أكدت مصادر صحفية، أنّ حدة التوتر بين روسيا وتركيا الآن، أعلى من أي وقت مضى، حيث يقوم الحزب المتحد الديمقراطي -المنظمة السياسية القائدة في شمال شرقي سوريا- والذي تعتبره تركيا كيانًا إرهابيًا، بفتح مكتب مُمثل لها في موسكو يوم الاربعاء تحت دعوة شخصية من بوتين.
وأشارت المصادر، إلى أن هذه التطورات تأتي في الوقت الذي احتدم فيه صراع عنيف دائرًا بين روسيا وواشنطن من أجل فرض السيطرة وامتلاك السلطة في المناطق الاستراتيجية على الحدود السورية التركية، فأميركا تدعم الأكراد السوريين في حربهم ضد “تنظيم الدولة”، وأولوية روسيا هي إحباط الجهود المدعومة من الغربة لإسقاط نظام الاسد.
وتركيا عالقة في المنتصف، وأكبر مخاوفها هو أن يتمكن الحزب الكردي من فرض سيطرة مستقلة على نواح واسعة من شمال سوريا رابطةً بذلك كردستان العراقية المستقلة وتشجيع الاكراد النافرين في تركيا أن تحذو حذوها.
وفي هذا السياق، صرّح “عبد السلام علي” مبعوث الحزب الكردي السوري إلى موسكو، بأن غرضهم هو حشد تأييد سكان مُقاطعتهم الكردية في سوريا من خلال هذا المكتب.
تقول تركيا بأن الحزب الكردي مُتحد مع حزب عمال كردستان، الذي يعتبر عدوًا قديمًا وتقاتل قواته الأمنية الآن في المناطق المدنية في جنوب شرق تركيا، تعتبر أميركا أيضًا “حزب العمال” منظمةً إرهابية مثل تركيا بخلاف أنها لا تصف الحزب الكردي بذات اللفظ، بينما تعتبر روسيا كلا هذين الحزبين جهتين فعّالتين شرعيتين.
وسيُعقد الحفل الافتتاحي اليوم الاربعاء في موسكو ويُتوقع أن يحضره مسؤولو الخارجية الروسية، بينما يراه السياسيون والمُحللون الأتراك كاستفزاز مُتعمد وجزء من رهان كبير لتوسعة السلطة الروسية في المنطقة.
يرى الأتراك هذه الخطوة نابعة من رغبة بوتين في الثأر من تركيا الذي بدأ في نوفمبر الماضي بعد أن دخلت طائرة حربية الحدود الجوية التركية من ناحية سوريا وتم إسقاطها، ورفض طيب رجب أردوغان طلب بوتين في تقديم اعتذار وتعويض، وطلب العون من حزب الناتو. قال بوتين يوم الاثنين أنه لن يتراجع.
صارت تركيا تحت ضغط مضاعف في الايام الحالية حيث تقوم القوات العسكرية الروسية بدعم القوات الاسدية مما أدى إلى ترجيح كفة الجيش السوري النظامي ضد القوات المعارضة حول حلب وإرسالها عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى حدودها، والذي بدوره زاد من ضغط الأمم الأوروبية ومنظمات المعونات الإنسانية على أنقرة.
أيضًا، قامت القوات الروسية بحملات على أقلية التركمان في سوريا الذين قام أحد مُقاتليهم بقتل أحد طيّاري القاذفات السورية التي سقطت وزعمهم بتقديم مساعدة عسكرية للجناح العسكري للحزب الكردي الديمقراطي. ولكن روسيا تنفي هذا الادعاء تمامًا.
يلوم المسؤولون الروس تركيا على مساهمتها في فشل محادثات السلام السورية في جنيف بعد اعتراض أردوغان على مشاركة الحزب الكردي، في حين قام وزير الخارجية الروسي بالتحذير من انهيار هذه المحادثات إذا تم استبعاد الأكراد.
أجاب أردوغان بأن هذه المحادثات بلا جدوى إذ أن روسيا تستمر في قتل الناس في سوريا قائلًا: “في بيئة لازال يُقتل فيها الأطفال، فإن هذه المحاولات لن تفعل شيئًا أكثر من جعل الأمور أسهل على الطاغية الأسد”.، وقالت صحيفة “المستقبل” البريطانية أن هناك أكثر من 1.400 مدني قُتلوا على يد القوات العسكرية الروسية منذ أكتوبر الماضي.
ووجّه أردوغان سخطه على أميركا بعد اجتماع مسؤول أميركي كبير مع الجناح العسكري لحزب العمال الكردي في كوباني في سوريا الاسبوع الماضي لإعادة طمأنتهم بعد استبعادهم من مؤتمر جنيف، قائلًا: “لقد زار كوباني في أثناء محادثات جنيف ومنحه ما يُدعى بالحزب الكردي لوحة شرفية، كيف بإمكاننا الآن أن نثق بكم؟ هل أنا هو حليفكم أم الإرهابيين في كوباني؟”.
وتعهّد اردوغان في يونيو الماضي بأنه لن يسمح أبدًا بقيام الدولة الكردية في شمال سوريا، وبالنسبة إليه، زيارة أميركا للحزب هو اعتراف ضمني -ولو مؤقت- بهم.
في زيارة له لتركيا الشهر الماضي، تم عرض خريطة حدودية على “جو بيدن” نائب الرئيس الاميركية توضّح الأماكن التي يدّعي المسؤولون الأتراك أن المحاربين السوريين الأكراد يرسلون فيها ذخيرة وأسلحة مصنوعة في أميركا إلى حزب العمال الكردي بنية استخدامها ضد “تنظيم الدولة، وتم إعلام “بيدن” بأن المقامرة العسكرية غير مقبولة وأن تركيا كانت جاهزة لتفجير القوات الموالية لواشنطن في سوريا إذا استمرت في ذلك.
توقّعت بعض التقارير في الإعلام التركي قيام تركيا بحملات عسكرية مكثفة بما في ذلك التدخل في الاراضي الكردية في شمال سوريا، من جانبها أصرّت روسيا الاسبوع الماضي أن الاتهامات التركية بخصوص انتهاك الحدود الجوية كان مجرد غطاء للخطط العسكرية التركية.
قال المتحدث باسم الدفاع الروسي بأن وزير الدفاع الروسي سجّل عددًا متزايدًا من العلامات التي تدلّ على تحضيرات تقوم بها القوات التركية في الاراضي السورية، وقامت القوات التركية بعدة تدخلات في الماضي تجاه الاراضي الكردية في شمال العراق وقامت ببعض الإجراءات العسكرية المحدودة في سوريا.
أي عملية عسكرية كبيرة ضد المعاقل الكردية في تحد لروسيا وأميركا سيكون علامة على يأس اردوغان، وستكون كارثة كبيرة تزيد من تأزّم الصراع السوري.