“مصر تتحول تدريجيا لتصبح دولة بلا قانون”، هكذا وصف تقرير جريدة “نيويورك تايمز” الأميركية، بشأن ملابسات مقتل الباحث الإيطالي جيوليو ريجيني، 28 عامًا، في مصر بعد أن عُثر عليه مقتولا وعلى جثته آثار تعذيب وجروح متعددة بطعنات وحروق سجائر وآثار تعذيب أخرى، وهي ملقاة على قارعة الطريق على مشارف القاهرة.
وأكد الدكتور خالد فهمي، رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأميركية، أنّه تم الكشف عن معلومات جديدة توصل لها مراسل الجريدة، كريم فهيم، حول مقتل الباحث الإيطالي جيوليو ريجيني.
وأورد فهيم، هذه المعلومات قائلًا: “جوليو اختفى يوم 25 يناير، العيد الخامس للانتفاضة التي قامت ضد مبارك، وهو اليوم الذي شهد تواجدًا لقوات الأمن في شتى أنحاء القاهرة للحيلولة دون قيام مظاهرات احتفاءً بالمناسبة، أصدقاء جوليو قالوا إن آخر معلوماتهم عنه أنه كان متجهًا لمحطة مترو الدقي لمقابلة أصدقائه في وسط البلد”.
وأضاف: “أحمد ناجي، وكيل النيابة الذي يحقق في القضية، قال في مقابلة (مع النيويورك تايمز) إن آخر إشارة من تليفون جوليو ريجيني المحمول التقطت بالقرب من محطة الدقي، وقد اختفى جوليو في نفس هذا الوقت، حسب أحد الشهود”.
وتابع: “يقول العديد من الشهود إنهم شاهدوا رجلي أمن بملابس مدنية يستوقفون شبابًا في الشارع حوالي الساعة السابعة، وهو الوقت الذي شوهد فيه جوليو ريجيني لآخر مرة، أحد الشهود، الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته، قال إنه رأى ضابطين يستوقفان الإيطالي، وقام أحدهما بتفتيش حقيبته، بينما فحص الآخر جواز سفره، بعدها اصطحب الرجلان جوليو ورحلوا، ويضيف الشاهد إن أحد الضابطين كان قد شوهد في المنطقة قبل ذلك وكان يستفسر من الناس عن جوليو ريجيني”.
مضيفًا: “وقد قال ثلاثة ضباط أمن كانوا يستفسرون عن القضية إن جوليو ريجيني قٌبض عليه لأنه كان وقحًا مع الضباط، ولم يكن مهذبا بالمرة، وتصرف كبلطجي-، حسب ما قاله أحد هؤلاء الضباط، وقد أجمع الضباط الثلاثة في مقابلات منفصلة (مع النيويورك تايمز) على أن جوليو ريجيني كان يدرس الحركة العمالية غير الرسمية في مصر، وكانت الشكوك تحوم حوله بسبب ما قاله الضباط من وجود أسماء أشخاص ينتمون للإخوان المسلمين وحركة 6 ابريل اليسارية الشبابية على تليفونه المحمول، وتعتبر حكومة السيسي هاتين الحركتين أعداءً للدولة”.
وأضاف أحد الضباط قائلًا: “لقد ظنوه جاسوسًا، ففي النهاية ما الذي يدفع شخصًا أن يأتي لمصر لدراسة النقابات العمالية؟”.
وحول تقرير “نيويورك تايمز”، أكد الباحث السياسي، علاء بيومي، أنّ المقال يُعد فضيحة جديدة لنظام فضائحه لا تتوقف، وبمثابة كارثة، بحسب تعبيره.
وقال في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: “مزيد من الشبهات عن مسؤولية الأمن، وعن عجز الدولة وازدرائها لحقوق الإنسان، تصلب عقول القائمين على النظام”.
وأضاف: “أي سمعة سيئة تكتسبها مصر بسبب هؤلاء، كيف سيزور أجنبي مصر في ظل هذا السعار، ثم يتحدث قائد الانقلاب اليوم عن السمعة الدولية لنظامه؟ أي سمعة؟”.
تقرير “نيويورك تايمز”
وقال التقرير إن الضجة التي أُثيرت حول وفاة ريجيني في مصر تزايدت مع وصول فريق من المحققين الإيطاليين إلى مصر، أمس الجمعة، للمساعدة على كشف ملابسات الحادث وتقديم الجناة إلى العدالة، ويبدو أن الشاب كان يكتب سرًا من مصر لصالح صحيفة إيطالية يسارية.
وذكر التقرير أن صحيفة “إل مانيفيستو” الإيطالية اليسارية نشرت مقالة، أمس الجمعة، كتبها ريجيني باسم مستعار قبل أسابيع من العثور على جثته، والتي كان ينتقد فيها حكومة عبد الفتاح السيسي، عبر وصفه المحاولات المتعثرة التي تقوم بها النقابات المصرية لإعادة ترتيب أوراقها.
وأشار التقرير إلى أنه لا يوجد ما يدل على أن مقالة ريجيني هي التي دقت المسمار الأخير في نعشه، لكنها، أي المقالة، قد أسهمت بشكل أو بآخر في إثارة موجة من السخط العام في إيطاليا حول الإصابات المتعددة التي ظهرت على جثة الطالب الإيطالي في وقت أشارت فيه تقارير إعلامية بأصابع الاتهام إلى قوات الأمن المصرية.
وكان مسؤولون مصريين، قد صرحوا أمس الأول الخميس، بأن ريجيني قد وُجدت جثته وعليها جروح متعددة بطعنات وحروق سجائر وآثار تعذيب أخرى، بل وربما يكون قد مات متأثرًا بنزيف في الدماغ، وعنونت صحيفة “لاستامبا” الإيطالية اليومية تقريرًا لها بـ”جيوليو، الشرطة المصرية مُتهمة”.
وفي مسعى مصري لتهدئة الأجواء المحتقنة مع إيطاليا، الحليف الأوروبي المقرب نسبيًا من القاهرة، تعهد مسئولون مصريون بالتعاون لكشف ملابسات الحادث وتقديم المسؤولين عنه للعدالة، وتحدث رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينيزي هاتفيًا مع عبد الفتاح السيسي واتفق الجانبان على التعاون لـ”كشف لغز” ريجيني، وفقًا لبيان صادر عن مكتب السيسي.