشهر مد الجنرال مهلة الوعد الى نهاية ديسمبر، ولكن جهاز الإحصاء المسؤل عن متابعة الأسعار بالأسواق ، أشار مؤخرا الى استمرار ارتفاع الأسعار فى يناير عما كانت عليه فى ديسمبر، وفى الشهر الحالى تزايدت حدة ارتفاع أسعار السلع الغذائية ، خاصة بعد رفع الرسوم الجمركية على العديد من السلع بنهاية الشهر الماضى ، الى جانب نقص الأرز وزيوت الطعام بالأسواق.
وهكذا لم يتحقق وعد الجنرال، وسكت الاعلام الرسمى كالعادة عن مصير الوعد ، واكتفى وزير التموين بالتهليل ببيع كميات ضخمة من الوجبات الغذائية بالمجمعات الاستهلاكية ، حتى وصل عددها الى 5ر1 مليون وجبة خلال ثلاثة أشهر.
وينسى الوزير الأكاديمى، أن عدد الأسر المصرية حاليا يزيد عن 21 مليون أسرة، أى أن استهلاك يوم واحد يتطلب 21 مليون وجبة ، بينما يتحدث عن الإستهلاك فى ثلاثة أشهر!
الغريب أن يستمر ارتفاع أسعار الغذاء بالأسواق المصرية، رغم الاتجاه الهبوطى لها عالميًا منذ أبريل 2014 وحتى الشهر الماضى حتى وصل مؤشر الغذاء الذى تعلنه منظمة الأغذية والزارعة فى الشهر الماضى، إلى أقل مما كان عليه عام 2007.
ونفس الأمر لأسعار الحبوب والزيوت التى وصلت لأقل مما كانت عليه قبل تسع سنوات ، وأسعار السكر ومنتجات الألبان التى وصلت لأقل مما كانت قبل سبع سنوات، وأسعار اللحوم لأقل من أسعارها قبل ست سنوات.
وفى ضوء الفجوة الغذائية فى مصر واستيراد حوالى 60 % من السلع الغذائية ، فإن مؤشر الأسعار الرسمى خلال عامين ونصف، من استيلاء الجيش على السلطة فى يوليو 2003 ، لم ينخفض عن رقمين، سوى فى شهور قليلة كان خلالها يزيد عن نسبة 8 %.
ولا تجد البيانات الرسمية عن التضخم قبولا لدى المتخصصين أو المواطنين، سواء التى يعلنها جهاز الإحصاء أو البنك المركزى، فمؤشر أسعار جهاز الإحصاء يفترض انفاق المصريين نسبة 38 % من دخولهم، على الطعام والشراب وهى نسبة غير واقعية.
في ظل ارتفاع نسب الفقر والتى تجعل غالب الدخل يتجه للغذاء، كما تدخل فيه الأسعار الحكومية الثابتة مثل المشتقات البترولية والكهرباء، والرغيف البلدى ورسوم أتوبيسات النقل العام والقطارات ومترو الأنفاق والسجائر، مما يقلل من أثر باقى السلع والخدمات التي ترتفع أسعارها.
وهكذا بلغ مؤشر الأسعار لجهاز الاحصاء خلال الشهر الماضى 7ر10 %، بينما وصل حسب مؤشر البنك المركزى الذى يستبعد الخضر والفاكهة من حساباته ، رغم أنها تعد غذاءا رئيسيا لغالب المصريين إلى 7ر7 %.
ويظل السؤال الأهم، إذا كانت مصر تستورد معظم غذاءها ، فلماذا لا ينتقل أثر تراجع الأسعار دوليا إلى الأسواق المصرية ، وهنا تتعد الأسباب، ومنها نقص الدولار اللازم للاستيراد ، فيلجأ المستوردون لشراءه بسعر أعلى من السوق السوداء، ويتم تحميل الفرق للسلع المستوردة، كذلك ارتفاع هامش التأمين عل الواردات المصرية فى ظل انخفاض التصنيف الائتمانى لها.
وكذلك رسوم الأرضيات بالموانىء بسبب تأخر إجراءات الإفراج عنها، إلى جانب ما يتم دفعه كرسوم للموانىء وللطرق وللنقل النهرى، بخلاف المدفوعات غير الرسمية فى كل مرحلة من بداية وصول السلع إلى الميناء وحتى وصولها إلى المخازن.
ويلى ذلك تعدد حلقات الوساطة، من مستورد إلى تاجر جملة، إلى تاجر نصف جملة الى تاجر تجزئة، وكل حلقة لها أرباحها التى يتم تحميلها على السعر النهائى للسلعة، وهو أمر ينطبق أيضا على السلع المحلية، بوجود سعر عند المزرعة ، وسعر لدى تاجر الجملة وسعر لدى تاجر التجزئة.
بل أن السعر يختلف لدى تاجر التجزئة باختلاف طبيعة المكان الجغرافى له، فالسعر بالمدينة يختلف عن السعر بالقرية، والسعر بالمناطق الراقية يختلف عن السعر بالمناطق الشعبية.
ورغم وجود جهاز حكومى لحماية المستهلك، ومديريات للتموين بالمحافظات كأجهزة حكومية معنية بالرقابة على الأسواق، الى جانب رقابة شرطية تحت مسمى مباحث التموين، ووجود جمعيات أهلية لحماية المستهلك، إلا أن عوامل البيروقراطية والفساد تقلل من فاعلية تلك الجهات، والتي تركز فى عملها على جودة السلع، وليس على أسعارها.